تداعيات حقوق الإنسان وحرية التعبير في #السعودية
عبدالله العودة هو باحث وناشط سياسي سعودي، وعضو مؤسس في حزب التجمع الوطني، ينتمي العودة إلى الجيل الجديد من النشطاء السياسيين في السعودية حيث استلهم من التجارب السابقة السعودية خصوصا والخليجية عموما، يرى العودة أن الشعب السعودي ليس استثناء من بين شعوب العالم في تطلعه للحرية ومطالبته للديمقراطية، منتقدًا الآراء السطحية وسردية النظام بأن الشعب السعودي غير جاهز لاستيعاب هذه المفاهيم، ينطلق العودة في صياغته لمفاهيم الحرية والديمقراطية باعتبارها مفاهيم تتماشى مع الإرث الثقافي والحضاري للمملكة وتتواءم معه، بدل إسقاط تجارب دول أخرى على الواقع السعودي، ولكنه لا ينفي في آن ضرورة الاستلهام والاطلاع على تجارب دول أخرى.
في البداية، نرحّب بك دكتور عبدالله، كما هو معروف، فأنت من بين الأعضاء المؤسسين لحزب التجمع الوطني، الحزب السعودي المعارض الذي يتخذ من لندن مقرًا له، وددت في البداية أن أعرف في أي سياق ولد الحزب، كيف أتت الفكرة وأي جدوى لوجود حزب معارض بدل منظمة أو جمعية أو أي أشكال أخرى من أشكال التنظيم؟
مرحبا بكم، من ناحية السؤال الأول، حول جدوى وجود حزب في نظام لا يسمح بالأحزاب ولا يقبل بها، فيمكن مناقشة هذه النقطة من جانبين، الجانب الأول يتعلق بتجاوزنا مرحلة انتظار مبادرة من داخل النظام لأن هذا لن يحصل أبدًا، الديمقراطيات لا تتأسس من قبل الأنظمة والأجهزة الاستبدادية بل عن طريق نضالات الشعوب هناك مثل عربي استحضره في هذا السياق؛ “البضاعة السائبة تعلم السرقة” وأضيف حول هذا المثل أن اليد المستبدة تعلم الاستبداد” وهذا ما شهدناه طيلة سنوات وقرون في تاريخ المملكة السعودية الأولى والثانية والثالثة، وحان الوقت الآن لتأسيس مبادرة شعبية، وعوضًا انتظار النظام ليسمح لنا بتأسيس أحزاب وخوض غمار المعارك السياسية وفرض فكرة التداول السلمي على السلطة والنظام السياسي الديمقراطي. نحن -في حزب التجمع الوطني-قررنا مسك المبادرة حتى تكون الكلمة للشعب لا الحكّام، حتى لا نبقى تحت رحمة نظام قمعي. هنالك مقولة لمالكوم اكس يقول فيها “إن الحرية التي يعطيها اياك الرجل الأبيض هي عبودية من نوع آخر لأنه يستطيع سلبها منك في أي لحظة“
الحرية الحقيقية هي التي تنتزعها انت كعنصر من عناصر المجتمع، وهذا ما يحدث الأن في السعودية، نحن الآن نفرض وضع قائم عوضا عن استجداء وضع غير موجود. هذا ما يحصل من ناحية، من ناحية أخرى وخاصة فيما يتعلق بأنّ البنى الفوقية في السعودية لا تسمح وان المجتمع متخلف – وهذه الكلمة التقليدية، أن المجتمع السعودي غير جاهز للديمقراطية -، وكأننا كمجتمع سعودي استثناء من نواميس الكون واستثناء من قوانين الأرض واستثناء من أحلام الثائرين وأحلام الشعوب حول العالم التي لديها شغف بالحرية وحب لفكرة العدالة والدفاع عنها، هناك الفطرة السليمة في العالم التي لا تقبل سوى أن تكون حرة، أي أن تكون في ظل نظام عادل وتطالب بهذه العدالة أين ما تكون فوق كل ارض وتحت كل سماء. هذا النظام العام لأي دولة ولأي شعب، ونحن لسنا استثناء من أي شعوب