السينما في “السعودية”: عرض رواية النظام حصراً
شارك مشاهير عرب وأجانب في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الذي استمر أسبوعًا في مدينة جدة الساحلية الغربية بدءاً من 6 ديسمبر/ كانون الأول الحالي حيث عُرض 138 فيلمًا من 67 دولة بأكثر من 30 لغة.
في المهرجان السينمائي، ظهر الممثلون والممثلات العرب والأجانب يسيرون على السجادة الحمراء بملابس السهرة، بعيداً عن العباءة السوداء التقليدية التي كانت حتى وقت قريب هي الزي الرسمي للنساء.
افتتح المهرجان بعد يوم من استضافة جدة لأول جائزة كبرى للفورمولا 1 في محاولة أيضًا لتصوير “السعودية” في ضوء مختلف، لكن دعوات المقاطعة من النقاد والنشطاء هدّدت بظلالها على كلا الحدثين.
انتقد مراقبون الحدث بالقول إن: “السعودية تستخدم الأحداث الرياضية والترفيهية الكبرى لتبييض سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، خاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018 في قنصلية السعودية في اسطنبول. كما أعلن ممثلون عن مقاطعة الحفل، مثل خان المخرج السينمائي الكندي الذي رشح لجائزة الأوسكار، وكان من بين أولئك الذين طالبوا بمقاطعة المهرجان منذ إعلانه لأول مرة.
فيما الممثل البريطاني إد ويستويك لوكالة “فرانس برس”: “أعني انظر أنا هنا فقط لدعم صديقي ولأكون هنا كعضو في صناعة السينما وهذا كل شيء”. في هذا السياق، يرى حقوقيون أن الرياض تستخدم الفاعليات الفنية والرياضية التي تضم نجوماً عالميين “لتبييض سجلها الضعيف” في مجال حقوق الإنسان.
إذ قال المعارض السعودي، وليد الهذلول، لوكالة “فرانس برس”: “إن مهرجانا سينمائيا بدون حرية تعبير محض دعاية.
أنا أؤيد الانفتاح وأتمنى أن يتمتع الناس بهذه الحريات، لكن في السياق السعودي، إنها نافذة للناس لتغيير رأيهم في السعودية”.
وتابع: “عندما نفكر في السعودية، لا نفكر في (جمال) خاشقجي بعد الآن ولكن في كل هذه الأحداث”. الانتقادات طالت أيضاً التحوّل الاجتماعي الذي تزعمه الدولة الخليجية بما في ذلك رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة والسماح بحفلات موسيقية مختلطة الجنس وغيرها من الأحداث، إذ جرى بعدها استمرار حملات القمع والاعتقالات ضد النشطاء والمعارضين.
وتعليقاً على هذا الحدث، كتبت الناشطة مريم عبدالله مقالاً أكدت فيه أن الأوساط المحيطة بولي العهد بن سلمان روّجت للترفيه كونه «استراتيجية لخلق معنى جديد وعصري “لهوية الوطنية.
وأشارت إلى التكاليف الهائلة التي تسبب بها بناء هذه الهوية التي كلّفت ميزانية البلاد المنهكة مليارات الدولارات.
يتخوّف نشطاء وسينمائيّون من سيف الرقابة، كما ترى مريم في مقالها بصحيفة “الأخبار” اللبنانية خصوصاً بعد نشر بيان لوزارة الثقافة السعودية، رسمت فيه الخطوط الحمر والحدود المسموح بتناولها.
جاء في البيان: “محتوى العروض سيخضع للرقابة وفق معايير السياسة الإعلامية للمملكة” بشكل “يتوافق مع القيم والثوابت المرعية بما يتضمن تقديم محتوى مثير وهادف لا يتعارض مع الأحكام الشرعية ولا يخل بالاعتبارات الأخلاقية في السعودية”.
