صدام حسين وابن سلمان: تشابهات الطغيان عبر الأجيال
"ما بالفار طاهر" / مثل نجدي...
تاريخ العالم العربي مليء بالشخصيات التي تباينت أدوارها وتأثيرها على المشهد السياسي والاقتصادي. من بين هذه الشخصيات نجد صدام حسين ومحمد بن سلمان. رغم الاختلافات الزمنية والسياسية، إلا أن هناك تشابهات وتقاطعات مهمة بينهما تجعل من هذه المقارنة محاولة تستحق الاهتمام. في هذا المقال، سنغوص في عوامل وصول الطغاة إلى السلطة، ونتناول مسيرة كلا الطاغيتين، مع تسليط الضوء على الأساليب القمعية، التداعيات الاقتصادية، السياسات الدولية، القيم الأخلاقية والشخصية، بالإضافة إلى مقارنة الكاريزما.
يصل الطاغية إلى السلطة بطرق مختلفة، ويمكن تصنيفها ضمن ثلاث فئات رئيسية:
الفئة الأولى تشمل الطاغية الذي اختاره الشعب في البداية، ولكنه بعد وصوله يتحول تدريجيًا أو بشكل مباشر إلى ديكتاتور. هذا النوع من الطغاة يعامل شعبه كحُمُر برية تحتاج إلى ضبط وترويض مستمر. في البداية، قد يكون هذا الزعيم محبوبًا ومعتبرًا من الشعب، ولكن مع مرور الوقت يصبح متسلطًا ومستبدًا يستخدم السلطة لتحقيق مصالحه الشخصية. مثال على ذلك يمكن أن يكون شخصيات مثل أدولف هتلر، الذي جاء إلى السلطة عبر عملية ديمقراطية قبل أن يصبح ديكتاتورًا استبداديًا.
الفئة الثانية تضم الطاغية المفروض الذي يصل إلى السلطة بواسطة قوى خارجية تدعمه في انقلاب أو احتلال عسكري. هذا النوع من الطغاة ينظر إلى الشعب كغنيمة حرب، ويعمل بشكل رئيسي لخدمة من أوصلوه إلى السلطة. يكون احتقاره للشعب واضحًا، وغالبًا ما يعتمد على الأجهزة الأمنية والعسكرية لقمع أي مقاومة. الأنظمة الديكتاتورية التي أنشأتها القوى الغربية في دول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط هي أمثلة على الطغاة المفروضين.
الفئة الثالثة تشمل الطاغية الوراثي، وهو الذي يرث السلطة من أسرته وقد تربى منذ صغره على الأفكار الاستبدادية. يرى أن تسلطه مبرر ومشروع، ويعتبر نفسه سيدًا على شعبه الذي يعامله كالعبيد. هذا النوع من الطغاة لا يتصور من شعبه معارضة أو اعتراضًا لأنه يرى في السلطة حقًا شرعيًا مؤبدًا له ولأسرته. المهمة الأساسية للطاغية الوراثي أبسط من الطاغية المؤسس؛ فهو يتعامل مع جيل وُلد في زمن الطغيان ولا يعرف معنى الحرية، مما يسهل إخضاعهم واستعبادهم.
صدام حسين بدأ مسيرته السياسية بالانضمام إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1957، وسرعان ما أصبح أحد الفاعلين الرئيسيين في انقلاب 1968 الذي أطاح بالحكومة العراقية. بحلول عام 1979، تولى صدام السلطة كاملة بعد تنحية الرئيس أحمد حسن البكر. استخدم صدام جهاز الشرطة السرية "حنين" والأجهزة الأمنية لضبط المعارضة وإحكام السيطرة على مفاصل الدولة. كان طموحه كبيرًا؛ سعى للسيطرة على العالم العربي وتغيير موازين القوة الإقليمية لصالحه.
بينما صعد محمد بن سلمان بسرعة في هرم السلطة السعودية بعد تعيينه ولياً للعهد في 2017. حملته ضد الفساد لاقت ترحيباً واسعاً، لكنها وُصفت بأنها وسيلة لإقصاء المعارضين وتثبيت قدمه في السلطة. في خطوة جريئة، احتجز عددًا من رجال الأعمال والأمراء في فندق الريتز كارلتون بالرياض، مما أثار نقاشات واسعة حول نيته الحقيقية وكشف عن جوانب استبدادية في سياساته. كما ترعرع محمد بن سلمان في إطار حكم عائلي يُنظر فيه إلى السلطة كحق موروث. هذا السياق ساعده كثيرًا في فرض سيطرته وإحكام قبضته على معارضيه دون مقاومة كبيرة من داخل الأسرة الحاكمة أو الشعب.