العالم، من ناحية أخرى حول عدم وجود مؤسسات مجتمع مدني ولا توجد ثقافة ديمقراطية في السعودية وأن علينا أن ننتظر سنوات أخرى، هناك مثل امريكي يقول لا تضع العربة أمام الحصان، أي لا تجهز الناس للديمقراطية لأنهم غير جاهزين للديمقراطية، هذا كلام يناقض نفسه، كيف لك ان تقول ان الناس غير جاهزين للديمقراطية وفي آن واحد تطالب بعدم تجهيزهم. اظن ان أفضل طريقة لتجهيز الناس للديمقراطية هي عن طريق الممارسة الديمقراطية نفسها. وهذا الذي أقوله دائما، لا يمكن أن تمنع ابن الست سنوات من الذهاب الى المدرسة تحت مزاعم بأنه غير جاهز للمدرسة، لأنه سيصبح عمره سبع وثمان وتسع وعشر وعشرين ولن يكون جاهز للمدرسة لسبب بسيط، وهو أنه لم يذهب للمدرسة، أنه لم يمارس التعلّم والتعليم وهذا هو الذي يجعله غير جاهز للمدرسة. لا يوجد بلد في العالم أو شعب أو أمة غير جاهز للديمقراطية، ولا يوجد شعب أو أمة في العالم غير مستحقة للديمقراطية. والشيء الغريب والمضحك أن من يقول بأن السعوديين والشعب السعودي والخليجي غير جاهزين للديمقراطية ومستعدين لها، هم يرون حسب وجهة نظرهم أنها مستعدة للاستبداد والقمع والظلم. هذه الأنظمة تتعامل مع شعوبها كفئران تجارب لأفكارهم وخيالاتهم وأطماعهم، وهذا يشمل الاعتقالات والاستثمارات الخيالية والقتل والتعذيب والتهجير القسري، وهذا كله سيؤدي للخراب، وهذا نتيجة حتمية للاستبداد، لكن أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وتصبح هنالك تمثيلية سياسية فعلية فهذا أمر مرفوض تمامًا ويروّجون لعدم جاهزية الشعب لهذه الأفكار. أقولها بكل وضوح أن الشعب السعودي وشعوب الخليج وكل شعوب العالم غير مستعدة وغير مستحقة للظلم والديكتاتورية ولكنها جاهزة للديمقراطية.
أود أن أتفاعل مع اجابتك وأن نقيم تصوّرا عربيًا للديمقراطية، وخاصة منذ سنة 2011 حيث قدم الربيع العربي حلمًا وإمكانية إقامة ديمقراطية في العالم العربي وطيّ صفحة الماضي وصياغة تجارب جديدة، ولكن نتائج ومآلات عديد من الدول كانت مأساوية، البعض وجد في هذه التجارب تبريرًا لسردية النظام وقمعه وديكتاتوريته بأن الشعوب غير قابلة للديمقراطية وتقرير مصيرها بنفسها، كيف تقرأ هذه المآلات وخاصة أمام التصحّر الثقافي الذي تشهده المملكة منذ سنوات؟
قصة الربيع العربي قصّة طويلة، ولم يكتب لها تحليلها ونقاشها بهدوء وعقلانية، ولكن سأجيبك حولها بعدد من النقاط، أولًا؛ الذي حوّل الربيع العربي الى هذه المأساوية وجعل عددا من الدول تعيش جحيمًا هو تعرّضها لعمليات إجهاض متعددة، وهنالك فرق كبير وشاسع بين الإثنين، فلا يمكن أن تلوم محاولات الديمقراطية في هذا الخراب الذي تعيشه سوريا، المسؤول عن ذلك الوضع هو الأنظمة العربية والدولية الرجعية، لا يمكن أن تلوم الديمقراطية حول ما حصل في مصر، لا يمكن أن تلوم رغبة الشعوب في التحرر ومقارنة ذلك مع النتائج التي وصلت لها هذه الدول، بوضوح شديد، ما يحدث هو استمرار للتخلف والاستبداد الذي عشناه طيلة السنوات والعقود والقرون الماضية، كل هذا أجهض أحلام الديمقراطية، هي باختصار انتصار الثورات المضادة على ثورات الربيع