كابوس كورونا يدمر قطاع الطاقة في دول الخليج
تسبب فيروس "كورونا" المستجد في حالة من الذعر الشديد؛ بسبب كونه وباءً محتملا في جميع أنحاء العالم منذ ظهوره في الصين في ديسمبر/كانون الأول 2019. وحتى الآن، قتل أكثر من 4 آلاف و260 في جميع أنحاء العالم وأصاب أكثر من 118 ألفا في 115 دولة.
لا تزال آثاره على صحة الاقتصاد العالمي خطيرة أيضا. وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الفيروس لديه القدرة على خفض النمو الاقتصادي العالمي إلى النصف من 2.4% إلى 1.5% إذا أصبح وباءً عالميا وظل نشطا لعدة أشهر. قد يكون التباطؤ الاقتصادي هو الأسوأ منذ الأزمة المصرفية عام 2008.
لا يزال الأعضاء المصدرين للنفط في مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم البحرين وسلطنة عمان والكويت والسعودية وقطر والإمارات، من أكثر الدول عرضة لخطر انتشار الفيروس. بينما تحاول دول مجلس التعاون الخليجي الهدوء، تبدو النظرة الاقتصادية لدولها الأعضاء أكثر كآبة كل يوم. يتوقع الاقتصاديون انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في حدود 0.5% إلى 1.2% بسبب ضعف الطلب العالمي السريع على النقل والشحن والتصنيع والسفر.
لقد أدى الفيروس إلى توقف صناعات بأكملها والطلب على الوقود، خاصة في الصين، بين عشية وضحاها حيث تم الغاء السفر إلى النقاط الساخنة للفيروس، وتم إلغاء العطلات والمؤتمرات الدولية، وتعطلت سلاسل الإمداد. وقد كان مستبعدا أن ينخفض استهلاك النفط الخام العالمي بشكل كبير خلال هذه الفترة القصيرة من الزمن. حتى الآن، كان التأثير على المنتجين الرئيسيين للنفط في الشرق الأوسط كبيرا.
أدى انخفاض الطلب على النفط الخام إلى انخفاض الأسعار عبر أهم معايير النفط العالمية. إذ انخفض إلى نحو 35 دولارا للبرميل في 10 مارس/آذار، في أكبر انخفاض لأسعار الخام انخفض منذ حرب الخليج عام 1991.
وفقًا لتوقعات "جولدمان ساكس"، سينخفض الطلب على النفط من 1.2 مليون برميل يوميا إلى 600 ألف برميل يوميا.
في مواجهة هذا الواقع، تتعرض منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) لضغوط لخفض إنتاج النفط لتحقيق التوازن في السوق. سيصل الأمر "بأوبك"، التي تكافح بالفعل لتعزيز أسعار النفط البطيئة على مدى السنوات الست الماضية، إلى خفض عائدات الدول المصدرة للنفط التي تعتمد بشدة على أسعار النفط المرتفعة، والتي بدورها ستزيد من العجز المالي بشكل كبير وتجهد اقتصادات بعض دول مجلس التعاون الخليجي، مثل عمان والبحرين.
تعتبر عمان، على وجه الخصوص، في وضع محفوف بالمخاطر. إنها تبيع تقريبا كل نفطها الخام إلى الصين مقارنة بنظيراتها في الشرق الأوسط؛ حيث تصدر السعودية 17% والعراق 23% من نفطهم إلى الصين. ورغم أن هذه الدولة الخليجية الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، لم تشعر بعد بالشلل الناجم عن انخفاض الطلب الصيني على النفط الخام، إلا أن تباطؤ الطلب المطول سيكون مؤلما لسلطنة عمان.
ستضطر عمان، المثقلة بالديون الضخمة والاقتراض المستمر لموازنة العجز العام المتزايد، إلى تطبيق تدابير التقشف الاقتصادي وإعادة هيكلة اقتصادها، إذا ظلت أسعار النفط منخفضة. يعتبر "كورونا" هو أول تحد كبير يواجه السلطان "هيثم بن طارق آل سعيد". وكان السلطان "هيثم" تعهد بخفض الدين العام وتنويع الاقتصاد لدرء دوامة الهبوط.
