في البلد الأكثر قمعاً للصحافة.. منتدى يناقش أهمية الإعلام وسُبُل تطويره
في ظل رقابةٍ خانقةٍ وتقييد مُحكَمٍ على الصحافة ووسائل الإعلام، ينطلق اليوم في الرياض “المنتدى السعودي للإعلام”.
يبدو الخبر عنواناً ضمن مقالٍ ساخر. لكنّ الحقيقة أنّ الخبر صحيح، والمنتدى قد انطلق بالفعل، ومحاوره التي تناقش “الإعلام في ظلّ عالمٍ يتشكّل” قد تحدّدت.
لكن ثمة سؤالٌ ملحٌّ عن الإعلام في ظلّ دولة ديكتاتورية مستبدةّ، كيف يكون؟
لعلّ النهج المفروض على وسائل الإعلام في السعودية، هو خير جوابٍ على السؤال أعلاه. إنه الإعلام الناطق باسم السلطة، تحرّكه السلطة بحسب أهوائها وتملي عليه ما يقول وما لا يقول.
في السعودية، تُجبَر وسائل الإعلام على اتباع الخط الحكومي الذي ترسمه وكالة الأنباء الرسمية، وتخضع لرقابة متشدّدة من قبل وزارة الإعلام، كما تعمل السلطات على حجب الإنترنت وزيادة المراقبة من خلال برامج التجسس عالية التقنية.
تعدّ السعودية من الدول الخمس التي تسجّل أعلى عددٍ من الصحافيين المعتقلين، فهي حتّى أوائل العام السابق كانت قد اعتقلت 31 صحافيًا. وبحسب أحد تقارير منظمة “مراسلون بلا حدود” عن حرية الصحافة صُنّفت السعودية ضمن آخر عشر دول من أصل 180 دولة. كما جاءت السعودية، ضمن أكثر ثلاث دول عربية قمعاً لحرية الصحافة.
وفي الوقت الذي يُعقَد فيه في الرياض منتدى يتناول شؤون الإعلام وأهميته وتطويره، لا تزال أصداء جريمة قتل الصحافي جمال الخاشقجي في اسطنبول تدوّي، ولم تهدأ القضية على الرغم من مرور خمس سنوات، لأن الجريمة أفظع من أن تُطوى بمرور الأيام. النظام السعودي حاول التملّص من المسؤولية، لكن التحقيقات كشفت بدون تأخر، تورّط السلطات السعودية ومحمد بن سلمان تحديداً بعملية تصفية الخاشقجي، الذي عُرف بآرائه المعارضة لسياسة النظام السعودي وأداء بن سلمان.
ومع مزاعم السعودية، وادّعائها احترام الإعلام ومساحة الإعلاميين، تعود إلى الأذهان الأزمة التي افتعلتها السلطات السعودية مع لبنان، إثر تصريحات للإعلامي جورج قرداحي، اعتبرتها السلطات “مسيئة”. استدعت حينها وزارة الخارجية السعودية السفير اللبناني وسلّمته مذكرة احتجاج، ثم طلبت منه مغادرة البلاد خلال 48 ساعة، واستدعت سفيرها في لبنان، واتخذت قرار قطع العلاقات السعودية ـ اللبنانية.
كلام قرداحي، الذي كان وزيراً للإعلام في ذلك الوقت، كان قد قاله قبل أشهرٍ من الأزمة تلك، ولم يكن وزيراً حينها، أي أنه كان إعلامياً يبدي رأيه الخاص والحر، ومع ذلك، افتعلت السلطات السعودية أزمة دبلوماسية كبيرة إثر ذلك التصريح، متجاهلةً حق الإعلام والإعلاميين بالتعبير عن أرائهم وتوجهاتهم الخاصة.
الإعلامية غادة عويس هي الأخرى لها قصة مع اعتداء السلطات السعودية على الإعلاميين والحرية الإعلامية، فهي تعرّضت لاختراق هاتفها الخاص، وقام المخترقون بسرقة صور خاصة لها، والتلاعب بالصور بشكلٍ لاأخلاقي ثم نشرها، كما تعرّضت للتهديد والتخويف نتيجة آرائها المعارِضة للسلطات السعودية وسياساتها. وقد رفعت عويس دعوى قضائية ضد محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ومحمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، وعدد من المسؤولين الآخرين بتهمة استهدافها في عملية اختراق وتسريب، وتهديد حياتها.
خلف قضبان السجون السعودية أيضاً صحافيون اعتُقلوا بسبب آرائهم وممارستهم حقهم بالتعبير، منهم الصحافيتان زانة الشهري ومها الرفيدي، وزانة كان قد تم القبض عليها خلال موجة اعتقالات طالت صحافيين ومدوّنين وكتاب في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ومها أيضاً كانت من ضمن الصحافيين الذين طالتهم حملة الاعتقالات، وقد اعتُقلت على ما يبدو بسبب تغريدات عبّرت فيها عن دعمها لحقوق الإنسان، وطالبت عبرها بالإفراج عن معتقلي الرأي.
وليد الهويريني، صحافي وأستاذ جامعي ترفض السلطات إطلاق سراحه على الرغم من انتهاء مدة محكوميته، وهو كان قد اعتُقل عام 2017 وحُكم بالسجن لخمس سنوات.
ويقبع في السجن تعسفياً أيضاً، الصحافي سامي الثبيتي، وهو رئيس قسم الرصد والمتابعة في صحيفة تواصل الإلكترونية، اعتُقل بلا تهمة عام 2017.
انتهاك السلطات السعودية لحريات الصحافة لا يتوقّف على الصحافيين المحليين، فسياسة القمع التي تنتهجها طالت الصحافي الأردني عبدالرحمن فرحانة (62 عاماً)، الذي اعتُقل عام 2019 وواجه ظروف اعتقالٍ صعبة جداً، كاحتجازه في الحبس الانفرادي لأشهر وحرمانه من تناول أدوية علاج ضغط الدم والسكري ونقص تروية الدماغ. كما حُرمت عائلته من الحصول على أية معلوماتٍ عنه. في أغسطس/آب 2021 مثل فرحانة أمام المحكمة الجزائية المختصصة للمرة الأولى، وقد حكمت بسجنه 19 عاماً.
وثمة بعد الكثير من القصص والحوادث التي تُظهر حجم القمع الذي تمارسه السلطات السعودية على الإعلام، والانتهاكات التي تمارسها بحق الصحافيين والإعلاميين، من المضايقات والتهديدات، مروراً بالاعتقال التعسفي وصولاً إلى القتل.
ليس هذا المنتدى الذي تنظّمه السعودية سوى محاولة تُضاف إلى محاولات تبييض صورتها وغسل سمعتها، فبعد استغلالها للرياضة والفن والثقافة، ها هو الإعلام وسيلتها الجديدة. وقد لا يكون الأخيرة.
ارسال التعليق