ضوابط أيام رمضان: لإطفاء نور الإسلام في بلاد الحرمين
يبدو واضحاً أن خطة تقييد ممارسة الشعائر الدينية في أرض الحرمين الشريفين تقوم على المراكمة البطيئة، ذلك بالمقايسة مع السرعة التي تجري فيها عربة "الانفتاح" على المحرمات.
وفي كل عام مع حلول شهر الصيام، ترتفع التضييقات درجة إضافية، سيما مع تسلّم محمد بن سلمان زمام قيادة مهلكته.
تتراكم "القوانين" كل عام تحت مزاعم تنظيمية، يُراد عبرها استئصال مظاهر التديّن رويداً رويداً. من خفض صوت مكبرات الصوت في المساجد، ومراقبة المصلين الراغبين في الاعتكاف، وفرض قيود على تبرعات الإفطارات، ومنع المصلّين من اصطحاب أطفالهم، إلى منع أئمة المساجد من التطرق لأي موضوع خارج عن أحكام الصيام وغيرها.
أتت ضوابط هذا العام متناغمة -كما الأعوام الماضية- مع الفكر السلمانيّ، وإن عُمل على تزيينها. ووفق بيان هذا العام، الصادر عن (وزارة الشؤون الإسلامية)، كانت أولى النقاط إعادة التأكيد على منع نقل الصلوات أو بثها في الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها. ففي الوقت الذي يكثر اهتمام المسلمين حول العالم بمتابعة الصلوات في مختلف مساجد بلاد الحرمين، يتم منع بث أداء الصلوات في المساجد، كخطوة مكمّلة لخفض صوت مكبرات الأذان وتلاوة القرآن، سعيا من ابن سلمان لاخماد مظاهر الدين الذي يكره.
إلى جانب ذلك، واحدة من النقاط التي تُوضع موضع الشك، عدم إطالة صلاة التراويح تحت ذريعة "مراعاة أحوال الناس". وهي من المسائل التي يُعدّ أثرها، كما سالفتها، مؤجّلاً، حين يتم تقليص مظاهر الخشوع وتعميم حالة التراخي في ما يتعلق بفرائض الشهر الكريم.
في ظل حالة التضييق على ما يجده المسلمون أهلاً للدعاء في أرض الحرمين، تأتي توجيهات "الحرص على جوامع الدعاء" لأئمة المساجد، دليلاً ناصعاً على حالة تغييب القضايا التي يصرّ دعاة "المملكة" اعتبارها قضايا سياسية يجب تحييدها عن الأماكن الدينية! ضبطاً لكل كلمة تأتي على مسامع مُرتادي الجوامع، لضبط الوعي الجمعي سواء بالأساليب القمعية البيّنة أم بمثل هذه الأساليب التي تعتمد على كيّ الوعي بوسيلة الترويض؛ الأكثر خُبثاً.
كما أن منع المساجد من أخذ التبرعات، ومنع الإفطار في المسجد تُعدّ وسيلة لتقييد الأجواء التي يخلقها رمضان في المساجد وفي الأماكن العامة، وثني الناس عن الاحتفال به في الأماكن العامة بدلاً من منازلهم. والجدير بالذكر هنا أن بن سلمان سبق أن أمر أيضًا بعدم تأديب أي شخص مفطر إذا شوهد وهو يأكل في الأماكن العامة.
وفي نقطة سبق أن جرى تعميمها من قِبل الوزارة العام الماضي وغابت هذا العام، هو منع المصلين من اصطحاب الأطفال معهم "لما يحصل من تشويش على المصلين ويفقدهم خشوعهم"! وهو عكس تماما ما يُدعا إليه من أهمية تعرّض الطفل إلى هذه الأجواء لعِظم ما يحصل عليه من احساس بالاندماج مع الشعائر الإسلامية، وهو تماما ما يخشاه ابن سلمان.
تتدخّل "السلطات السعودية" بأكثر من ذلك، حين تضع ضوابط لـ"الاعتكاف"، وهو سلوك لعلّه الأكثر روحانية في الشهر الكريم، حيث يعزل الناس أنفسهم عن المجتمع في المسجد خلال الأيام العشرة الأخيرة من رمضان ويكرسون وقتهم فقط لعبادة الله سبحانه وتعالى. أتى على ذكر النقطة هذه بشكل مقتضب في ختام البيان، لكنها أتت في رمضان الماضي2023 بشكل أكثر دقة، بحيث فُرض على كل راغب بالاعتكاف أن يدلي بذلك إلى إمام المسجد مع تقديم بياناته الشخصية! لتتحول المساجد كدوائر رسمية تقع تحت المراقبة والمساءلة والتدقيق، بدلا من أن تكون بيوتاً لله.
بات أكيداً بعد كل هذا، أن المُراد تحويل الشعائر الإسلامية من الممارسة العامة إلى الممارسة الشخصية، وحصرها مبدئيا في مكة والمدينة. إلا أن النوايا الخفية لابن سلمان تكمن في إسكاتها حتى من هتين المدينتين؛ لولا الخوف من الغضب الجماهيري.
مشايخ وأئمة على هوى ابن سلمان:
يهتم "النظام السعودي" كثيراً بانتقاء مُعتلي منابره. أربعة "مشايخ" لهذا العام مسؤولون عن صلاتَي التروايح والتهجد. واحداً منهم، هو عبد الرحمن السديس، صاحب مقولة "المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الرئيسين سلمان بن عبد العزيز ودونالد ترامب هما قطبا التأثير في العالم ويقودانه إلى السلام" خلال لقائه على إحدى المحطات. هو ما أثار حفيظة الكثير من المسلمين حول العالم ولحقه جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبر مغردون أن حديث السديس يعد "جريمة بحق الشعوب التي فقدت الآلاف من أبنائها، ودمّرت منازلها، وفقدت الأمن فيها، بسبب الاحتلال الأمريكي، أو مشاركتها الولايات المتحدة بطائراتها في تلك الدول". إلى جانب من دعا إلى عدم جواز الصلاة خلفه على اعتبار أنه فقد عقله.