ورغم نمو القطاع غير النفطي في البحرين بالفعل بنسبة 2.7% هذا العام، فإن صادرات النفط لا تزال تمثل 70% من إيراداتها الوطنية. على غرار عُمان، أدى ارتفاع أسعار النفط على مدار الأعوام الستة الماضية إلى تضخم الدين العام في البحرين، والذي يمثل الآن أكثر من 90% من ناتجها الاقتصادي السنوي. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، توقع صندوق النقد الدولي أن البحرين ستحتاج إلى سعر التعادل (أي عندما تكون النفقات مساوية للإيرادات في الميزانية) بحوالي 92 دولارا للبرميل من النفط، في حين أن عمان ستحتاج إلى 88 دولارا للبرميل، لتحقيق التوازن في ميزانياتها الوطنية. في ظل البيئة الحالية المنخفضة السعر، فإن هذين البلدين معرضان لخطر الانكماش الاقتصادي.
لا بد أن تشعر السعودية بالمعاناة في الوقت الذي تواصل فيه الكفاح لزيادة ميزانيتها. تعد إيرادات قطاع النفط السعودي أمرا ضروريا لتنفيذ إصلاحات رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتحسين الخدمات الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والسياحة والبنية التحتية، إضافة إلى تقليل الاعتماد على مبيعات النفط. ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي لهذا العام، تحتاج السعودية إلى سعر نفط قدره 83 دولارا للبرميل لمعادلة ميزانيتها.
قد يجبر الانهيار العالمي الأخير للطلب على النفط الخام بسبب فيروس "كورونا" الجديد السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي و"أوبك" على مواصلة خفض إنتاج النفط أو مواجهة انخفاض سعر النفط إلى أقل من 30 دولارًا للبرميل. سيكون مثل هذا الانخفاض الحاد في أسعار النفط مدمرا لهذه الاقتصادات. ويزيد من المعضلة، رفض روسيا في الاجتماع الأخير لـ"أوبك+" في فيينا خفضا إضافيا في إنتاج النفط بحجم 1.5 مليون برميل يوميا. بعد انهاء الاجتماع دون أي صفقة، شهدت "أوبك" أسوأ انهيار لأسعار النفط منذ عقود، خاصة بعد أن أعلنت السعودية أنها ستزيد إنتاجها من النفط وتقدم خصومات كبيرة على نفطها.
من المتوقع أن يضر "كورونا" بصناعة السياحة النابضة بالحياة في دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث أفادت التقارير أن ما مجموعه 1.4 مليون مواطن صيني زاروا دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2018. ومع ذلك، فإن عدد الزوار قد يكون أقل بكثير هذا العام؛ مما سيؤثر على إيرادات قطاع السياحة خاصة؛ حيث يتم فرض قيود جديدة على المسافرين من المزيد من الدول إلى الحد من التعرض للفيروس. نظرا لأن الإمارات تستقبل أكبر عدد من المواطنين الصينيين الذين يزورون البلاد ويتسوقون ويمتلكون العقارات ويمرون عبر مطاراتها، مقارنة بباقي دول مجلس التعاون الخليجي، فمن المؤكد أنها ستشعر بالخسارة الاقتصادية بسبب ضعف أرقام السياحة.
لا شك أن تأثير انخفاض أسعار النفط سيكون مؤلما لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي هذا العام. لكن من المتوقع أن تعود الأسعار إلى الارتفاع بمجرد ارتفاع الطلب العالمي على النفط، خاصة في آسيا. ستتعافى الأسعار في نهاية المطاف؛ حيث من المحتمل أن تنخفض معدلات الإصابات الفيروسية مع ارتفاع درجات الحرارة، كما كان الحال مع الفيروسات الأخرى في الماضي، ونأمل أن يكون ذلك أفضل مع اكتشاف تطوير لقاح جديد.
ارسال التعليق