القوانين والمدن الذكية: أساليب الخنق المتجددة لآل سعود
خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الفائت 2023، اقترحت (الهيئة العامة لتنظيم الإعلام) في "السعودية"، مشروع قانون جديد للإعلام، غايته وفق زعمها، إصلاح الأطر القانونية الحالية في البلاد التي تنظم وسائل الإعلام، بما في ذلك الوسائل السمعية والبصرية والإذاعة والصحافة والمطبوعات.
لكن الغاية الحقيقية من اقتراح المشروع اياه يكمن في خباياه، حيث أن نطاق مشروع قانون الإعلام يتجاوز وسائل الإعلام القديمة، لكي يشتمل على منصات الاتصالات الرقمية مثل مواقع التواصل الاجتماعي التي أدرجتها تحت تعريف وسائل الإعلام، وكذلك على الأفراد الذين يعبرون عن آرائهم عبر الإنترنت.
بهذا؛ تحاول السلطات السعودية قَوننة قمع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وتحويل هذه الأخيرة إلى أداة رقابية بين يديها.
فقد أتى في (المادة الثانية) من اقتراح المشروع "تسري أحكام هذا النظام على مزاولي الأنشطة الإعلامية ومن في حكمهم، ووسائل الإعلام ومنصات المحتوى الرقمي ومستخدميها، والعاملين في مجال الإعلام داخل المملكة ومن في حكمهم".
كما ينص مشروع قانون الإعلام على حصول وسائل الإعلام، بما في ذلك المنصات الرقمية، على ترخيص من السلطات قبل القيام بأي نشاط إعلامي، بما في ذلك إنشاء المحتوى الإعلامي أو نشره أو بثه.
وتعقيباً على الأمر، تشير منظمة (آكسيس ناو) إلى أن "تفويض الترخيص هذا لا يؤدي إلى إنشاء نظام رقابة فحسب، بل إنه يتعارض مع المعايير القائمة على حقوق الإنسان المتعلقة بتنظيم وسائل الإعلام. وخلافا لما أوصت به لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في عام 2011، "ينبغي للأنظمة التنظيمية أن تأخذ في الاعتبار الاختلافات بين قطاعي الطباعة والبث والإنترنت والإنترنت"". مشيرة إلى أن مبرر مطالبة هيئات البث بالحصول على ترخيص هو نطاق محدود للتشغيل، ولكن لا توجد مثل هذه الحدود للمنصات عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبينما تنصّ (المادة 11) من مشروع قانون الإعلام إلى ضمان الحق في حرية التعبير، فإنها تحظر العديد من أشكال التعبير والمحتوى، وتحظر الأخبار "الكاذبة" والمحتوى الذي ينتقد الإسلام و"الأسرة المالكة"، وأي شيء تعتقد السلطات أنه قد يعرض الأمن القومي للخطر. بما في ذلك النظام العام أو الاقتصاد الوطني أو علاقات "الدولة" الخارجية.
فقد أتى في نص المادة "حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل الإعلام، بما لا يتعارض مع أحكام النظام واللائحة والأنظمة النافذة"، الأمر الذي يتعارض مع المعايير الدولية.
ومجددا تؤكد هذه المسودة، في (مادتها الـ13) على قدسية "ولي العهد"، كما تحصّن "أصداقاء" البلد من أي مساس بها. وبديهيا؛ المرام منه حبس أنفاس من لا يزال يجرؤ على توجيه النقد لأميركا وكيان الاحتلال في حال تمّ التطبيع الرسمي بين الكيانين.
أخيراً، أتى في إحدى مواد المشروع، منع تناول المواضيع الخارجية، أي حصر نقل الأخبار بتلك المحلية وهي ذلك "المحتوى الإعلامي الذي يعتمد على عناصر ومدخلات وطنية ويتم إنتاجه كليًا أو جزئيًا داخل المملكة" ، يما يحمله الأمر من تحويل كافة أوجه التعبير في البلاد إلى مذياع لبيانات "السلطات"، مع استبعاد نقل أي نقد خارجي سواء كان صادرا من منظمات حقوقية أم من جهات سياسية.
المدن الذكية والقمع المسبق:
إن مساعي "السعودية" في إعلاء مستوى مراقبتها للمواطنين، باتت تتخطى حد سَنّ القوانين وسواها من ما يمكن اعتباره كسلوك رد فعل منها على أي انتقاد داخلي. فلا يمكن النظر إلى "المدن الذكية" التي يُزعم الانتهاء من تأسيسها عام 2030، على رأسها مدينة نيوم، سوى كأداة أساسية لما يمكننا تسميته "القمع المسبق"، وهو الذي لا ينتظر تبلور السلوك بل أنه يستبقها.
يكمن هذا بما يتطلبه الانتقال إلى هذه المدن من تقديم للبيانات الشخصية، وبما تدمجه في حياة الأفراد اليومية من أحدث التقنيات، سواء باستخدام أجهزة الاستشعار، وإنترنت الأشياء، والمراقبة البيومترية، والذكاء الاصطناعي، لهدف أسياسي هو توسيع نطاق مراقبتها.
تعتمد "المدن الذكية" في جوهرها على جمع ومعالجة البيانات الشخصية على نطاق واسع، والتي يتم تنفيذها عادة دون علم الأفراد أو موافقتهم. ويتم إضافة كل معلومة جديدة عن الشخص إلى "هويته الرقمية".
وتعارض العديد من منظمات المجتمع المدني، برامج الهوية الرقمية لأنها تثير مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان، بما في ذلك ما يتعلق بعدم وجود أدلة على الفوائد التي من المفترض أن تقدمها، وكيف تخطط السلطات لحماية حقوق وبيانات المستخدمين. هذا ووقع مئات الأشخاص على رسالة #لماذا_الهوية إلى أصحاب المصلحة الدوليين للحصول على توضيح حول كيفية حماية حقوقهم.
يُذكر أن العديد من المنظمات الحقوقية في معرض انتقادها لواقع انعدام القدرة على التعبير عن الرأي في "السعودية"، تقول أن مستخدمي الإنترنت في شبه الجزيرة العربية يواجهون رقابة واسعة النطاق، حيث تقوم السلطات بشكل منهجي بحظر مواقع الويب أو إزالة المحتوى. علاوة عليه، تؤكد المنظمات المعنية بأن "السلطات السعودية" تتلاعب بالمعلومات عبر الإنترنت لإعطاء صورة إيجابية عن الحكومة وسياساتها. مؤكدة أن مصدر القلق الأساسي بشأن "سوء استخدام" المنصات الافتراضية هو خطر التعرض للمضايقة أو الملاحقة القضائية.. وحتى الإعدام!
ارسال التعليق