طعنة في ثغر الحرية
بقلم: سلطان العبدلي...
يا لحسرتنا نحن العرب والمسلمون في ظل هذا التموُّج الهابط في عالم الحرية ، حيث العالم يتقدم وتتعالى فيه الثقة ويعلو صوت الحرية وتتمدد أنحاؤها ، ونحن لانتخلَّف عنه الأمم بل نتقهقر!
كلنا أحوال العالم الإسلامي وما يسمى بدول العالم الثالث أو الدول النامية أو النائمة، تتردَّى جيلا بعد جيل في ظل النهوض الديني؛ ولكن الإشكالية الكبرى والنفق الذي لانكاد ننعتق منه ذلك الاستبداد السياسي الرعيب ، فهو سبب ما حلَّ بنا منذ مئة سنة ، وما أجملنا حينما نرمي كوارثنا على غيرنا ونقذف الإتهامات على المحتل الغربي والدول (الاستعمارية) حسب الاصطلاح المعروف أنها سبب تخلفنا ونكوصنا عن منصة قيادة البشرية ، فهذه الأنظمة ما كان لها أنْ تكون ساعةً في سُدَّة الحكم لولا الشعوب الخانعة والبشر التي ذللها كل ما حولها من ثقافة الاستبداد والسمع والطاعة باسم الدين المزوَّر والحكايا المزيَّفة!
ولو أدركنا أن الإنسان هو غاية الكتب والرسل والأديان لعلمنا أن الهرولة في ركاب بنائه وصنعه على عين البصيرة والحرية ؛ من أوليات مايجب الإصرار عليه ؛ ولكن الأفكار التي تراجعنا بسببها كانت جزءاً من ثقافتنا فأعقبتْ مأساتنا وكارثتنا.
وبناء الإنسان هو الأصل ؛ وليست المباني والأبراج والحفلات والترفيه ما يبني الإنسان ويرقِّيه ويدفعه لعالم التطور المدني الحضاري كما تحاول الأنظمة العربية بل بعضها من أصحاب الزيت الأسود ن حيث استخدموه في تعذيب الشعوب وشراء ذمم كل من يلوِّح لهم بالاعتراض والنقد والمعارضة ، فضاعت قضيتنا الأساس ؛ وصرنا شعوباً لاعلاقة إلا بالحجر والمدر؛ ونسينا أن بناء الإنسان هو معقد الحياة ونقطة دائرتها، ورحم الله الشاعر إذْ قال:
فليس حضارةً زرعاً وصنعاً إذا لم تبن إنساناً رصينافمن ظنَّ الحضارة في المباني فقد ظنَّ الورى حجراً وطينا
ففي حملة اللهاث المحموم لولي العهد السعودي محمد بن سلمان حيث إشاعة مشاريع الترفيه والترويج للمشاريع الوهمية التي لم ينفذ منها مشروعاً يخدم الإنسان ، حاشا مشاريع بعثرة الأموال والمقدرات، هذا وكل جوقته الإعلامية تروج أن الحقوق – سيما حقوق المرأة – في النُظُم والأقضية تصطف في جانب المرأة ، هاهو النظام السعودي متمثلا في ولي عهده الملهم يصبِّحُنا بباقعة جديدة وكارثة مدوية وحكم من محاكمه التي يديرها عبر مستشاريه ، إذْ انشغلت الصحف وصُدمت الأوساط بما صدر تجاه الطبيبة طالبة الدكتوراة في جامعة ليدز في بريطانيا/ سلمى آل شهاب ؛ في حكم قضائي مهين لكل معايير جماعات حقوق الإنسان في العالم ، ذلك الحكم كان 34 عاماً بالسجن بسبب الجريمة الكبرى التي ارتكبتها تلك الشابة الواعية المثقفة ، وهي أنها دافعت عن معتقلات الرأي حيناً وأخرى كانت من الغيارى على القضية الفلسطينة قضية كل أحرار العالم ! ومع أن حسابها ليس من الحسابات المشهورة على منصة تويتر إلا أن فضيلة القاضي حكم عليها 6سنوات ثم جاء الاعتراض في بلد أُترع حرية وعناية بشؤون المرأة وحقوقها ليزيد الحكم إلى 34عاما!
عجيب مايجري في هذا البلد الذي أتاح لكل ماهو خارج عن قيم المجتمع نفسه وأجْهز على كل المعايير البشرية بالحد الأدنى ؛ فأبان عن وحشية الأحكام القضائية التي يزعمون أنها أحكاما (حسب الشريعة الإسلامية!) وأي شريعة تلك التي تقضي بالأحكام فوق الأحكام المؤبدة المقررة في محاكم العالم؟!
