جرافات الحقد ال سعود تجرف مساجد القطيف
ما عاد هدم المساجد في شبه الجزيرة العربية على يد أبناء سعود، تجري في ظروف احتقان سياسي أو مذهبي، بما في ذلك وجود توترات في العلاقة بين "نظام الحكم" والفئة الدينية المستهدفة على سبيل المثال. لكن تحوّل هذا السلوك الشيطاني إلى حدث عابر يكاد يصبح عاديّاً في ظل التمادي المتزايد على حرمات الله وعباده، تزامنا مع إحياء بيوت الشياطين من مهرجانات رقص وغناء وتعرّي.
مسجد "الفتح" وحسينية بن جمعة في شارع الثورة وسط القطيف كانا آخر ضحايا هذا التفلّت. فقد أقدم "النظام" السعودي بآلياته، يوم أمس، على هدم هذين المكانين الدينيّين بما يحمل المسجد من رمزية تاريخية، فقد بُني مسجد الفتح عام 1387 للهجرة كما أنه يضم مكتبة إسلامية وتاريخية كبيرة ليكون الاستهداف ذات بُعد ديني وثقافي وتميَّز بالعمارة المتقنة حينها ، وكانت المكتبة مقصداً لجميع أهالي القطيف الذين تلاقوا فيه لمدى عقود على حب أهل البيت، لكن التاريخ والأصالة يؤرقان آل سعود المستجدّين على الجزيرة العربية، لذلك يقومون بمحو كل شيء، ليُضاف إلى قائمة بيوت الله التي تم الاعتداء عليها.
ووقع شارع الثورة تحت تنكيل "النظام" بذرائع التوسّع وما الغاية منها سوى نسف أحد أهم معلم من معالم انتفاضة القطيف والأحساء والتي انطلقت منها المظاهرات في المنطقة عام 2011.
وكان النظام قد حدد 26 سبتمبر/أيلول عام 2023 موعدا لانطلاق عمليات التجريف، لكن الحقيقة على الأرض أكدت أن عمليات الهدم كانت قد انطلقت قبل أسابيع من الموعد المحدد، في تخط واضح لأقل المعايير الإنسانية في منح الأهالي فترة لإيجاد سكن بديل في ظل قلة المعروض من الشقق وارتفاع أسعار إيجاراتها. الأمر الذي دفع العديد منهم للانتقال إلى مناطق نائية وبعيدة، وتشييد مساكن من صفيح في بعض المزارع. وكانت مشاهد مصورة أظهرت عمليات تجريف همجيّة عدوانيّة حيث تتساقط الأبنية بجوار السيارات والمارّة.
هي حرب إذا على ديمغرافية المنطقة، هويتها، وتاريخها وأصلها. تشير الإجراءات المتبعة أن النظام السعودي يخطط لإخلاء القطيف بالكامل من السكان، وذلك على مراحل وبالتدريج، وتحويلها إلى منطقة صناعات نفطية مثلها مثل الظهران وأرامكو، وإذا بقي فيها سكن على الأطراف فيكون تابعا لعمال وموظفي هذه الشركات. هنا، يبرز السؤال عن مصير أهالي هذه المنطقة، الذين سيتم تشتيتهم إلى المجهول ليتبعثروا بحثا عن مأوى.
الأخطر من هذا هو الرهان على ذاكرة الأجيال المقبلة. وعلى الطريقة الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، يراهن النظام السعودي على قاعدة “الآباء يموتون والأبناء ينسون”، فإذا بقي الجيل الأول مرتبطا بالمنطقة، فإن الرهان السعودي على الأجيال المقبلة أن تذوب في محيطها الجديد وتُمسح من ذاكرتها قضية وتاريخ القطيف.
وهنا لا بدّ من التأكيد، أن القطيف بمساحتها الحالية مشغولة كلّيا، ولا وجود لمساحات قابلة للإعمار فيها، بعد أن منع النظام السعودي تمددها باتجاه الغرب وأطبق الحصار عليها، عدا عن منع النظام السعودي، حتى وقت قريب، من بناء 3 طوابق في القطيف. بالإضافة إلى عدم وجود أراضي بيضاء قابلة للاستغلال بعد أن اقتطع النظام امتداد أراضي الفضاء وضمّها إلى محافظة البيضاء المبتدعة مؤخرا، في محاولة متجددة لتفتيت “المنطقة الشرقية”، التي هي بالأصل مكوّنة من القطيف والأحساء، وما مناطق كالدمام والجبيل والخبر ورأس تنورة إلا جزء لا يتجزأ من الإقليم، وفي أغلبها مناطق حديثة أنشأت بعد تأسيس شركة أرامكو.
إن هذا المخطط قديم، لكن اليوم مع وصول ابن سلمان إلى الحكم وفرض سيطرته على مفاصل النظام، يعتبر أنه صار بإمكانه الشروع في تنفيذه.
فإن تاريخ الهدم القاتم قديم قدم احتلال بني سعود للجزيرة، ففي العام 1924 عندما احتل عبد العزيز بن سعود وقواته مدينة مكة المكرمة، كان اول اعمالهم ازالة اثار مقبرة (المعلى) التي تضم قبر السيدة خديجة زوجة الرسول وقبر عمه، أبي طالب. وبعد عامين (1926) احتل بن سعود المدينة المنورة، وقام هو واتباعه بهدم آثار مقبرة البقيع التي تضم قبور عدد من أهل بيت رسول الله ومنهم ابنته فاطمة الزهراء وحفيده الحسن بن علي والكثير من الصحابة.
كما هدموا المساجد السبعة في المدينة: مسجد الفتح (او الاحزاب) ومسجد سلمان الفارسي ومسجد أبي بكر ومسجد عمر ومسجد فاطمة ومسجد علي ومسجد القبلتين، وحولوا بعضها الي صرافات الكترونية. وقد انتقد عدد من الكتاب السعوديين هذا العمل، فكتب محمد الدبيسي مقالا في صحيفة المدينة بتاريخ 10 ايلول/ سبتمبر 2004 بعنوان: بإزالة هذه المساجد تفقد المدينة المنورة معلماً من معالم تاريخها الخالد ومنارة من منارات سيرتها العطرة . فرد عليه صالح الفوزان، وهو من رموز السلفيين، بمقالة في العدد الصادر بعد أسبوع مبررا تلك العملية. كما قام الوهابيون بهدم قبة قبر الحمزة بن عبد المطلب، وازالوا مقبرة شهداء أحد، وأزالوا طريقي بدر وأحد. إلى جانب عمليات فصل قبر النبي عن المسجد النبوي، ووصولا إلى العبث بالكعبة الشريفة وإخراج ما بداخلها من آثار تاريخية لا تقدر بثمن، ومنها الستائر والكتابات المنقوشة بالحرير.
ارسال التعليق