لماذا لن أقاطع الأبواق الإعلامية لنتنياهو؟!
بقلم: سليم عزوز...
شهدت الأيام الثلاثة الأخيرة دعوة عامة وقوية لمقاطعة قنوات تلفزيونية بعينها، تبث من عواصم عربية، وهي ليست أبواقا لإسرائيل، فالإعلام الإسرائيلي ينشر أحيانا بعض الحقائق، وينقل آراء معارضة للحكومة الإسرائيلية، فالأحرى أنها أبواق إعلامية لنتنياهو!
وقد أقدمت إحداها على تقديم تقرير يفتقد للمهنية، وينحاز كلية لإسرائيل في حربها الإجرامية، فقد وصفت الشهيد يحيى السنوار وإخوانه بـ"الإرهابيين"، ولم يكن من كتب التقرير وتلاه إعلاميا صهيونيا، ولكنه واحد ينتمي للعرب، وقد نشرت له صور بالجلباب الخليجي، ولكن هل نُقل إلينا أن يهود بني قينقاع أو بني النضير كانوا يرتدون زيا مختلفا عن زي أهل المدينة؟!
الفتى الغر ليس مالك القناة، وليس هو من يحدد سياساتها، والحاصل أنه يعمل وفق هذه السياسات المعروفة للقاصي والداني، وليس صاحب قرار بإذاعة التقرير، فهذا عمل من أعمال السيادة بالقناة، الأمر الذي يجعلنا إزاء توجيه عام، وانحياز واضح، ومن يزمر لا يغطي ذقنه، أو يتخلى عن عقاله!
وقد زمر الفتى، ونقلت القناة زميره، الخالي من المهنية والمنحاز بالكلية، فرأى أن من يمثلون التحرر الوطني إرهابيون، في حين أن قاتل الأطفال، ومدمر المستشفيات، ومهجر المدنيين، هو خضرة الشريفة، ولو وقف على الحياد واتهم السنوار وإخوانه بالإرهابيين، ونتنياهو وحكومته بالقتلة المجرمين، لقلنا إنه يقف على الحياد، ولكان علينا أن نوضح له أن الحياد لا يكون بالوقوف على مسافة واحدة من الحق والباطل، ومن المقاومة والمحتل، ومن السنوار ونتنياهو، لكنه هاجم المقاومة وتقرب من إسرائيل بالنوافل، وهو في الأخير مسيّر لا مخيّر، فهذه سياسة قناة، تماهى معها الفتى!
الانحياز الجريمة:
الحملة على قناة وتقريرها كانت قاسية هذه المرة، ولعلها في لحظة معينة وجدت القناة نفسها تلعب على المكشوف، الأمر الذي من شأنه أن يفسد عليها تمرير سياستها المنحازة للعدو، فتم حذف التقرير، وهو أمر يُذكر فيُشكر لمن ساهم في الحملة ولو بشطر كلمة، ومن هناك كان الانتقال إلى مرحلة أخرى حيث الدعوة لمقاطعة القناة ومثيلاتها، وفي مصر كانت الدعوة لحذف هذه القناة وغيرها تماما، جزاء وفاقا على هذا الانحياز الجريمة!
ولا أعرف لماذا لم تشمل الدعوة قناة "القاهرة والناس" التي تبث من العاصمة المصرية، ومن مدينة الإنتاج الإعلامي، وتحت سمع وبصر ورعاية أهل الحكم، مع أنها أحد الأبواق سالفة الذكر، وعبرها يضخ إبراهيم عيسى سمومه، فيدين المقاومة، ويمجد العدو، لكن عذرهم أن الناس في بلدي لا يشاهدون القناة المذكورة، ولا يعرفون قناة بهذا الاسم، وإن شاهدوا كلام المتصهين عبرها، فعبر منصات التواصل، وهو يجهر بالسوء، فلا يعرفون من أي منبر يتحدث!
فمن كان يتصور أن يأتي يوم لا تنطلق فيه الأبواق الإعلامية للكيان من تل أبيب فقط، ولكن من عواصم عربية أيضا، ويتم تمويل هذا الإعلام من اللحم العربي الحي، ليقف ضد المقاومة، وينحاز للعدو، ويتقرب لنتنياهو بالنوافل؟ فنحن أمام أنظمة ترتبط وجودا وعدما بالكيان وقوته!
