على خطى القطيف.. سياسة التقسيم تطال جزيرة تاروت
حرب على الهوية التاريخية يستمر النظام السعودي في شنّها على أهالي جزيرة التاروت. وفي جديد الإجراءات، استحداث السلطات عبر "أمانة الشرقية" مؤسسة ما سمّي "تطوير جزيرة دارين وتاروت"، عملا بسياسة التقسيم والفرز وتفتيت الروابط التاريخية بين البلدات والمدن بين التي طبقها النظام السعودي الأحساء والقطيف منذ العقود الأولى لاحتلاله المنطقة.
كشفت التسمية عن قرار السلطات القاضي بالـ"تطوير"، وهو العنوان الذي يتلطى خلفه أزلام ابن سلمان في سعيهم لتغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة، والقضاء على تاريخها وارثها الثقافي والحضاري والتاريخي. وكشف لسان نائب أمير الشرقية، محمد بن فهد، عن خطة انتزاع مساحات من الجزيرة بدأت أوَّلها باستهداف منطقة تركية الصناعية، وإصدار قرار نقل الأنشطة الصناعية خارج الجزيرة، مِمّا يعني إزالة المنطقة كلها دونما الالتفات إلى الخسائر والأضرار المترتبة على أصحاب المصانع أو التعويض عليهم، أو حتى منحهم فرصة إيجاد البديل لاستمرار أعمالهم.
وليس استحداث ما سمي “مؤسسة تطوير دارين وتاروت” إلّا خطوة من خطوات السعودية نحو استهداف الإرث التاريخي للمنطقة وأهلها.
يذكر أنه في العام 2020، جمعت السلطة أدواتها للردم والهدم، واتجهت نحو حي البدراني الذي يضم محال متخصصة بمواد البناء من الرمل والإسمنت، وشرعت بتدمير المحال أمام أعين أصحابها تحت ذريعة معتادة ومتواصلة “المخالفة” و”إعادة التأهيل”، التي لا حقيقة لهما على أرض الواقع، ولا تشكل الخطوة سوى اعتداء على الأهالي وحرمانهم من الحصول على مستلزماتها بأسعار مقبولة، وسط عدم تحريك السلطة ساكنا لتأمين بدائل للعمل أو التعويض على أصحاب المحال المالكين والعاملين، فقط الذي بادرت نحوه السلطة كان تحويل مشهد حي البدراني بمحاله التجارية إلى ركام متجمع على الأرض.
وبطبيعة الحال، امتنعت السلطات عن توفير محلات بديلة لأصحاب المنشآت المتضررة ما أدى إلى حرمان الأسر من مصدر رزقها وتأمين لقمة العيش. أتت هذه الإجراءات بالتزامن مع اشتداد تداعيات وباء كورونا والتي طالت حي البدراني، وهو موقع يضم العديد من المستودعات للمواد الصحية والمحلات التي تبيع الخردة وتشتري الخردة وتختص بمواد البناء، هدمت البلدوزرات وآلية الهدم التابعة لبلدية القطيف عدد من محلات الأخشاب في القطيف، ودمرت مخزون التجار من الأخشاب، وهذه العملية الانتقامية لم يكن لها مبرر ولا مسوغ قانوني أو أخلاقي أو إداري، لأن الادعاءات والمزاعم لتبرير الجريمة هي عينها، إذ تقف السلطة خلف ادعاءات العمران والمخالفات، وهذا العمران الذي يغيب بكل تفاصيله عن المنطقة.
وقد سبق وأن استهدفت البلدية هدم “سوق النفع” منذ عام 2018، بحجة إعادة هيكلة وتأهيل المنطقة، غير أن المشروع تعثر عام 2019 وعلق العمل فيه، على الرغم من مزاعم السلطة بتحديد مهلة 18 شهرا لإنجازه كسوق متكامل.
وفي السياق نفسه، بشَّر مهندس تدمير “حي المسوَّرة” التاريخي بزعم إعادة بنائه على الطراز الحديث، أهالي جزيرة تاروت بأن “حي الديرة” لديهم على موعد مع مخطط هدم بزعم صيانة “قلعة تاروت” الأثرية، أما حجته فتمثلت بأن المنازل التي بنيت منذ ما يفوق 300 عام “تحجب الرؤية عن القلعة”، وبالتالي “لا بد من إزالتها وإخراجها من كامل المشهد”.
قلعة تاروت بناها العيونيون قبل ألف عام على أنقاض هيكل عشتروت، رمز الحب والجمال عند الفينيقيين، الذين سكنوا المنطقة قبل 7 آلاف عام. والقلعة بشكلها الحالي، بناها ورممها البرتغاليون الذين غزوا الخليج قبل خمسة قرون واحتلوه قرابة 150 عاماً قبل أن يطردهم العثمانيون. ومنذ نشوء المملكة السعودية، تُركت القلعة وأُهمِلت، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من تردٍ في بنيانها، وهو أمر تبدو الرياض عازمة على استغلاله لتدمير منازل “حي الديرة” وتشريد أهله.
يثير مخطط الرياض المزعوم الخشية لدى أبناء جزيرة تاروت، خاصة وأن أهالي المنطقة الشرقية الذين لم يحصدوا إلا الخيبة من وعود النظام السعودي، لا يزالون بانتظار تنفيذ الرياض لمشاريع عمرانية كانت قد تعهدت بها منذ سنوات دمرت بسببها قلعة القطيف الأثرية، وبعدما كانت صرحاً ثقافياً واثرياً غنياً، أحالها النظام السعودي إلى ساحة فارغة تفتقد لمظاهر الحياة.
مسلسل الهدم والتهجير طال في 11 مايو/ أيار 2019 بلدة السنابس بجزيرة تاروت، حيث اقتحمت قوات الأمن الهاصة البلدة وقتلت ثمانية من أبنائها، ثم عمدت إلى هدم 3 منازل وتجريفها بعد إخراج الأهالي منها عنوة وتركهم في العراء، لتتعرّض المنطقة إلى حجم هائل من الدمار نتيجة القذائف الصاروخية والقنابل التي استهدفت منازل المدنيين العزّل.
تعتبر جزيرة تاروت من أهم الثغور البحرية لبلاد القطيف فكانت في العهود القديمة ذات ميناء ترسو فيه السفن القادمة من موانئ الخليج ومن بحر العرب ومن موانئ الهند، وتاروت هي المدينة الأم التي سميت الجزيرة بها وهي تتمركز في جزيرة تاروت يحيط بها القرى الصغيرة التي تتبعها وهي تعرف اليوم بالديرة حيث انها المركز الاساسي للقرى التي استحدثت في فترات متفاوتة وقد كان للديرة سور يحيط بها ويصد هجمات المعتدين عنها ويحد الديرة من جهة الغرب حصن تاروت والذي هو يعتبر الحصن الحصين في هذه الجزيرة وكان به اربعة ابراج ويقع على ربوة عالية تعتبر ارفع مكان في الجزيرة وللشمال منه يوجد عين تاروت الذي يعرف بالحمام وينبوعه بالعين وتسمى عين العودة حيث كانت المورد المائي الوحيد سابقاً لجهة الجنوب، والجدير ذكره ان في بلدة تاروت نخل كثير يقدر بخمسين الف نخلة.
وفي القرون الوسطى اشتهرت هذه الجزيرة بكثرة ما كان فيها من المسك والافاويه وكان السمك هو الغذاء الرئيسي للاقوام التي عاشت منذ الايام القديمة على شواطئ الخليج.
ارسال التعليق