العربي. كل ما حدث من خراب هو نتيجة الاستبداد والجهل المركّب، وللأسف انتصر الجهل والاستبداد ولكنه لن ينجح دائما لسبب بسيط، وهذا ربما سؤال ألمحت له بشكل غير مباشر حول قضية فشل الربيع العربي. أنا أظن بأن نجاح الربيع العربي يتمثل في وجود ثقافة للديمقراطية، يمكن لك أن تسحق شعب جرّب في يوم من الأيام الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ولكن لا يمكن لك أن تلغي من أذهانهم تجربة الديمقراطية والإحساس بها والحاجة لها. لأن هذه ثقافة في عقول الناس والشعب ولا يمكن تدميرها بالقتل والتهجير والسحق والابادة، هذه عناصر تخويف ولكنها ليست عناصر إلغاء، ما نجح الربيع العربي فيه هو تأسيس ثقافة لا يمكن طمرها أو تدميرها ولكن يمكن محاولة إخفائها أو تأجيل آثارها لفترة من الفترات، ونحن الآن أمام محاولات التأجيل المتأخرة، في مصر حكم السيسي والعسكر يحكم قبضته ولكن الشعب مازال يناضل. الثورة الفرنسية على سبيل المثال انتهت بعد عشر سنوات وعادت الى حكم عسكري قاتل بقيادة نابليون بونابرت، وفي النهاية انتصر الشعب وذلك لسبب بسيط، أن الشعب قاوم الطغمة الفاسدة المنتفعة من الديكتاتورية، المؤسسات أو الشعب، هذه هي المعادلة، المؤسسات بيد الديكتاتورية ولكن الشعب يؤمن بالديمقراطية، يمكن أن تؤجل غضب أمة وشعب أو تتحايل على ثورته مرة لكن لا يمكن أن تفعلها كل مرة، وقد يكون للاستبداد الجولة ولكن لن تكون له الدولة.
دعنا نقف عند هذه النقطة، أي تأجيل آثار الثورة والغضب المجتمعي، انتهاء الديمقراطية كممارسة سياسية وبقاء آثارها راسخة في أذهان المجتمع، أي دور للحزب في استثمار هذا التأجيل وأي دور له في توظيف هذه الآثار والتبعات؟
أزعم أن الحزب مدّ يده الى جميع التجارب في العالم العربي والغربي، وخاصة في تجارب إرساء المؤسسات الديمقراطية وتدعيم ركائزها وكيفية التعامل مع التيارات المختلفة ومحاولة الاستفادة منها، هذا من ناحية، اما من ناحية أخرى هو أن لا نكون على عجلة من أمرنا من أجل التغيير، التغيير السريع يؤدي الى فشل سريع وهذا قد يكون عكس ما نريده، هدفنا هو تغيير حقيقي لصالح الشعب والمجتمع والأجيال القادمة حتى تنعم بالحرية والديمقراطية والأمان، وهذا لن يكون سهلا أبدا، لأن ما زرعه الاستبداد وما أساء اليه في مجتمعنا ومؤسساتنا عميق جدا وبعيد المدى فنحتاج الى فترة طويلة لأجل التعامل معه، نحن لسنا على عجلة من أمرنا ولكن نريد أن نكون في المسار الصحيح، وأظن أن أهم شيء من التجارب التي مررنا بها هي تجنب الاحتراب الطائفي والمعارك الثانوية مثل “إسلامية – علمانية” وتجنب الدخول في هذه البوتقة لأن هذا بالضبط ما يريده منا الخصوم، خصوم كثيرون مختلفون حول العالم يريدون تصنيفنا ووضعنا في خندق وهمي، اما طرف علماني ليبرالي مدعوم غربيا لأجل تغريب المجتمع وفسخه عن عاداته وتقاليده ودينه أو طرف إسلامي اخواني متطرف يريد ان يفرض على الناس أحكامًا رجعية، نحن لسنا دخلاء على الثقافة والمجتمع السعودي، لذلك تجاوزنا هذه الأشياء وقررنا ان يكون اسم الحزب تعبيرًا عن ماهيته، التجمع الوطني، أي عنصر تجميع لا تفرقة.
