حاكم عسكري برتبة محافظ على غرب #القطيف
عبدالله البراك السبيعي، اسم معروف لدى أبناء القطيف والأحساء ليس لفضيلة قام بها، بل لكونه نصّب من قبل النظام السعودي محافظاً على “البيضاء” بعد ابتداعها وفصلها عن القطيف.
في عام 2011، كان السبيعي عميدا في شرطة المنطقة الشرقية. حيث شارك في عمليات قمع التحركات السلمية في القطيف، وسرعان ما تحول العميد الوافد من خارج المنطقة إلى لواء وبعدها إلى محافظ .
ومع استبداله البدلة العسكرية بالزي المدني، كان واضحا انكفاء السبيعي عن أداء مهامه في المحافظة المبتدعة، وأنه “عالق” في شباك الواجبات العسكرية والأمنية بعيدا عن طبيعة المهام الموكلة إليه لناحية تأمين الخدمات للسكان وتحسين جودة الحياة، مكتفيا بالمنصب.
في تفاصيل القصة العملية جزء من الحلول الأمنية التي ينفذها النظام السعودي في تعامله مع القطيف إذ قرر في رده على الحراك الشعبي تجريف أحياء بأكملها وتهجير الأهالي، كما تقسيم محافظة القطيف واستحداث محافظ أخرى تضم عض أجزاء المنطقة الواقعة غرب طريق دول مجلس التعاون، (أبو حدرية) وكلها كانت ضمن الحدود الطبيعية لمحافظة القطيف حتى وقت قريب.
“البيضاء” يحدّها من الشرق مدينة الدمام ومحافظة القطيف ويفصلها عنهما طريق دول مجلس التعاون، ومن الغرب محافظة بقيق، وشمالاً محافظة الجبيل، وجنوباً مدينة الدمام، ويفصلها عنها طريق الدمام ـ الرياض السريع. مساحة المحافظة تبلغ 1278 كيلومتر مربع، فيما تُشرف على عدّة أحياء كانت تابعة في السابق لغرب الدّمام، وهي: حي ضاحية الملك فهد، حي الأمانة، حي الأنوار، حي الشروق، حي الفرسان، حي المطار، حي الهضبة، حي المها، حي الإسكان الشمالي وجزء من حي العروبة.
القرار أعلنه أمين أمانة “المنطقة الشرقية” فهد الجبير، مبررا الأمر بدواعي التنمية في المنطقة، “لتحقيق تنمية شاملة مستدامه تضمن تعزيز الإمكانات وتحقيق التكامل الاجتماعي والاقتصادي والعمراني مع المدن والمحافظات وخاصة حاضرة الدمام”. حسب زعمه مع العلم أن مشاهد تردي الخدمات وسوء البنية التحتية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة ظاهرة للعيان والمحافظ يرفض معالجتها، كما يرفض استقبال المواطنين والوقوف ميدانيا عليها، في تكريس للدور السلطوي الذي كان يمارسه.
يذكر أنه خلال السنوات العشر الماضية كان للجنة “الصمود من أجل الحدود” دوراً بارزاً في إظهار مدى خطورة تقليص الحدود الإداريّة للقطيف، وما يتّبع هذا الإجراءات من تغييرات إداريّة خاصّة على مستوى الإسكان والصّحة والتعليم والشؤون الاجتماعيّة والبلديّة وكافة المنافع الخدميّة.
اللجنة سبق وبيّنت أن التقسيم يحرم محافظة القطيف من فرص التنمية المستحقّة، بالإضافة إلى اقتطاع مساحات شاسعة من أراضي المحافظة وما لهذا الإجراء من مآلات خطرة، وهو الأمر الذي عملت اللجنة على تبيانه منذ عام 2011، لكن السلطات السعودية سرعان ما حظرت نشاط اللجنة واعتقلت بعض القائمين عليها. الواقع أن الحدود الفعليّة لمحافظة القطيف، تمتد من جنوب سيهات إلى شمال صفوى بمحاذاة جسر رأس الغاز على طرق الدمام الجبيل السريع. ومن جسر الجمعيّة، رأس تنوّرة مروراً برأس الغاز، حتى طرق أبو حدرية القديم، شمال مزرعة الصبيغاوي، بمسافة 20 كلم شمالاً ونزولاً بخط جغرافي من هذه النقطة غرب المطار، ومن ثم التفافاً عليه تجاه الشرق رجوعاً إلى جنوب سيهات.
