كوشنر يكشف عن منح ابني زايد وسلمان هدايا لا مثيل لها
مذكرات جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ما زال يعلو صداها مع مكاشفات صادمة تتعلق بالزعماء العرب، وكواليس لقاءاتهم بتلك الإدارة.
وفي 28 أغسطس/آب 2022، كشف كوشنر جزءا جديدا يتطرق لمواقف وكلمات “لن ينساها” من رئيس النظام الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان (كان وقتها وليا لعهد أبوظبي)، ضمن ما جاء في مذكرات بعنوان “Breaking History”.
لكن ما بين سطورها كان أخطر كثيرا مما أفاد به صهر ترامب، إذ تعلق الأمر بعلاقة ابن زايد بإسرائيل، ورؤيته لطبيعة التحالف بينهما.
وفي سياق آخر كانت الاجتماعات المغلقة داخل قصور الأمراء العرب، تحديدا في أبوظبي والرياض، تكشف كيفية تفكير ورؤية صناع القرار لكثير من القرارات والمراجعات في بلادهم.
الولاء والعداء:
وأورد كوشنر: “قبل مغادرتنا، أدلى محمد بن زايد بتعليق آخر، قال إن الولايات المتحدة عادة ما ترسل ثلاثة أنواع من الأشخاص لممارسة الدبلوماسية”.
وأوضح نقلا عن ابن زايد: “الأول هم الأشخاص الذين ينامون في الاجتماعات، والثاني هم الأشخاص الذين قرأوا نقاط الحديث مع عدم القدرة على التحدث، والثالث هم أناس جاءوا وحاولوا إقناعهم بفعل أشياء ليست في مصلحتهم”.
وقال: “لاحظ أنني كنت مختلفا، كنت أول شخص أتي لطرح الأسئلة وأحاول حقا فهم وجهات نظرهم، كان يعتقد أننا سنصنع السلام في المنطقة”. وأضاف كوشنر: “لقد تشرفت بملاحظة محمد بن زايد، ولم أنس كلماته مطلقا”.
وكان صهر ترامب وهو يسرد ذلك الموقف، يقصد الزيارة الشهيرة التي أجراها إلى أبوظبي في 31 أغسطس 2020، على متن أول رحلة طيران إسرائيلية، بعد أيام من اتفاقية التطبيع الشهيرة في 13 من ذات الشهر والمعروفة باتفاق “أبراهام”.
ولفت كوشنر قائلا: “في مرحلة ما، أقر محمد بن زايد بأن حلفاء بلاده هم حلفاء إسرائيل، وأن أعداء بلاده هم أعداء إسرائيل”.
ونشرت صحيفة “لوموند الفرنسية” في 19 سبتمبر/ أيلول 2020، أن الصفقة الأميركية الإسرائيلية مع الإمارات تعني تخليا حقيقيا عن الفلسطينيين من قبل دول الخليج العربية.
وتصف لوموند دول الخليج العربي وبالذات السعودية والإمارات والبحرين، بأنها “متكالبة على التطبيع سرا وعلانية” مع الكيان الصهيوني، وهي نفسها التي أعلنت الحصار على قطر في 2016 بهدف الغزو المحتمل حسب آخر التقارير الصادرة عن الإدارة الأميركية.
وحسب الصحيفة، اختارت إمارات “ابن زايد” حرمان نفسها من أنجع وسائل الضغط على إسرائيل، “فهم يعترفون ضمنيا بأنهم يستوعبون نظام الاحتلال الساري في المناطق المحتلة منذ عام 1967”.
ابتسامة طحنون:
ذهب كوشنر أيضا إلى تفاصيل الزيارة التاريخية التي أجراها ترامب إلى المملكة العربية السعودية، في 20 مايو/أيار 2017، وكان صهره ومعظم عائلته برفقته.
وهنا قال كوشنر: “في قاعة الحفلات الرئيسة لتناول طعام الغداء مع القادة العرب، كان (ولي العهد) محمد بن سلمان قد أجلسني أنا وإيفانكا (ابنة ترامب) على طاولة معه”.
وأردف: “عندما جلسنا، قدمني إلى القادة الآخرين على الطاولة، ولم يكن لديهم جميعا ألقاب واضحة، ولكن إذا كنت بحاجة لإنجاز أي شيء في بلدانهم، يجب أن أتصل بهم”.
أتبع: “عندما تعرفنا على بعضنا البعض، رأيت انفتاحهم على الإصلاح، وفي مرحلة ما، قال مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، طحنون بن زايد آل نهيان لإيفانكا بابتسامة (تفضلي، اسألي محمد بن سلمان متى سيسمح للمرأة بقيادة السيارة)”.
وعلق: “سمع محمد بن سلمان الاقتراح وابتسم ابتسامة كبيرة، ثم قال (قريبا جدا)”. ويروي كوشنر أن زوجته “إيفانكا” كانت متفاجئة بالفعل، ولكنها مسرورة أيضا.
وأكدت أنه عند اجتماعها بالمائدة المستديرة لرائدات الأعمال الصغيرة السعوديات في وقت سابق، ناقشوا بصراحة كيف أن حظر القيادة لم يكن العقبة الوحيدة أمام نجاحهن.
ووجه كوشنر انتقادات للوصاية على النساء في المملكة، وشرح أن القوانين هناك تمنعهن من امتلاك حساب مصرفي أو عقار.
لكنه أشاد كذلك بانفتاح محمد بن سلمان، الواسع على الإصلاحات الجذرية في مجتمعه.
واستطرد: “بعد عام واحد، فاجأ محمد بن سلمان العالم واتخذ خطوات لرفع الحظر المفروض على القيادة، وفي العام التالي، غير قوانين الوصاية”.