ولكن في هذا السياق، أي نشاطات ملموسة للحزب في الداخل السعودي، الناظر والملاحظ للحزب منذ تأسيسه يجد بيانات، مقترحات، حلول، تقارير وفضح للقمع والانتهاكات التي تقوم بها السلطات السعودية، ولكن أيّ آثار ملموسة تمسّ الداخل السعودي، هل للحزب موطئ قدم في الداخل السعودي، سواء من ناحية التفاعل أو من ناحية الحشد؟
أولا دعني أؤكد لك نقطة مهمة؛ هنالك العديد من الأعضاء في الداخل السعودي ونحن نعمل ضمن سياسة وآلية فرز متكاملة، بحيث نتأكد بأن العناصر الموجود في الداخل للحزب لا تتأثّر أو يُشَكِلُ انضمامها للحزب حرجًا لها، سواء على المستوى السياسي أو الأمني، ومن ناحية أخرى فهذه العناصر هي جزء رئيسي ممّا نسميه المقاومة الإبداعية السلمية، لأنه -وعودة على الثقافة السياسية- في السعودية على وجه التحديد، فإن الأشكال التقليدية للاحتجاج مثل المظاهرات – وهي مهمة وضرورية في مرحلة ما- فهي ليست أكثر أهمية في السياق الحالي، فهي تشكّل خطرًا عليهم لأنّها ستمثل فرصة هامة للاستبداد من أجل الاطاحة بـالمناضلين والمعارضين، حيث سيكونون لقمة سائغة للاستبداد، لذلك تبنى الحزب رؤية مغايرة، نحن لا نريد أن ندعوا لمظاهرة لا يكون الحزب على رأس القائمة فيها أو الصفوف الأمامية، لن ندعوا لشيء لا نكون -نحن بأنفسنا- فيه، فلذلك نحن أتينا بمشروع مختلف، أكثر أمانًا ولا يلغي أو يرفض الاحتجاجات الحالية ولكن يقترح آلية أفضل ويمكن ممارسته بشكل مباشر، وهنا أتحدث عن أفكار أخرى إبداعية للمقاومة السلمية، وهنالك الآلاف الملتزمين بهذه الفكرة، لذلك انخرط الحزب بشكل أولي حيث تم إنجاز دورات تكوينية لكوادر الحزب في الاحتجاج الإبداعي، واستفدنا كثيرا من مختلف التجارب حول العالم في خصوص المقاومة السلمية أو الإبداع في الاحتجاج السلمي، واتخذنا خطوة ثانية، بعد توعية وتكوين كوادر الحزب قمنا بمحاولة انتاج وعي جمعي لجميع المنخرطين والمتابعين للحزب ومشاريعه، حيث أنتجنا عدة أفلام وثائقية حول المقاومة السلمية، وسننتج كذلك أشكال مختلفة لطرق المقاومة السلمية، وليس فقط وثائقي حول تاريخ المقاومة السلمية في السعودية أو الخليج ولكن طرقها أيضًا.
أفهم من كلامك أن الحزب اشتغل على مستويين، المستوى الأول هو المقاومة السياسية وتتجلى هذه المقاومة في فضح السلطات ونقدها عن طريق البيانات والتقارير، أما المستوى الثاني فهو محاربة التصحّر الثقافي الذي عانت منه السعودية وشعبها طيلة السنوات الماضية عن طريق الأفلام الوثائقية والتثقيف السياسي والمقاومة الإبداعية؟
أتفق مع هذا الاستنتاج، وأضيف مستوى ثالث يشتغل عليه الحزب، وهو الممارسة العملية لهذه المقاومة السلمية عن طريق نشر المعرفة والوعي لعموم الشعب السعودي، في الداخل أو الخارج.