لعلّ الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي" محمد العيسى، النموذج الأنصع لتوظيف "علماء الدين" في خدمة الرؤى السياسية الخاصة "بالسلطات". فقد كان العيسى أحد الممهدين لأرضية مسار التطبيع مع كيان الاحتلال، سواء من زيارته في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017، أكبر كنيس يهودي في باريس. وهي الزيارة التي قالت عنها صحيفة (جيروزاليم بوست) بأنها " مؤشر جديد على دفء العلاقات بين إسرائيل والسعودية".
ومحاورته لمراسل صحيفة "يديعوت أحرنوت" على هامش مشاركته في مؤتمر بالأكاديمية الدبلوماسية العالمية في باريس، حيث قال رداً على سؤال عمّا إذا كان "الإرهاب الذي تنفذه مجموعات ومنظمات باسم الإسلام ضد إسرائيل وأهداف يهودية، وتربطه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يقع في إطار الإرهاب الذي تعارضه بلاده لأنه يسيء للإسلام"، رد العيسى بأن "أي عمل عنف أو إرهاب يحاول تبرير نفسه بواسطة الدين الإسلامي مرفوض".
ووضع هيمنة "إسرائيل" على مدينة القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالنسبة للمسلمين، في سياق سياسي، لا علاقة لـ(رابطة العالم الإسلامي) به، عبر قوله "الرابطة ملتزمة بالسلام وليست هيئة سياسية".
وفي مقابلة له مع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في إبداء "رأيه" حول فكرة "السلام مع إسرائيل"، قال خطيب يوم عرفة أنه "متى حصل هذا الحل، سنذهب سوية لنبارك هذا السلام هناك. سيكون سلاماً شاملاً".
نعيد أدناه نقل بيان الوزارة:
أصدرت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد مجموعة من التعليمات والتوجيهات الخاصة بتهيئة المساجد قبل شهر رمضان المبارك، والتأكيد على الأنظمة والتعليمات الخاصة بمنسوبي المساجد في كافة مناطق المملكة لما يخدم المصلين، ويحقق رسالة الوزارة وأهدافها العامة ، تزامنا مع قرب شهر رمضان المبارك لعام ١٤٤٥هـ .
وأكدت الوزارة على منسوبي المساجد من أئمة ومؤذنين بضرورة الانتظام في عملهم، وعدم التغيب خلال شهر رمضان المبارك، كما أكدت الوزارة على عدم استخدام الكاميرات الموجودة في المساجد لتصوير الإمام والمصلين أثناء أداء الصلوات والتي تؤثر على جموع المصلين، وكذلك ـ عدم نقل الصلوات أو بثها في الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها ـ ، كما تضمن التوجيه التأكيد على المؤذنين بالالتزام بمواعيد الأذان حسب تقويم أم القرى، والتأكيد على وقت رفع أذان صلاة العلماء في الوقت المحدد في تقويم أم القرى لشهر رمضان، وأن تكون المدة بين الأذان والإقامه حسب الوقت المعتمد لكل صلاة، عدا صلاتي العشاء والفجر فتكون المدة خلال شهر رمضان (عشر قائق) تيسيرا على المصلين.
وأهابت ـ بمراعاة أئمة المساجد لأحوال الناس في مدة صلاة التراويح ـ ، وأن يكون الانتهاء من صلاة التهجد في العشر الاواخر من رمضان قبل أذان الفجر بمدة كافية، وكذلك أكدت الوزارة على الأئمة بالالتزام بالهدي النبوي في دعاء القنوت ـ والحرص على جوامع الدعاء وماصح من الأدعية المأثورة واجتناب السجع في الدعاء والتكلف بترتيله وترنيمه ـ ، وكذلك تم توجيه الأئمة بالاستمرار بقراءة الكتب المفيدة على جماعة المسجد عقب الصلوات المفروضة، لاسيما ما يتصل بأحكام الصيام وآدابه، وفضائل الشهر الكريم. والأحكام المتعلقة به، إلى جانب الموضوعات التي تلامس حاجة المجتمع.
وشددت الوزارة على الأئمة والمؤذنين بمختلف مناطق المملكة ـ بعدم جمع التبرعات المالية لمشروعات تفطير الصائمين ـ وغيرها، وألا تكون مشاريع التفطير داخل المساجد حرصا على نظافتها، فيهيأ المكان المناسب لذلك في ساحات المساجد مع عدم إحداث أي غرف مؤقتة أو خيام ونحوها لهذا الغرض، وأن يكون الإفطار تحت مسئولية الإمام والمؤذن، مع التزام من يقوم بالإفطار بتنظيف المكان بعد الانتهاء من الإفطار مباشرة.
كما شملت التوجيهات التأكيد على الأئمة والمؤذنين بمنع المتسولين من ممارسة التسول في المساجد والجوامع والساحات الخارجية المحيطة بهما، وتوعية المصلين بأضرار التسول الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وبيان محاذيره الشرعية، وحثهم على صرف صدقاتهم في أوجه البر والخير من خلال المنصات الرسمية الموثوقة، وكذلك التأكيد على ـ التقيد بضوابط الاعتكاف، وأن يكون إمام المسجد مسؤولا عن المعتكفين.
ارسال التعليق