أظهر صدام حسين في أغسطس 1990 طموحاته التوسعية بغزو الكويت، مما أدى إلى تحرك عسكري ضد العراق بقيادة الولايات المتحدة. كان هذا القرار غير محسوب، حيث اعتقد صدام أن الولايات المتحدة لن تتدخل بشكل عسكري مباشر. ولكن الواقع كان عكس ذلك، حيث فرض الحصار على العراق وتسبب في دمار الاقتصاد العراقي ومعاناة إنسانية كبيرة للملايين. صدام لم يدرك ماذا يعني النظام الدولي بالنسبة لأمريكا وماذا يعني تغيير الحدود المرسومة، والتي تعتبر أمرًا أساسيًا ونهائيًا في النظام الدولي. تصرفاته أثارت غضب المجتمع الدولي وأدت إلى عواقب وخيمة على العراق.
كذلك، قاد محمد بن سلمان التحالف العسكري في اليمن عام 2015 لمواجهة الحوثيين المدعومين من إيران. كانت الحملة العسكرية بلا هوادة ولا رحمة. نتج عن التدخل في اليمن استنزاف موارد كبيرة وأدى إلى تداعيات إنسانية كارثية، ويشبه في العديد من النواحي مأساة غزو الكويت. الحرب في اليمن سببت كارثة إنسانية بمعايير دولية؛ الملايين يواجهون الفقر والمجاعة ونقص الخدمات الأساسية، وكل ذلك أدى إلى تدهور صورة السعودية دولياً وزيادة العزلة والانتقادات الموجهة إلى النظام السعودي.
إثر غزو الكويت، وُضعت العراق تحت طائلة عقوبات اقتصادية دولية قاسية أفضت إلى تردي حاد في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. تصاعدت نسب الفقر والبطالة، وتهاوت البُنى الأساسية للخدمات، مما ألقى بالعراق في غياهب العزلة والحرمان الاقتصادي المُفرط. تمثلت العقوبات في حصار شبه إعدامي للاقتصاد العراقي، حول الحياة اليومية للمواطنين إلى معاناة شديدة وغير محتملة. شهدت التسعينيات من القرن العشرين فترة من الكوارث المتتالية على جميع الأصعدة في العراق.
كان غزو صدام حسين للكويت خطأ جسيماً، إذ تحدى الولايات المتحدة وأفضى ذلك إلى عزلة دولية وتدخل عسكري دولي أنهك البنية التحتية والجيش العراقي. كان تقدير صدام للمشهد الدولي مغلوطاً، مما أسفر عن فقدانه لجميع حلفائه وتعرضه لعقوبات اقتصادية مدمرة. دخل العراق في دوامة من الأزمات استمرت حتى إطاحة نظامه في عام 2003 بفعل التدخل الأمريكي. لقد كانت العواقب السلبية للعزلة الدولية والحصار الاقتصادي ملموسة بقوة على الشعب العراقي، الذي عانى من ظروف معيشية قاسية لعقود.
كذلك، يرهق التدخل في اليمن الميزانية السعودية وتسبب في تراجع الاستثمارات وزيادة العجز المالي. تواجه المملكة تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال رؤية 2030 بسبب التبعات الاقتصادية والسياسية للحرب. التزامات مالية كبيرة وتحديات اقتصادية حقيقية وخطيرة تهدد مشروع حالم بالمعنى الوهمي للكلمة.
اعتمد صدام حسين بشكل كبير على الأجهزة الأمنية لقمع أي معارضة لنظامه. حوادث مثل قاعة الخلد عام 1979، حيث أعدم العشرات من خصومه السياسيين بعد محاكمات مزيفة، تُعتبر من أبرز الأمثلة على وحشيته. رسائل الرعب التي بثها لمعارضيه كانت فعالة في تثبيت حكمه. العديد من النشطاء والسياسيين تعرّضوا للتعذيب والاختفاء القسري والإعدام. كان نظام صدام يتمتع بسلطة غير محدودة على حياة المواطنين، مما أدى إلى خلق جو من الرعب والصمت القسري.
