عودة العلاقات السعودية السورية: ماذا عن الخلفيات
أعلنت "السعودية" عن عودة علاقاتها الرسمية مع سوريا في تشرين الأول الماضي؛ بعد انقطاع دام قرابة الـ12 عاماً، عملت فيها السعودية بالمال والسياسة على إقصاء حكم الأسد عن سوريا أملاً منها بتفكيك الروابط بين أطراف محور الإيراني. فشلت هي وكل من راهن على سقوط النظام السوري، بعد أن عملوا على تدمير اقتصاد البلد وبنيته التحتية وتهجير أهله؛ فعادوا للرضوخ أمام الأمر الواقع.
بعد انقطاع دام أكثر من قرن، أعلنت "السعودية" افتتاح سفارتها في دمشق وتعيين فيصل المجفل سفيرا لها، ووفقا لوكالة الأنباء السعودية (واس) فقد أعرب المجفل عن سعيه إلى "خدمة مصالح المملكة وتوطيد أواصر العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين".
بعد سنين جحاف من أية انجازات للسعودية على الصعيد الخارجي، وبعد الفشل الذريع في تحقيق الأهداف "الاستراتيجية" التي بُنيت عليها الحروب على كل من صنعاء ودمشق، سوى ما خلفته من دمار وخسائر بشرية، عادت السعودية إلى مربع "السعودية أولا" بعد تيقّنها من أن عدوها الأول إيران وكل حلفائها في المنطقة ليسوا بحالة عابرة يمكن الإسراع في القضاء عليها بل هي أمر واقع أفرزته حالة الوعي بأن أميركا وكيان الإحتلال الإسرائيلي قوى لا بد من التصدي لها عبر حلف مشابه يكون عابرا للحدود صاحب رؤية موحّدة من أميركا وكل أذنابها في المنطقة.
عمل "النظام" السعودي على إعادة إخماد نيران الحروب التي أوقدها وغذّاها بوقود عشرات مليارات الدولارات التي لم يحصد منها سوى "أنصار الله" أقوى يحسب له الأميركي حساباً، وحكم في سوريا أكثر ثباتاً وأكثر التصاقاً بقطب طهران التي كانت الوحيدة إلى جانبه في الحرب الكونية عليه.
إعادة تطبيع العلاقات السعودية- السورية يقع ضمن سياق محاولة الأولى ترميم كل علاقاتها الخارجية التي انتكست بعد عهد التبعية العمياء للإدارة الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الذي غطّى على تهوّرات الدبلوماسية السعودية مع جيرانها من قطر إلى اليمن وتركيا فإيران.
ولعلّ الخطوة السعودية تجاه دمشق أتت في إحدى دوافعها محاولةً لاحتواء نفوذ طهران واجتذاب الطرف السوري بعيدا عن العلاقات الوثيقة مع طهران كنوع من أنواع تنويع الخيارات العربية أمامه.
وخلال العام الماضي عندما عادت دمشق إلى جامعة الدول العربية كان بمثابة اعتراف دبلوماسي سعودي وخليجي بالفشل. وفي 18 فبراير من العام الماضي خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أنه لم يعد هناك أي طريق واضح لإزاحة الأسد، كما صرّح حينها: “لدينا جميعًا سياسات، لكن ليس لدينا أي استراتيجية لتنفيذ تلك السياسة”، وتابع “لا نملك جميعا طريقا نحو تحقيق الأهداف القصوى التي لدينا.”
عودة التقارب السوري إلى سابق عهده، أثار حفيظة كيان الاحتلال الإسرائيلي وهو ما يؤكد على أن إسقاط نظام سوريا غير الخاضع للإرادة الأميركية كان هدفا يصبّ في مصلحة إسرائيل عبر دعم قوي من الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية. فعلى خلفية الحديث عن عودة سوريا للجامعة العربية، أُثيرت حفيظة إسرائيل التي رأت في الأمر تطوّرا سيّءاً على المديين القصير والمتوسط، لأن عودة الأسد الى العالم العربي يُخرجه من عزلته، ويحوّل كل هجوم إسرائيلي عليه إلى أمر أقل شعبية. حيث أن إسرائيل تخسر “الشرعية” لأن كل العالم العربي الآن، إذا جاز التعبير، سيقف الى جانب الأسد”.
وقد أُضيف انضمام سوريا الى الجامعة العربية الى تطورات مُقلقة بالنسبة “إسرائيل” في المنطقة، بينها استئناف العلاقات السعودية الإيرانية والتقارب بين تركيا وسورية. لكن وفقا لمصادر إعلامية عبرية فإن العدو “نقل رسائل واضحة الى المجتمع الدولي بأن حقيقة عودة سوريا لتكون شرعية وسط العالم العربي لن يمنعه من المهاجمة”، ونقلت المصادر عينها عن مسؤول صهيوني كبير قوله إن “هذا لن يؤثّر على نشاطات “إسرائيل” في المعركة بين الحروب”.
وسبق أن وصفت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الصهيونية أن عودة الأسد إلى العالم العربي اعترافٌ بانتصاره الفعلي في الحرب، وهو إنجاز سجّله بفضل المساعدة المكثفة التي تلقاها منذ منتصف العقد الماضي من روسيا وإيران وحزب الله.
ارسال التعليق