حملة هدم جديدة في #القطيف: ما هو هدف النظام السعودي الجديد
في سياق مستمر لا توقفه شدّة ولا رخاء، بدأت بلدية القطيف، يوم الإثنين 31 يوليو/تموز 2023، جريمة تجريف أجزاء من بلدتي الجارودية وحلة محيش. حيث شملت عمليات التجريف مزارع تاريخية مثمرة شكلت في ما مضى جزء هاما من واحة القطيف قبل وقوعها تحت الحكم السعودي.
يذكر أن الجارودية تنضوي ضمن المناطق المهددة بالإزالة بفعل مشروع تطوير الحقل النفطي في القطيف. إذ أن المشروع المقدم من قبل وزارة الطاقة في غاية الخطورة، ويؤكد نيّة النظام على إزالة القطيف عن بكرة أبيها، ومسحها من الخارطة كمنطقة سكنية مأهولة. توضح الخرائط المنشورة للوزارة حول “نزع الملكيات”، أنها تمتد لمسافة 50 كيلومتر تقريبا، شملت الوجه الغربي للمحافظة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وتتوزع إحداثيات الإزالة والهدم على مواقع كثيرة حاول النظام تمييزها وفقا لثلاث محددات واهية. فيما تكفلت مشروعات وزارة الشؤون البلدية بتجريف وتدمير أحياء قلب القطيف والمناطق الممتدة شرقا حتى جزيرة تاروت.
في التفاصيل أظهرت خريطة وزارة النفط 3 ألوان هي المساحة المرصودة للهدم ونزع الملكيات: اللون الأحمر، سيتم نزع ملكية جميع الأراضي الواقعة ضمنه، ويمتد من شمال القطيف فيما يُعرف حاليا بمسمى “ضاحية الملك فهد بمحافظة البيضاء (وهي محافظة تم انشاؤها العام 2022 بعد اجتزائها من محافظة القطيف نفسها) وحتى حدود محافظة الجبيل في أقصى الشمال، وهي مساحة هائلة تضم مناطق زراعية وسكنية وبحرية. اللون الأصفر، سيتم إزالة جميع الأراضي الواقعة ضمن منطقة التأثر بالمخاطر، والبالغة 450 مترا المحيطة بموقع الحفر باستثناء الأراضي الزراعية، ما يعني سيتم تهجير سكان هذه المساحة أيضا، التي تتناثر في شكل مساحات منفصلة من منطقة “البدراني” جنوب غرب القطيف إلى الحدود البحرية شمالاً قرب محافظة الجبيل. أما اللون الأزرق، فسيتم إزالة جميع الأراضي السكنية الواقعة ضمنه، بمبرر أن هذه المناطق ذات كثافة سكانية أعلى من غيرها. يعدّ هذا اللون الثاني من حيث المساحات التي توضحها الخريطة، سيطال أحياء سكنية قائمة، بالذات في بلدة الأوجام ومدينة صفوى.
استناداً للخريطة، فإن مدينة صفوى والأوجام، سيكونا الأكثر تأثرا بإجراءات الإزالة، وهما مهددتان بالمحو الكامل من الخريطة، سيّما لناحية محاصرة إحداثيات الإزالة ببلدة الأوجام من جميع الجهات تقريبا، باستثناء فُرجة في الجنوب الشرقي، في حين تُحيط الإحداثيات مدينة صفوى من 3 جهات: من أقصى شمالها وحتى آخر حدودها الجنوبية المتصلة بالعوامية، ومن أقصى جنوبها وحتى آخر حدودها الشمالية المتصلة بمحافظة رأس تنورة، ومن أقصى شرقها وحتى حدودها الغربية المتصلة بأم الساهك والواجهة الزراعية الغربية، بما يشي أنها مهددة بالتجريف والإزالة الشاملة!
وتبيّن الخريطة أن المنطقة الزراعية المعروفة بسيحة البحاري وسيحة الخويلدية، شرق المنطقة الصناعية وتمتد حتى غرب الجارودية، سيجري مسح جميع الأراضي ضمن النطاق الأحمر في هذه المنطقة، إلى جانب هدم جميع المساكن ضمن نطاق اللون الأصفر باستثناء الأراضي الزراعية. هذا وستشمل عمليات الهدم منطقة غرب القديح والعوامية، ويتركز اللون الأحمر والأصفر ما يعني أننا سنشهد عملية تهجير واسعة النطاق أيضا.
بالإضافة إلى ذلك، خطر التهجير يهدد كل من الجش، وأم الحمام بعد أن تقرر أن يطال الهدم مساحات شاسعة من أحيائها السكنية ومساحاتها الزراعية. في وقت تفاقم أزمة السكن وتعثر مشروعات عقارية ضخمة إلى جانب جمود وانحسار القروض العقارية للأفراد.
وهنا لا بدّ من التأكيد، أن القطيف بمساحتها الحالية مشغولة كلّيا، ولا وجود لمساحات قابلة للإعمار فيها، بعد أن منع النظام السعودي تمددها باتجاه الغرب وأطبق الحصار عليها، عدا عن منع النظام السعودي، حتى وقت قريب، من بناء 3 طوابق في القطيف. بالإضافة إلى عدم وجود أراضي بيضاء قابلة للاستغلال بعد أن اقتطع النظام امتداد أراضي الفضاء وضمّها إلى محافظة البيضاء المبتدعة مؤخرا، في محاولة متجددة لتفتيت “المنطقة الشرقية”، التي هي بالأصل مكوّنة من القطيف والأحساء، وما مناطق كالدمام والجبيل والخبر ورأس تنورة إلا جزء لا يتجزأ من الإقليم، وفي أغلبها مناطق حديثة أنشأت بعد تأسيس شركة أرامكو.
وأمام هذا الواقع، يتضح أن جوهر المشروع يقوم على قرار النظام السعودي بتهجير أبناء القطيف داخليا، وبالتالي تشتيت وتفتيت النسيج المجتمعي للمنطقة، والعمل على توزيع أبناء الطائفة الشيعية في الجزيرة العربية بشكل لا يسمح في تشكيلهم مجموعات سكنية واستحواذهم على مناطق واسعة من الأراضي في ما يحسب أنه وطنهم “السعودية”. وهنا نستشهد بواقعة اجتياح المسوّرة وإضطرار العديد من الأهالي إلى الخروج من المنطقة باتجاه المناطق السنيّة كالخبر والجبيل والدمام والرياض وجدة.
وفي صلب هذه التحولات، تظهر الانعكاسات المجتمعية المقصودة من قبل النظام على الكتلة الشيعية المتماسكة في القطيف، وما يجمعهم بينهم من وحدة المعتقد والثقافة وتقاسم المعاناة والتطلعات والأهداف. وبالتالي القطع بين أبناء الجيل الأول من المنطقة والأجيال الحالية والقادمة.
والجدير بالذكر أن مساعي النظام التفتيتية ليست بجديدة، فعلى خطى سياسة التقسيم والفصل العنصري الصهيوني، أقدم آل سعود في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان 2022 على تقسيم محافظة القطيف إلى قسمين شرقي وغربي، حمل الجانب الغربي اسم محافظة البيضاء، في حين احتفظ الجانب الشرقي منها باسم القطيف.
ارسال التعليق