لاحظت أنك تتحدث كثيرًا عن الداخل السعودي وباقي الشعب ضمن أجندات الحزب ومشاريعه بل واهتمامهم بالحزب، في المقابل هل من الممكن أن تخبرنا عن كيفية استقبال السلطات السعودية لأطروحات الحزب وخبر تأسيسه.؟
استقبلت السلطات السعودية خبر تأسيس الحزب بطرق متعددة، على سبيل المثال قاموا بالضغط على عائلات وذوي أعضاء الحزب، أحد مؤسسي الحزب على سبيل المثال تعرضت عائلته والمحيطين به إلى ضغوطات وتحرّشات متعدد من أجل محاولة اثناءه عن البقاء في الحزب وحلّه بالكامل، ولكن وجدنا -حماية له- أن الانسحاب هو أفضل حل من أجل الحفاظ على خصوصيته وعدم تعريضه للخطر، وقامت السلطات كذلك بمحاولة القدح والشيطنة وتشويه سمعة أعضاء الحزب وضرب مصداقيتهم، فالحزب قدّم كوكبة من أبرز المعارضين والمؤثرين في السعودية وهذا الأمر لوحده يزعج السلطات السعودية، التي قامت بمحاولة دسّ بعض أعضاء المخابرات السعودية داخل المعارضة لتفكيكها أو خلق مشاكل داخلها، وكذلك الدفع نحو استغلال كل الفروقات الاجتماعية والسياسية والدينية بين مختلف الأعضاء من أجل ضرب الحزب. هذه استراتيجية الاستخبارات السعودية، ترسل لنا عملائها كمعارضين ليصبحوا في وقت لاحق معارضين للمعارضين. هدف السلطات قدح وضرب أعضاء الحزب وبث الفتنة والانشقاق والخلاف بين الأعضاء المختلفة، ولكن كعادة الحكومة السعودية -المعروفة بالغباء السياسي- فشلت في ذلك حيث لم يتم أخذها على محمل الجد. لا وقت لنا للخلاف رغم تعددية واختلاف أعضاءه، ورغم حجم الحزب ورمزيته باعتباره الحزب السعودي الأكثر تنظمَا وحجمًا إلا أنه لا وجود للصراع بيننا، الصرع الوحيد الموجود هو صراعنا ضد الاستبداد، وهذه سمة الحزب وأعضاءه؛ الالتزام بمشاريع ومبادئ الحزب وتجنب الخلافات والمشاكل. نحن لدينا عدو واحد ومحدد وواضح، لن ولم نفقد البوصلة، ولن نتوقف حتى نبلغ هدفنا، وهو تأسيس حرية وعدالة ومشاركة سياسية في السعودية.
حديثك عن الاستبداد يقودني إلى مغالطة مهمة ورائجة للغاية؛ هي أن محمد بن سلمان يمثل منعرج هام في تاريخ المملكة عن طريق الاصلاحات التي قام بها مثل تمكين المرأة وتحجيم دور هيئة المعروف والنهي عن المنكر، كيف تنظر الى هذه المغالطة وكيف تقيّم واقع السعودية بعد بلوغ بن سلمان ولاية العهد؟
في الحقيقة، أعتبر أن بن سلمان قدم خدمات جليلة جدا لنا وللشعب عن طريق تسريعه عمليات التحديث وأن القمع والاستبداد لا يمكن أن يكون ناجحًا أو يصنع دولة أو شعب أو مستقبل، في يوم من الأيام كانت الدولة السعودية تجمع أطراف كثيرة ضمن شبكة مصالحها والذين أصبحوا يقاتلون لأجلها وليس لأجل الوطن، لأن مصالحهم الذاتية كانت مرتبطة بالحكومة، وما قام به بن سلمان هو التقليل من هذه الشرائح المختلفة ليصبح هو وحفنة قليلة من الفاسدين المستفيدة فقط من ثروات الوطن، بن سلمان احتكر الوطن وكل ثرواته هو وحلفائه، ما سهّله علينا بن سلمان هو عملية إقناع مختلف الشرائح في السعودية، وأقصد بمختلف الشرائع عامة الشعب والموظفين، المهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي وغير المهتمين، هذا مكسبنا من تواجد بن سلمان، سهولة تعرية الواقع وفضحه داخل العائلة الحاكمة والقبائل المختلفة، بين السنة والشيعة، بين اليسار واليمين، بين الشمال والجنوب. هذا جعل مشروع الحقوق والحريات الضامن الوحيد لمستقبل حقيقي يعيش فيه كافة السعوديين والسعوديات، لأن بطش بن سلمان ذاقه الجميع، جميع الفئات الاجتماعية، الجغرافية، الطبقية وغير ذلك، وما يقوم به بن سلمان من تفرقة داخل الشعب الواحد نقوم نحن بتوحيده وتجميعه، هذا الفرق بيننا وبينهم في النهاية، التهجير القسري على سبيل المثال لم يسلم منه أحد.
