بريطانيا تعذب مواطنين سعوديين لصالح السي آي ايه
سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على تحقيق قضائي حول تواطؤ وكالات استخبارات بريطانية في تعذيب رجلين سعوديين بـ "مواقع سوداء" لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) قبل اعتقالهما في خليج جوانتانامو.
واتهم السعوديان: مصطفى الحساوي وعبدالرحيم النشيري، في دعويين منفصلتين، وكالات الاستخبارات البريطانية بالتآمر مع مسؤولين أمريكيين في "برنامج الاعتقال السري والتعذيب والاستجواب" الذي تديره CIA في أعقاب هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة عام 2001، بحسب تقرير نشره الموقع البريطاني وترجمه "الخليج الجديد".
وقدم محاميان يمثلان الرجلين شكاوى إلى سلطات التحقيق التي تنظر في مزاعم ارتكاب أجهزة الأمن البريطانية مخالفات. ووافق قضاة محكمة التحقيق، الأسبوع الماضي، بالإجماع على نظر شكوى الحساوي، ورفضوا اعتراض الحكومة البريطانية بزعم أنهم ليس لهم اختصاص بنظر القضية، وقالوا إن القضية أثارت قضايا "من أخطر نوع ممكن"، في حكم ابتدائي يمكن للحكومة البريطانية الاستئناف عليه.
وجاء في قرار قضاة التحقيق أنه "إذا كانت المزاعم صحيحة، فمن الضروري إثبات ذلك. وإذا لم تكن صحيحة، فمن المهم أن يتم توضيح ذلك، من أجل الحفاظ على ثقة الجمهور".
ودعا محامو النشيري سلطات التحقيق إلى النظر في شكواه ضد وكالات الاستخبارات البريطانية بأنها "ساعدت، وحرضت، وشجعت، وسهلت و/أو تآمرت مع السلطات الأمريكية في إساءة معاملته".
والحساوي من بين 5 معتقلين محتجزين في خليج جوانتانامو، وهو معتقل عسكري أمريكي في كوبا، يضم المتهمين بتورطهم المزعوم في هجمات 11 سبتمبر/أيلول بالولايات المتحدة في سبتمبر 2001.
أدلة موثوقة:
وتم القبض على الحساوي في روالبندي بباكستان، في مارس/آذار 2003 إلى جانب زعيم عصابة 11 سبتمبر المزعوم، خالد شيخ محمد، وتم تسليمه إلى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ثم احتجازه في عدد من سجون "المواقع السوداء" حيث تم استجوابه وتعذيبه.
ووفقًا لتقرير مجلس الشيوخ الأمريكي حول برنامج التعذيب التابع لوكالة المخابرات المركزية، في أحد مراكز الاحتجاز في أفغانستان، فقد تعرض الحساوي لفحوصات الشرج، التي أجريت باستخدام "القوة المفرطة" لدرجة أنه تعرض لإصابات خطيرة ومشكلات صحية مستمرة.
وأشار التقرير إلى أن الحساوي كان من بين المعتقلين الذين خضعوا لأساليب استجواب مطورة لوكالة المخابرات المركزية، على الرغم من الشكوك حول معرفتهم بالتهديدات الإرهابية وموقع القيادة العليا للقاعدة.
ولم تعترف السلطات الأمريكية باحتجاز الحساوي إلا بعد نقله إلى خليج غوانتانامو في سبتمبر / أيلول 2006، وجاء في شكواه إلى المحكمة أن هناك "أدلة موثوقة" على أن وكالات بريطانية قدمت معلومات إلى المسؤولين الأمريكيين الذين يستجوبونه، وتلقت معلومات تم الحصول عليها أثناء الاستجواب على الرغم من علمها بتعرضه للتعذيب.
ورحبت ريدرس، وهي منظمة دولية ترفع دعاوى قانونية نيابة عن ناجين من التعذيب، وتمثل الحساوي، بقرار قبول نظر دعوى الحساوي قضائيا، فيما يُعتقد أنه أول تحقيق كامل تجريه المحكمة فيما يتعلق ببرنامج المواقع السوداء لوكالة المخابرات المركزية.