تجاهلات كوشنر:
رغم أن كوشنر وزوجته إيفانكا أظهرا إعجابا بإصلاحات ولي العهد السعودي، لكنهم تجاهلا حجم معاناة النساء في سجون المملكة، وانتهاكات حقوق الإنسان بحقهن.
وكانت صورة ابن سلمان، التي رسمها كأمير إصلاحي، تحطمت على صخرة القمع غير المسبوق الذي سلكه في محاولته إحكام سلطته الشاملة على المملكة.
ولا سيما اعتقاله ناشطات سعوديات على خلفية قضايا حقوقية أو تغريدات خارج السرب تتعلق بإشكاليات سياسية أو اجتماعية.
وتبدلت الصورة المخملية للنظام، بصورة يكتنفها التعقيدات وسجالات القهر والتعذيب، وقصص مرعبة عن الانتهاكات بحق النساء في سجون الصحراء القاسية، من إسراء الغمام، ولجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف إلى سمر بدوي وأخريات دفعن ثمن مطالب مشروعة بالحق في الحياة الكريمة.
كل ذلك أغفله كوشنر، فحين جلوسه على موائد الأمير الفخمة، كانت المعتقلات السعوديات يواجهن حملة إعلامية شرسة ويوصمن بالخيانة والخروج عن الأعراف والتقاليد.
ولم يكن يُسْمع صوت داخل المملكة يستطيع مناقشة مصير الناشطات، مثلما ناقشوا حقوقا أخرى للمرأة، وذلك بعد فرض حالة من الخوف والرعب الشديد نتيجة حملات محمد بن سلمان الأمنية لقمع معارضيه بشكل مكثف غير مسبوق، لا يستثنى منه أحد.
إعجاب بالانتهاكات:
وعلى الناحية الأخرى من مملكة ابن سلمان المعقدة، كانت قصور الحكم في أبوظبي أكثر تعقيدا، وكذلك قادة الدولة.
وتحدث كوشنر في مذكراته عن مدى إعجابه بشخصية محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي في ذلك الوقت.
وقال كوشنر عنه: “كان ولي العهد (ابن زايد) متواضعا بشكل صادم وهادئ”. لكن صهر ترامب لم يتطرق أبدا إلى الكم الهائل من انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.
وهو ما أظهرته تقارير حقوقية متعددة منها، ما أوردته منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية لحقوق الإنسان، في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021، حين ذكرت أن الإمارات مسؤولة عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في الداخل والخارج.
وأنها سجنت المنتقدين السلميين، وشجعت انتهاكات العمل ضد العمال الوافدين منخفضي الأجر، وساهمت في انتهاكات خارج حدودها في ليبيا واليمن.
ولم يتطرق مثلا إلى قصة الإماراتية “أمينة العبدولي” حين أظهر تسريب صوتي في 5 أبريل/نيسان 2020، أنها دخلت في إضراب عن الطعام احتجاجا على سوء المعاملة.
وكذلك بسبب فتح قضية جديدة ضدها وضد المعتقلات الأخريات في سجون الإمارات، إثر التسجيلات التي سربتها في العام 2021، وناشدت خلالها منظمات حقوق الإنسان بالتدخل لوقف الانتهاكات بحقها.
كل ذلك لم يرق لكوشنر ووفده، ولم يشد انتباهه في مذكراته، إذ كان يكفيه انسيابية مواقف الحكام نحو إسرائيل، وموافقتهم على خطته لإقرار سلام مباشر معها.
ترسيخ العروش:
علق المحلل السياسي الفلسطيني ناصر الصوير، على ما أورده كوشنر في مذكراته بشأن ابن زايد، قائلا “كل محاولات التطبيع وإقامة العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، هي بسبب واحد، أن أنظمة هذه الدول تسعى إلى تثبيت كراسي الحكم”.
وأضاف الصوير “لأن هؤلاء الحكام يعتقدون أن من يَحُز على رضى الكيان يَحُز على رضى الولايات المتحدة الأميركية، والدول الاستعمارية الغربية الأخرى، وبالتالي فإنه يعتقد نفسه في مأمن عن أي شيء يقصيه عن سدة الحكم”.
وعقب: “لذلك فإن ابن زايد وأمثاله يهرولون إلى التطبيع لا حبا في الكيان ولا رغبة في إقامة علاقات دبلوماسية بين دول، لكن رغبة في الحفاظ على ملكهم من الزوال”.
وأورد: “الدليل على كلامي أن دولا مثل الإمارات والسودان والبحرين، هرولوا إلى التطبيع رغم بعدهم عن طوق المواجهة فهم ليسوا كالأردن ومصر وسوريا ولبنان”.
وقال: “هذا التطبيع الفج سيؤدي عاجلا أو آجلا إلى نتائج عكسية، فمع أن الشعوب العربية نومت عن قصد بفعل عوامل التلهية والمؤامرات المستمرة، لكنها في لحظة من التاريخ تستجيب لنداء القضية”.
ومع الوقت تتململ وترفض، وتؤيد المقاومة، وترفع من مناهضي التطبيع كما حدث مع الوزيرة البحرينية المستقيلة (مي آل خليفة، التي رفضت مصافحة وزيرا إسرائيليا)”.
فوقتها تحولت إلى بطلة واكتسبت ملايين المؤيدين، ما يؤكد أن مسارات الشعوب تختلف شكلا مضمونا عن مسارات تلك الأنظمة، بحسب الصوير.
واختتم: “القضية أعمق كثيرا من ابن زايد وابن سلمان وغيرهم، لأنها في الأساس قضية عقيدة، فالقدس مسرى رسول الله، أولى القبلتين وثالث الحرمين، ستظل عالقة في قلب ووجدان كل مسلم، وسينبذ التطبيع والمطبعين مهما بلغوا وأفسدوا”.
ارسال التعليق