من الاقتصادي والاجتماعي يمكننا المرور للشأن الديبلوماسي والسياسي، خاصة وانّك معروف بمساهمتك في عدد من الأبحاث السياسية والجيوسياسية، كيف تنظر الى مشروع ذا لاين أو نيوم والذي يروّج النظام على أنه سيقضي على البطالة ويساهم في إشعاع المملكة، ولكن الواقع الاقتصادي يؤكد عكس ذلك، حيث أصبح الوضع الاقتصادي متردي للغاية مع ارتفاع معدلات البطالة؟
أريد أن أختصر الإجابة حول هذا الموضوع المهم لجميع السعوديين؛ الوضع الحالي للمملكة سيء للغاية، هنالك شبه عزلة تعيشها السعودية ولا يوجد حليف لها، من باكستان والتي كانت تعرف بأنها حليف تاريخي للسعودية إلى ماليزيا وتركيا ومختلف دول الخليج والدول العربية، كل يوم يتخلى عن بن سلمان حلفاءه، وليس لأنهم يختلفون معه حول الاستبداد ولكنهم يختلفون معه على الغباء، بن سلمان يقوم بأخطاء كارثية وهم لا يريدون أن يكون جزء من دفع ثمن حماقاته المتعدد، يمكن تلخيص الوضع في قصة حدث منذ ثلاثة أسابيع، عندما زار وفد أمريكي المملكة من أجل محاولة معرفة الوضع في السعودية ودراسة قابلية إعادة تأهيل محمد بن سلمان، وبعد عدة جلسات واجتماعات في الدولة السعودية وجد الوفد أن الوضع مخيف للغاية هناك، إذ أن درجة الخوف والتوجس من اتخاذ أي قرار دون الرجوع لبن سلمان تحوم لدى أغلب الموظفين وتمثل كابوس لهم، بن سلمان خلق مركزية في غاية السوء والرعب، مركزية يسيطر عليها بن سلمان والمقربون منه. انتهى الوفد بخلاصة وحيدة؛ أن بن سلمان غير قابل للتأهيل ولا حل له إلا محاولة تخفيف الكوارث وإطفاء الحرائق المسؤول عنها مثل الحرب في اليمن، وأؤكد أنّ رغبة الغرب في إنهاء عدد من الملفات داخل المملكة لا يعود الى مبادئهم ولكن لأن مصالحهم تقتضي ذلك.
في الختام؛ هل من كلمة تتوجه لها للشعب السعودي وهو يمرّ بأحلك الفترات في تاريخه، وأي رسالة يكتبها الحزب لهم؟
إلى أصدقائي وصديقاتي، رفاقي ورفيقاتي، عائلتي وكل عائلات شباب السعودية، المواطنين والمواطنات، المعتقلين والمعتقلات، وكل من يتوق لطعم الحرية، نحن على العهد، ونحن جزء من هذا الوطن ونريد أن ندفع قدر المستطاع لتحقيق أحلامكم في العيش الكريم والحقوق والحريات والعيش الكريم والانتخابات الحرة النزيهة، نريد أن ندفع قدر المستطاع لتحقيق هذا الحلم، نحن دعاة سلام ولسنا دعاة ثأر وانتقام، نريد أن يحافظ الكل على منصبه ومكانته وميزته وعلاقاته، نحن نريد تحقيق كل هذا في كنف المساواة، نريد أن يعرف كل شخص دفع ريال واحدًا أين ذهب، ومصير أموال دافعي الضرائب، وهذا يمكن تحقيقه عن طريق من يمثلهم في برلمان تعددي، نريد أن تكون السلطة تجسيدًا لأحلام الشعب لا أحلام الحكام، نعدكم، وهذا وعد من حزب التجمع الوطني بأن نكون دائمًا في جواركم ومعكم وأن ندافع على حريتكم أبد الدهر، لأننا جزء منكم وجزء من هذا الوطن، وجزء من هذه الناس، لأننا نحن حزب الناس.
ارسال التعليق