وقال كريس إسدايلي، المستشار القانوني في المنظمة: "المزاعم الخطيرة بالتواطؤ في تعذيبه (الحساوي) من قبل أجهزة المخابرات البريطانية تستحق تحقيقًا مناسبًا، ويسعدنا أن المحكمة رفضت بشدة محاولات حكومة المملكة المتحدة لمنع المحكمة من فعل ذلك"
تصاعد الضغط:
وتم القبض على النشيري في الإمارات العربية المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2002 واعتقل بسبب تورطه المزعوم في هجوم للقاعدة على السفينة الحربية الأمريكية "يو إس إس كول"، في عدن اليمنية، عام 2000.
وبحسب تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي عن التعذيب، فقد تعرض النشيري مراراً للتعذيب وسوء المعاملة على الرغم من تقييمات المحققين أنه كان مطيعاً ومتعاوناً، وشمل ذلك وضعه في "وضع الوقوف المجهد" مع تقييد يديه فوق رأسه لمدة يومين ونصف، ووضع مسدس على رأسه وإجراء مثقاب لاسلكي بالقرب من جسده وهو عارٍ ومغطى الرأس.
ويجادل محامو الناشيري بأنه كان "ذا أهمية خاصة" للمخابرات البريطانية ويزعمون أن السلطات البريطانية سمحت لطائرة خاصة، استخدمتها وكالة المخابرات المركزية، لنقل الناشيري من تايلاند إلى بولندا في ديسمبر/كانون الثاني 2002 لاستخدام مطار لوتون للتزود بالوقود.
وقال محامي الناشري، هيو سوثي، في الوثائق المقدمة إلى المحكمة: "هناك استنتاج مفاده أن وكالات المملكة المتحدة شاركت في تبادل المعلومات الاستخبارية فيما يتعلق بالمدعي وتواطأت في تعذيبه وسوء معاملته".
وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في وقت سابق، بأن بولندا وليتوانيا ورومانيا انتهكت حقوق الناشري، إضافة إلى أبو زبيدة، أحد كبار الشخصيات المشتبه بهم في القاعدة، من خلال السماح لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتعذيبهم في مواقع سوداء على أراضيهم.
وخلص تحقيق أجرته لجنة المخابرات والأمن بالبرلمان البريطاني في عام 2018 إلى أن وكالات المخابرات البريطانية، MI5 و MI6 ، كانتا على دراية في مرحلة مبكرة بأن نظيراتها الأمريكية كانت تعذب وتسيء معاملة المحتجزين.
وأورد تحقيق اللجنة أن وكالات المملكة المتحدة كانت متورطة في تسليم وتعذيب مئات المعتقلين، ومعظمهم في قضايا قدمت فيها معلومات تستخدم في الاستجوابات، واتهمت وزراء الحكومة بالتغاضي عن ذلك.
وقال معظم بيج، المعتقل البريطاني السابق في جوانتانامو، إن حكومة المملكة المتحدة تواجه ضغوطًا متزايدة للإفصاح عن مدى تورطها في برنامج وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للتعذيب والتسليم.
واستشهد بيج بحكم أصدرته محكمة الاستئناف، العام الماضي، قضى بأن أبو زبيدة يمكنه مقاضاة حكومة المملكة المتحدة بشأن مزاعم تمرير أسئلة من قبل وكالات المخابرات البريطانية إلى المحققين الأمريكيين.
وقال بيج، وهو الآن مدير في منظمة Cage، المناصرة للأشخاص المتأثرين بسياسات مكافحة الإرهاب: "دور بريطانيا في التعذيب لا جدال فيه - أعرف ذلك من محنتي الخاصة".
وأضاف: "لكنني أعلم أيضًا، بعد الانخراط شخصيًا في التحقيقات التي يقودها قضاة معينون من قبل الحكومة، ولجان التحقيق البرلمانية، وحتى شرطة العاصمة، أن الحكومة البريطانية ستجد طريقة لتجنب المساءلة بأي ثمن".
فيما رفض متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية التعليق على الأمر لأنه "سيكون من غير المناسب التعليق عليه، بسبب التقاضي المستمر بشأنه".
ارسال التعليق