القصّة بدأت عندما لاحظت مجموعة من صيادي صفوى تغيير المعلومات الواردة في أوراق ترخيص القوارب في مركز سلاح الحدود بصفوى إلى مركز رأس تنورة. بعد التحرّي اتّضح بأن منطقة المسابح أي بحر صفوى وساحله، والتي تمتد من جسر الجمعية، في رأس التنورة، إلى حي النادي بصفوى، قد ضُمّت ضمن حدود محافظة رأس تنورة الإداريّة، وستوزّع على أهالي رأس تنورة كمنح سكنيّة ومشاريع تنمويّة. حينها بدأ الحراك الرسمي للمطالبة بإنصاف أهالي صفوى الذين وُزّعت أراضيهم على غيرهم، ومنذ ثلاثين عاماً وهم يطالبون السّلطات للحصول على قطعة أرض. بعد ذلك، اكتشف الأهالي أن القضيّة ليست حدود صفوى، بل هي بتر وتغيير محافظة القطيف.
حمل مجموعة من الشباب القضيّة على عاتقهم بتحرّكهم الرسمي، والتأكّد من الموضوع عبر الجهات المعنيّة ـ فبدؤوا بمساءلة المجلس البلدي الذي أكّد ذلك، وعند مساءلة الأعضاء عن دورهم وسكوتهم عن القضيّة، كان الرّد بأنهم لم يُشاوروا في الموضوع. كما التقى الأهالي برئيس مركز صفوى، الذي أكّد الأمر وقرّر اعتماد أم الساهك، التي تبعد عن صفوى عشرات الأمتار وتتبع لها، أن تكون مركزاً مستقلّاً.
مخططات تخريبية:
إن تغيير الحدود الإداريّة، جاء امتداداً لسلسلة من المشاكل السكانية التي يعاني منها الأهالي في القطيف. فمُنح الأراضي على ندرتها، تقع تحت طائلة التشكيك في ذهابها لمستحقيها، إذ دائماً ما تُثار تساؤلات بشأن الآليات التي جرى من خلالها توزيع منح الأراضي في المنطقة، وسط شكوك تبيّن بأن النسبة الكبيرة من المنح أعطيت لمواطنين من خارج محافظة القطيف، وهو الأمر الذي أثار أكثر من علامة استفهام لديى الأهالي عن الآلية التي وزعت من خلالها تلك المنح.
مخطّطات السلطات السعوديّة التخريبيّة لخارطة المحافظة لا تقف عند هذا الحدّ، بل تعدّى الأمر إلى ردم مساحة واسعة من السواحل البحرية بما في ذلك ساحل جزيرة تاروت وما يقابله من كورنيش القطيف وكورنيش دارين أيضاً، ليتحوّل بعضها إلى مخططات سكنية، الأمر الذي أدى إلى تخريب البيئة الطبيعية وتناقص الثروة السمكية والنباتية. جرى كذلك ردم البحر في المنطقة الواقعة بين ميناء الملك عبدالعزيز في الدمام والشاطئ الشرقي والمزروعية، لإنشاء مخطط عقاري يمتد على مساحة شاسعة من البحر يتّسع لأكثر من 11 ألف قطعة أرض، وتصل مساحته إلى نحو 7 ملايين متر مربع.
الجدير بالذكر أن ملامح التخريب تشمل أيضاً هدم الأبنية، والقصور، والقلاع والأحياء التراثيّة في القطيف والأحساء، والتي يؤول مصيرها إلى الإنهيار التام، نتيجة جرائم الهدم بحججٍ واهية أو الإهمال المتعمّد. فبهذه الممارسات الممنهجة يندثر تراث المنطقة، تحت إشراف “هيئة التراث” المعنية “بالحفاظ على تراث البلاد”. يحدث ذلك عادةً بذريعة أنها “آيلة للسقوط”، مع العلم أن العمر التاريخي لتلك الأبنية يعود إلى مئات وآلاف السنوات.
يتّصل ذلك كله بسياسة حكم آل سعود الطائفيّة والإقصائيّة، لأي من المناصب المؤثّرة في الإدارة والقرار السياسي، وعدم الاعتراف بالمذهب الشيعي على المستوى الدستوري والقانوني، وتردّي حالة حقوق الإنسان، من خلال الاستهداف الممنهج لمؤسّسات المجتمع المدني في ظل عدم سن قانون تشريعي لعملها، وعبر إغلاق المؤسّسات الحقوقيّة، والمعاقبة على تأسيسها بالسجن.