انبثق الحكم الصادر على تلك الطبيبة من نفسية الحكم المأزومة حيث يشعر ولي العهد أن كل همسة تُقِضُّ مضجعه وكل تغريدة خطر على تأسيس مملكته الجديدة الخاصة به ،في ظل الجو الإرهابي داخل البلاد؛ ومن هنا ومن منطلق آخر أنها امرأة مهيضة الجناح ؛ فهو يلمِّع نفسه أنه من سمح للنساء بممارسات الحرية في أبهى حللها حيث أذن لها بقيادة السيارة! لكنْ بفهمه للحرية التي تلقَّنها بمفاهيمه المنقوصة ، وشي ثالث لا نستطيع أنْ نخفيه حيث أنها من الطائفة الشيعية في الأحساء شرق الجزيرة العربية ، وهذا الحكم ليس إلا نذير رهيب لكل من تسوِّل له نفسه الكلام – حتى مجرد الكلام – أنْ يعترض لا بل أنْ يخالف توجهه (الميمون)!
ونحن والعالم يقف مندهشاً من تلك الرزيَّة الماحقة ؛ في الحكم على أمٍ طفلين وقد دمَّر مستقبلها المهني جرَّاء حروف سطرتها في تويتر! نقف على حافَّة هاويةٍ مآلها إيقاع البلاد على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في مؤخرة الركب الذي يتنادى فيه أحرار الدنيا بتقرير الحقوق الأساسية البعيدة عن الأهواء والتسييس والعنهجية والتفرُّد بالقرار .
هنا يجب أنْ نقف وقفة حازمة كل ما أُتينا من سُبُل وإمكانات لنصرتها ومن قبلها الطبيبة/ لينا الشريف ، التي اختطفتها أجهرة المخابرات السعودية التابعة للجهاز الخاص بولي العهد السعودي.
وحتى اليوم لم نعلم عن مصيرها شيئاً وقد غُيِّبَتْ في دهاليز المعتقلات التي لايشفع – ربما – لك فيها إلا أنْ تكون حاملاً الجنسية الأمريكية التي تأمر أمريكا بموجبها عبيدها وتطالبهم بإطلاق فلان وفلانة من حملة جنسيتها.
في مثل هذه الدهشة العمل بات أكثر إلحاحاً لنقول لكل الغيارى من شعبنا في الداخل والأحرار في الخارج أن القضية ليست قضة سلمي أو لينا ،بل قضية الالاف الذين تمَّ اعتقالهم دون مبرر شرعي أو حتى حسب قوانينهم الداخلية ، إباستثناء ما انفتقت عنه ذهنية ذاك الشاب (الملهم) بالإطاحة بكل المغردين والمغردات ومن يجرؤ على أنْ ينبس ببنت شفة يقرع بها بطش النظام.
تخيلوا معي أن الطبيبة / سلمى آل شهاب عمرها 34 عاما وسستقضي في السجن –لاقدر الله- 34 عاما ثم تُمنع من السفر 34 عاما أخرى !!!
صحيح أنها صدرت أيام المخلوع محمد بن نايف ولي العهد – المعلَّق من كاحليه - وزير الداخلية الأسبق لحكم الأعلى على الشريف الدكتور سعود مختار الهاشمي 30عاما مع المنع بعد خروجه 30 عاما ، لكن 34 عاما لهذه الطبيبة التي رجعت البلاد بمحض رغبتها في زيارة مطلع العام الفائت 2021 فهذه من العجائب ، ولاغرو فنحن في عالم الغرائب التي لاتنقضي!
هذا النظام وأشباهه من الأنظمة لا يعيش في القرن الواحد والعشرين ، بل يرزح في نير العصور الظلامية التي تمجد الطاغية وتجعله إلها مربوباً!
وآن له ولغيره أنْ يسمع قولاً ثقيلاً:
ولمّا يكبرُ الولدُ وعَيْرُ الحي والوتدُوأبناء الدُّمى صارت "شيوخاً"جلدُها مَسَدُفَكَبِّر في الورى عشْراً وقل ياموت: هل تَرِدُ
أخيرا: لاننسى أن العُقَد من المتعلمين والنابهين تلعب دوراً في قرارات المستبدين غَيْرة مما حازه أولئك الذين حازوا الشهادات وهو لم يزل لم يحصِّل شيئاً كأضرابه دع عنك أبناء البلاد المرموقين..
ولكنْ أنْ يكون الانتقام بهكذا طريقة؟! فتلك الأقبوحة تَنِمُّ عن عُقْدَةٍ لايُرْجى برؤها ؛ وداهية ليس لها من الله والشعب كاشفة.
ستلقوْنَ ياقومي جزاءَ سكوتكم عن الظلم ، إن السيف بالسيف يُقْرَعُ
ارسال التعليق