حقائق عن تهميش ابن سلمان كبرى المؤسسات الإسلامية
يقدم ما جرى مع مؤسسة “الندوة العالمية للشباب الإسلامي”، نبذة مختصرة عن نهج محمد بن سلمان في تهميش كبرى المؤسسات الإسلامية وتقليص تأثيرها لصالح نشر الإفساد والانحلال.
فقد حول محمد بن سلمان “الندوة العالمية” من مؤسسة إسلامية عالمية واسعة الانتشار والتأثير إلى مؤسسة مهمّشة ومعطّلة ومسيّسة تنفّذ أجندة الحكومة وتوجّهاتها السياسية.
وتاريخيا عُرفت المملكة عبر عقود (بسبب وجود الحرمين الشريفين) بأنها ملجأ قلوب المسلمين قبل أجسادهم، واحتضنت المئات من المؤسسات الإسلامية التي ساهمت في خدمة الإسلام والتعريف به.
وأخذت بعض المؤسسات صبغة عالمية جعلت منها منطلقًا للعمل الإسلامي المشترك ونموذجًا للتضامن الإسلامي.
لكن مع وصول محمد بن سلمان للسلطة، كان للمؤسسات والجمعيات الإسلامية نصيبًا من أذاه وهجمته الشرسة ضد الإسلام، فتم إغلاق بعض المؤسسات وتحجيم بعضها الآخر أو التضييق عليها، وحرف مسار بعضها وجعلها أبواقًا لنظامه.
وتعد “الندوة العالمية للشباب الإسلامي” واحدة من أكبر المؤسسات الإسلامية العالمية المستقلة أنشأها الملك فيصل في 1972 لتحقيق التضامن الإسلامي بين شباب المسلمين وتقديم الخدمات لهم في أنحاء العالم وتنسيق جهود المنظمات الشبابية والطلابية وتعزيز وحدتها والارتباط فيما بين شعوبها وأقطارها.
ومنذ تأسيسها، دأبت الندوة على تحقيق أهدافها، فقدّمت منحًا الدراسية وبرامج إغاثية وطبية وبرامج دورات تأهيلية للشباب.
وأقامت عددًا كبيرًا من المؤتمرات والندوات لمناقشة هموم الأمة وتوحيد الجهود لمعالجتها، لتحفر أسمها كواحدة من أكبر المؤسسات الإسلامية وأعظمها تأثيرًا في العالم.
ورغم أنها سعودية المنشأ والمقر، إلا أنها لم تقتصر على علماء المملكة ومفكريها، إذا شارك في تأسيسها كبار الشخصيات الإسلامية من أقطار أخرى، وتولّى العديد منهم مناصب مهمة فيها، كجزء من خارطة العمل الإسلامي المشترك. هذا بالإضافة لعشرات المقرات التي افتتحتها الندوة في دول عدة.
ورغم أن مرسوم تأسيسها الذي وقّعه الملك فيصل نصّ على استقلاليتها، إلا أن الندوة كوّنت علاقات جيدة مع جميع الجِهات الرسميَّة في داخل المملكة وخارجها.
ولم يُعكّر صفو ذلك سوى ما أُشيع في عهد الملك عبد الله في 2013 عن إغلاق وتجميد نشاطاتها الداخلية والخارجية، وهو ما نفاه أمينها.
في المقابل شكل تسلم الملك سلمان وابنه مقاليد الحكم، الانعطافة الأولى في مسار الندوة، حيث شهد نهاية 2015، إغلاق الحكومة أكثر من 20 فرعًا لـ 5 جمعيات وهيئات إسلامية ذات الصبغة “العالمية” ومنها الندوة بحجة عدم حصولها على تراخيص وعدم التزامها ببعض مواد اتفاقية المقر مع وزارة الخارجية.
ولم يكتف الملك سلمان وابنه بذلك، بل صدر الأمر في أوائل 2016 بإغلاق جميع فروع الندوة العالمية للشباب الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، باستثناء مقريهما في جدة والرياض.
وفي حينه عُلّل القرار بأنه “مؤقت” لحين استكمال موافقات تراخيص المقرات، ومعه تم إيقاف نشاط الندوة وإفراغها من مضمونها.
وأقرّ الدكتور صالح الوهيبي الأمين العام للندوة في لقاء مع سبق في 2016 بأن إغلاق مكاتب الندوة كان له بالغ الأثر في انخفاض مواردها المالية وبرامجها ونشاطاتها.
وأكّد أن سبب الإغلاق هو “عدم الحصول على تراخيص المقرات” مع أن جل مكاتبها تعمل بموجب تصاريح صادرة عن جهات عليا بالدولة.
ومضت الأشهر والسنوات ولم تحلّ الحكومة مسألة التراخيص المزعومة لمقرات الندوة، ليكون ذلك أشبه بشهادة وفاة للندوة ونشاطاتها وبرامجها (رغم بقاء اسمها وهيكلتها)، ويخسر العالم الإسلامي الجهود الضخمة للندوة التي امتدت لـ 5 عقود، قدّمت فيها الكثير وجسّدت أسمى معاني التضامن الإسلامي.
فقد كانت الندوة صاحبة اليد الطولى في كل عمل ونشاط إسلامي عالمي، وساهمت عبر فروعها المنتشرة في دول العالم في حمل هموم المسلمين وإغاثتهم، فكانت لجان دعم فلسطين وكشمير والصومال وأوروبا الشرقية وأمريكا الشمالية والطبيب المسلم وعشرات غيرها، محطات فارقة ومضيئة للعمل الإسلامي المشترك.
ومع مجيء الملك سلمان انقلب كل شيء وجُفّفت منابع الندوة المالية وحُجّمت نشاطاتها، رغم أنها كانت تحظى بدعم الملوك السابقين ومنهم الملك سلمان والذي ترأس بنفسه الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، بالتنسيق المباشر مع الندوة العالمية.
وبعد أن كانت الندوة مؤسسة إسلامية ذات صبغة عالمية تنطلق من رؤى إسلامية شاملة لا مكان فيها لشعارات سياسية أو أهداف ضيقة، قام ابن سلمان بتحجيمها واختزال عملها وسرقة تاريخها ونشاطاتها ونسبه لرؤية 2030، لاغيًا بذلك إرثًا ضخمًا من العمل الإسلامي المتميز امتد لـ 5 عقود كاملة.
ولم تكن الندوة العالمية الضحية الوحيدة لفجور محمد بن سلمان. فقد نالت أخواتها من المؤسسات الكبرى مصيرًا مشابهًا كرابطة العالم الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية والهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم والهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة والهيئة العالمية للتعريف بالإسلام وغيرهم.
إذ عمد بن سلمان منذ مجيئه لمحاربة الإسلام في معقله، باعتقال العلماء وإغلاق الجمعيات الإسلامية، كما سعى لـ “علمنة” بلاد الحرمين وتحجيم دورها الحقيقي كحاضنة لمسلمي العالم.
وما حلّ بالندوة العالمية مثال بسيط على الظلم الشديد والتهميش الكبير الذي تعرّضت له كبرى المؤسسات الإسلامية.
ارسال التعليق