أيضاً تزداد حقوق الإنسان سوءاً من خلال سجن المعارضين والنشطاء، أو تهديدهم، بالإضافة إلى التحريض المستمرّ بالكراهية ضد الشّيعة، والحثّ على مقاطعتهم اجتماعياً واقتصادياً. فعلى سبيل المثال، سبق وأصدرت محكمة سعودية حكماً بالسجن سنتين و200 جلدة بحق الناشط الحقوقي مخلف الشمري عام 2013 بسبب مجالسته للشيعة ومواساته لهم والاجتماع معهم. كما ألغي في 13/08/2012 من قبل إمارة المنطقة الشرقية، حفل اجتماعي أقامه نشطاء شيعة وسنة للتقريب بين الطائفتين.
نتائج التقسيم:
ثمّة الكثير من المخاوف التي يتحدّث عنها أهالي القطيف نتيجة التقسيم منذ سنوات، وفي مقدّمتها وقف المشاريع السكانيّة لعدم توفّر الأراضي داخل المحافظة. وازدياد الكثافة السكانية، فبحسب إحصائيات سابقة تعد “السعودية” واحدة بين أقل 22 دولة في الكثافة السكانية على مستوى العالم، بمعدل 15 نسمة في الكليومتر مربع. ولكن الكثافة السكانيّة في القطيف تخالف ذلك بكثير، فهي أعلى كثافة سكانيّة في “السعودية” بالمقارنة مع جميع المحافظات، إذ يسكن أكثر من 891 نسمة في الكيلومتر المربع، بل أن بلدة القديح في القطيف تعد من أعلى عشر كثافات على مستوى العالم كيلو متر مربع 27904 / 0.75 نسمة.
أيضاً يؤدي التقسيم إلى وقف المشاريع التعليمية وعلى رأسها إنشاء جامعة أو كلية أو مدرسة على أقل تقدير، ذلك أن الأهالي لطالما ناشدوا السلطات لإنشاء مشاريع تنموية واجتماعية لكنها رفضت جميعها بذريعة عدم توفّر أراضي.
من نتائج التقسيم كذلك، وقف المشاريع الصحيّة والاقتصار على مستشفى القطيف المركزي ذي الـ360 سرير الذي يخدم نصف مليون نسمة. وانعدام التناغم بين الميزانيّات المقرّرة والزيادة السكانيّة، بالإضافة إلى تهالك الخدمات الاجتماعيّة والخدميّة والحكوميّة. ستضطر الأجيال المقبلة إلى النزوح من مجتمعها الأصلي إلى باقي المحافظات، مما سيؤثّر سلباً على هويتهم الاجتماعيّة، وأيضاً لن يكون لهم حق الإمتياز في أغلب الحقوق المدنيّة، كالقبول في الجامعات أو الكليات وغيره، ولن تكون لهم الحريّة في ممارسة غاياتهم أو أعرافهم الاجتماعيّة لكونهم مجتمع دخيل على باقي المحافظات، نتيجة التقسيم.
إلى ذلك، وفي عام 2011، استنكرت “لجنة الحدود الإدارية” في القطيف تغيير الحدود الإدارية للمحافظة، ورفعت برقية تظلّم إلى الديوان الملكي احتجاجاً على هذا القرار الذي أدّى إلى تقليص مساحتها وضمّها للمحافظات المجاورة.
اللجنة ناشدت في برقيّتها السلطات السعودية وطالبت بإلغاء قرار التغيير. كما عبّرت عن استغرابها لتطبيق القرار من دون مراعاة المادة الثالثة من نظام البلديات والقرى والتي تنصّ على التالي: “يعتمد وزير الشؤون البلدية والقروية بناء على اقتراح المجلس البلدي وموافقة مجلس المقاطعة مخططاً يبين حدود البلدية والمنطقة الخاضعة لسلطتها”. كما أدانت اللجنة عدم مراعاة الكثافة السكانيّة في المحافظة وحاجتها للتوسع العمراني وما سيؤول له القرار من نتائج سلبية على مستوى الخدمات المقدمة. ونبّهت إلى أن القرار سيؤثر على “توزيع أراضي المنح المستحقة لأبناء المحافظة وطنياً وتاريخياً والتي حرموا من نيلها في محافظتهم”.
ارسال التعليق