قانون مكافحة جرائم المعلوماتية قمع وانتهاك لحرية التعبير
في عام 2007، صدر مرسوم ملكي بشأن جرائم المعلوماتية في السعودية تضمن 16 مادة، وليست المشكلة في النصوص الموجود في ذلك المرسوم؛ ولكن في تفسيرها!
فالكثير من القضاة يتخذون من هذا المرسوم حجة لأحكام لهم تنتقص من حرية التعبير، وتفرض قيودا مشددة عليها من خلال مواقع التواصل، في ظل عبارات ومصطلحات مطاطة، يبدو أنها قد وضعت عن عمد، ليظل القانون أداة في يد السلطة التنفيذية السعودية، المسيطرة بالطبع على السلطة القضائية واقعًا، لكي ينكل بمعارضيه وكل من ينتقده من خلال مواقع التواصل والمواقع الإلكترونية.
منع وغرامة وحبس:
لم يكتف المرسوم الملكي فقط بفرض غرامات على من خرق أحد بنوده، ولكن فرض الحبس عليه، وجاء هذا في المادة الثالثة منه، والتي تنص على: “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كلُّ شخص يرتكب أيًا من الجرائم المعلوماتية الآتية..”، وكذلك في المادة الرابعة: “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مليوني ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يرتكب أيًا من الجرائم المعلوماتية الآتية..”، كذلك في المواد الخامسة، والسادسة، والسابعة.
أضف لذلك الكلمات والاتهامات المطاطية التي من الممكن استغلالها لقمع السلطة التنفيذية لأي رأي مخالف لها، كما هو الحال الآن.
ففي المادة السادسة التي نصت على: “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخص يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية الآتية: إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، او القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي”.
والناظر إلى نص المادة يجدها تشتمل على مبادئ عامة قد تخضع لوجهة نظر القاضي، وهو ما يفقد النص القانوني إلزاميته ويبقيه تحت تصرف القاضي وتوجهاته وأهوائه، فما تعريف “الآداب العامة” أو “القيم الدينية” أو “حرمة الحياة الخاصة”، فهل انتقاد مسؤول يخضع لحرمة الحياة الخاصة؟!
ومؤخرًا، استخدمت المحكمة الجزائية المتخصصة القانون لحبس مواطن انتقد مسؤولا عبر مواقع التواصل، وقامت بحبسه لمدة 4 شهور!
كذلك في المادة السابعة، والتي تنص على: “يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخص يرتكب أيًّا من الجرائم المعلوماتية الآتية: إنشاء موقع لمنظمات إرهابية على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره؛ لتسهيل الاتصال بقيادات تلك المنظمات، أو أي من أعضائها أو ترويج أفكارها أو تمويلها، أو نشر كيفية تصنيع الأجهزة الحارقة، أو المتفجرات، أو أي أداة تستخدم في الأعمال الإرهابية”.
فلم يعرف المشرع المنظمة الإرهابية، أو مفهوم الإرهاب، ما يخضع العديد من المعارضين لنص تلك المادة بحسب أهواء السلطة التنفيذية، ويتسبب في قمع الأفواه المعارضة وإدراجهم وآراءهم ضمن المنظمات الإرهابية!
سوابق لم تنته:
تسبب الاستخدام السيئ والتفسيرات التي تخضع لأهواء السلطة التنفيذية بالمملكة لنصوص القانون سيئ الصيت ذلك، إلى العديد من سوابق السجن أو المنع لكثير من المواد الموجودة على مواقع إلكترونية أو مواقع التواصل لمجرد معارضتها للنظام.
مثل ما حدث في يناير 2019، حيث قامت السلطات السعودية بالاعتراض على محتوى في موقع “نتفليكس”، يشمل كوميديا معروفا من الولايات المتحدة الأمريكية مسلما من أصول هندية له برنامج ساخر تحت عنوان “باتريوت آكت (Patriot Act)” ينتقد فيه الحياة السياسية لبعض الدول منها السعودية.
دار البرنامج عمومًا حول حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث انتقد الكوميدي حسن منهاج ولي العهد، محمد بن سلمان، حول ما حدث داخل القنصلية في إسطنبول، وتم نشر الحلقة في 28 أكتوبر، 2018.
وفقاً لتصريح أدلت به شركة نتفليكس؛ فإن سحب هذه الحلقة كان ملزمًا نظراً لانتهاكه الفصل 6 من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية في السعودية لسنة 2007، والتي تنص على أنّ “أي إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي” يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بخطية مالية ويمكن أن تصل إلى السجن.
كما يمكن لهذه الحادثة أن يتم إدراجها إلى نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله حيث ينص الفصل 30 على أن “كل مَن وصف – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – الملك أو ولي العهد بأي وصف يطعن في الدين أو العدالة” هو كمَن يرتكب عملاً إرهابياً عقوبته السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
وأدلت وفاء بن حسين، مديرة فرع أكساس ناو لشمال إفريقيا والشرق الأوسط أن”سحب هذه الحلقة من نتفليكس هو أمر مسيء للمشاهدين السعوديين فهو انتهاك مباشر لحرية التعبير. كما أنه تضييق على ما يحصل عليه السعوديين من محتوى على الإنترنت. و طلب الحكومة السعودية فرض رقابة على الحلقة وامتثال نتفليكس لن يؤدي إلا إلى جعل مشاهدة الحلقة أكثر شعبية.“
كذلك ما تداولته مواقع سعودية مقربة من الديوان الملكي، حول أن عقوبة حذف عضو من جروب “واتساب” إذا تقدم بشكوى للجهة المختصة، تنص على السجن سنة، وبغرامة 500 ألف ريال إذا أثبت تضرره منه.
وأشار أحد القانونين السعوديين على ذلك، وهو المستشار القانون “أحمد عجب” في تصريح لصحيفة “المرصد”، إلى أن “المادة 3 فقرة 5 نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية تقضي بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يرتكب أيًا من الجرائم المعلوماتية الآتية: التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة”.
وأوضح “عجب” -بحسب “مكة”-: أن “الضرر الذي قد يلحق العضو المحذوف في (واتساب)؛ غالبًا ما يكون ضررًا معنويًا وأدبيًا يقلل من قدره ويحط من مكانته، بخلاف كونه نوعًا من الازدراء لشخصه”.
وأضاف المستشار القانوني: أن الضرر “قد يتعدى ذلك بتجنب الغير له أو إساءة سمعته، خاصة مع بلوغ عدد بعض القروبات عشرات الأعضاء، لهذا الحذر واجب والصلح خير”.
كل ذلك يؤدي بنا إلى نتيجة واحدة، هو أن القوانين المطاطة هذه العبرة فيها بتفسيرها وتنفيذها لا بنصوصها، فمهما كانت النصوص منمقة وعادلة، يأتي تفسيرها وفقًا للأهواء وتنفيذها من عدمه ليعطي لتلك القوانين قوتها وقدرتها على إحقاق العدل وسط أفراد المجتمع، وبالطبع في عهد “ابن سلمان” النتيجة معروفة، فلا مكان للقوانين، وحتى وإن نفذت تكون على هوى السلطة التنفيذية.
ارسال التعليق