يعارض ذلك كاتب سيناريو ومسرحي سعودي، كتب لنا رداً على الرقابة في السعودية الجديدة: “من خلال تجربتي، الرقابة في السعودية باتت أكثر تساهلاً والسقف عالياً.
هناك نصوص لي سُمح بها ورفضت في دول أخرى”. المثير للسخرية وفق الكاتبة، أنّ تكوين الهوية السلمانية المهووسة بالشخصيات العظيمة والقادة الكبار، يتم على يد فرق أجنبية إذ أعلنت جمعيات وشركات تابعة لولي العهد، عن تمويلها فيلم الأنيمشين السعودي الياباني “الرحلة” (2021 ــ إخراج كوبن شيزونو)، الذي استحضر من كتب التاريخ قصة أبرهة الحبشي الآتي لهدم الكعبة واحتلال مكة المكرمة.
حملة تدميرية تصدّى لها رجل شجاع، سلاحه “الإيمان”، ضد “السواد القادم من اليمن”، التي يشنّ عليها ابن سلمان وشريكه ابن زايد حرباً مدمّرة منذ ما يُقارب سبع سنوات.
أفلام وسيناريوهات وأموال طائلة تم ضخّها في صناعة السينما لتغيير الرأي العام في الخليج والعالم الرافض للحرب.
وأضافت: “لا تزال الحرب على اليمن، وجولات التطبيع مع الصهاينة وكيفيّة إدارة الصراع مع إيران في المنطقة، تشكّل العناوين المفضّلة لمحمد بن سلمان، وامبراطوريّته الإعلاميّة المجهّزة بأبواق تعمل على التحريض ليل نهار ضد الجار الإيراني.
بعد قرار ابن سلمان وضع اليد على قنوات mbc، كشفت الشبكة السعودية وAGC studios الأميركية، عن فيلم يعرض على mbc قريباً، يحمل اسم محارب الصحراء.
تصوّر أحداثه في شمال السعودية وتحديداً بين تبوك ومدينة نيوم، جوهرة تاج ولي العهد الطموح، بميزانية قاربت 100 مليون دولار، من إخراج البريطاني روبرت وايات، وبطولة السوري غسان مسعود، والأميركي أنتوني ماكي، والبريطانية من أصل سعودي عائشة هارت، التي تلعب دور هند بنت النعمان بن المنذر ملك الحيرة”.
تدور أحداث الفيلم حول نتائج رفض هند بنت النعمان الزواج من الملك الساساني كسرى الثاني (بحسب رواية تاريخية ضعيفة)، ما أدى إلى اندلاع أكبر مواجهة بين “الفرس والقبائل العربية التي أوقف رفض الأميرة، الحروب والتناحر في ما بينها، للتوحّد ضد برويز في معركة ذي قار، مسجّلين أول انتصار عربي على الفرس قبل ظهور الإسلام.
نزولاً عند رغبة الأمير المهووس بالقيادة، ابتدع كاتب السيناريو شخصية حنظلة (أنتوني ماكي)، وهو قاطع طريق بنكهة الفارس الشجاع، وتصدّيه لإنقاذ آخر ملوك المناذرة وابنته الهاربين من أفخاخ رجال كسرى”.
وتورد الكاتبة: “سبق استحضار النسخة السينمائية من القصة التاريخية، استمرار التحريض الإعلامي على الجمهورية الإسلامية بلغة طائفيّة مقيتة، كون العداء الفارسي للعرب قديماً، يأبى أن يموت، حتى بعدما دخل الإسلام ديار فارس قبل 14 قرناً.
وبحسب رأي كتاتيب البلاط، لا يستقيم ذلك إلّا باتّباع النهج الجديد لمشايخ مدن النفط المستحدثة، العاملين على جمع العرب لمواجهة المدّ الفارسي الغاشم. لكن لحسن حظنا جميعاً، إنّ «شجاعة الشجعان هذه، سنراها فقط عبر شاشة السينما”.
ارسال التعليق