كذلك، محمد بن سلمان يستخدم وسائل قمعية حديثة تؤكد على مدى التشابه مع الطغاة السابقين. حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018 في القنصلية السعودية بإسطنبول أثارت ردود فعل عالمية ضد السعودية. يتم احتجاز النشطاء وتعذيب المعارضين، مما يكشف عن اعتماد وسائل حديثة لقمع المعارضة.
القوة القمعية لمحمد بن سلمان لا تتوقف عند حدود المملكة بل تمتد إلى الخارج. تشير تقارير متعددة إلى وجود نهج قمعي يمارسه النظام ضد المعارضين في الخارج. هذا النهج يُظهر سعيه للسيطرة المطلقة. ولقد شهد عهد بن سلمان، ولا يزال، استخدامًا حكومياً غير مسبوق للتكنولوجيا في التجسس على النشطاء والمعارضين. حتى قضية التطبيع مع إسرائيل يُنظر إليها باعتبارها تقدماً في صناعة مثل هذه الأدوات، بل إن إسرائيل نفسها تراهن على تقدمها في تكنولوجيا التجسس، والذي بات عليه كثير من علامات الاستفهام بعد السابع من أكتوبر. أقول إن إسرائيل نفسها صارت تعرف قيمة هذه الأدوات إذا ما أرادت أن ترغب الطغم الحاكمة أو البروكسيات الحاكمة في التطبيع معها.
بناء السمعة هو فن وعلم يُمارس بحذر ودهاء من قبل الزعماء السياسيين لتعزيز مكانتهم وتأمين قاعدة دعم قوية. صدام حسين، الرئيس العراقي السابق، استغل ببراعة العواطف القومية والشعور بالفخر الوطني لبناء صورته كمدافع شرس عن القيم التقليدية والشرف. استخدامه المكثف للإعلام ساعد في ترسيخ صورته كزعيم قوي ومخلص يحمي شعبه ويدافع عن تراب الوطن. لكن وراء هذه الصورة البراقة، كان يخفي وجهًا قمعيًا يستخدم الوحشية والترهيب لإسكات أي أصوات معارضة، مما يكشف عن تناقض صارخ بين الصورة العامة والسياسات الفعلية.
من ناحية أخرى، يظهر محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، كنموذج للزعماء الجدد الذين يسعون لتقديم أنفسهم كرموز للحداثة والتقدم. من خلال "رؤية 2030"، يحاول تصوير نفسه كمصلح اقتصادي واجتماعي يهدف إلى تحديث المملكة وإدخال إصلاحات جذرية تعود بالنفع على البلاد. لكن، تأتي هذه الصورة المستقبلية معتمدة على استخدام وسائل قمعية لتثبيت قواعد حكمه وإسكات المعارضين، مما يثير تساؤلات حول الجدية في التمسك بمعايير الحكم الرشيد والأخلاق.
التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وبين استخدام القوة والقمع يبقى تحديًا كبيرًا لمحمد بن سلمان، حيث يسعى لإظهار وجه حداثي يجذب الاستثمارات الدولية ويعزز من مكانة السعودية على الساحة العالمية، بينما يعتمد في الوقت ذاته على أساليب قمعية لضمان السيطرة والاستقرار الداخلي. هذه المعضلة تعكس الصراع الداخلي في السياسة السعودية وتؤثر على صورة البلاد دوليًا.
في النهاية، بناء السمعة للزعماء مثل صدام حسين ومحمد بن سلمان يظل موضوعًا معقدًا يجمع بين الإعلام، السياسة، والقوة. هذا البناء يتطلب موازنة دقيقة بين الظهور كمدافعين عن القيم وممارسة السياسات القمعية التي قد تتناقض مع الصورة المرغوبة، مما يعرضهم للانتقادات الداخلية والخارجية.
إن دراسة الشخصيات الاستبدادية مثل صدام حسين ومحمد بن سلمان تسلط الضوء على تشابهات كبيرة في النهج والأساليب رغم اختلاف الزمان والمكان. الطغاة يستخدمون مزيجًا من الكاريزما، القمع، والسياسات الاقتصادية لتثبيت حكمهم وضمان استمراريته. ولكن في النهاية، تبقى آثار هذه السياسات واضحة على شعوبهم ومكانتهم الدولية. على الرغم من التحديات التي تواجه هذه الشخصيات في محاولاتهم لبناء سمعة إيجابية، إلا أن الأساليب القمعية والتداعيات الاقتصادية السلبية تظل جزءًا لا يتجزأ من إرثهم.
ارسال التعليق