وعندما تكون دولة عربية هي لبنان، وشعب عربي في غزة، يتعرضان للإبادة الجماعية، ويأتي الأمين العام لجامعة الدول العربية، ليتحدث بالتافه من القول عن السندوتش في القاهرة وعواصم غربية من حيث فرق السعر، وتشغله معدته وأمعاؤه الغليظة، فهذا سياق عام، تقرر فيه اللعب على المكشوف!
في السابق كانت جامعة الدول العربية تجتمع، وكان القادة العرب يحتشدون، ويصدرون بيانات الإدانة والتنديد، وهو خطاب كنا ندرك أنه للاستهلاك العربي، لكن في الأخير كان أولو الأمر منا يستشعرون الحرج، فيعملون جهدهم، وفي حدود قدرة المريض، الذي لا يستطيع ضربا في الأرض ولا قتالا!
بيد أن المريض مات، واللعب صار على المكشوف، والأمين العام لجامعة الدول العربية لا يخجل وهو يتحدث عن سندوتش الفول وسندوتش الشاورما بينما شعب عربي يتعرض للإبادة الجماعية، ودولة عربية تتعرض للقصف المتواصل، ومن العبث أن نطلب منه أكثر من أن يكون ضمن نشاط البرنامج الصباحي بالإذاعة المصرية "إلى ربات البيوت"!
سر سعادتهم:
لماذا يسعد أولو الأمر منهم لاغتيال السنوار وإخوانه، ويحرصون على وصفه بالإرهابي؟
إن العاطفة هي التي دفعت الشهيد السنوار للقول: خلوا بيننا وبين عدونا، فإن قضى علينا فقد كفيتمونا وإن انتصرنا عليهم فنصرنا نصركم وعزنا عزكم. فمن قال له -يرحمه الله- إن نصرهم نصر لهم وإن عزهم عز لهؤلاء؟
إن الأنظمة العربية السابقة، كان يربطها بشعوبها شعرة معاوية، وجانب من شرعيتها مستمد مما يعرف بالتوافق العام عليها، لكن الربيع العربي قطع شعرة معاوية هذه، ومن ثم فالذين جاءوا على أنقاضه لهم شرعية مختلفة! إنها شرعية مستمدة ممن يملك القوة الباطشة، والتي استمدت قيمتها من أنها تحمي الحدود، وتصون التراب الوطني، ليكون الحكم هو ثمن هذا، فماذا بقي للجيوش من قدر إذا أبلت المقاومة في لبنان وغزة بلاء حسنا في مواجهة العدو المشترك؟!
وهذا فضلا عن أن هناك شرعية أخرى مستمدة من الرضا الإسرائيلي التام، على النحو الذي روج له مصطفى الفقي، عندما كان يسوّق لنا جمال مبارك لنقبله صاغرين، فمَن غير النجل يمكن أن ترضى عنه إسرائيل، وكيف الوصول لهذا الرضا إلا بانتقال الرضا من الأب إلى الابن؟! فماذا لو هُزمت إسرائيل في هذه المعركة، فمن أين يستوفون شرعيتهم؟
ومن هنا فإذا لم تكن إسرائيل قوية لاخترعوها واخترعوا قوتها، ولهذا فإسرائيل ليست بحاجة لقناة صهيونية تخاطب من خلالها العرب، وتنفق عليها من أموال دافعي الضرائب والتمويل الأجنبي. وقد كانت "يديعوت أحرنوت" تصدر نسخة باللغة العربية، وتراجعت عن ذلك منذ سنوات، لأن البديل العربي متوفر، وأكثر وضوحا.
الالتصاق بنتنياهو:
فالإعلام الإسرائيلي يحرص على الحد الأدنى من المهنية، ولو الشكلية، ثم إنه يعبر في تنوعه عن المجتمع الإسرائيلي من حكومة ومعارضة، وعمن هم مع نتنياهو ومن هم ضده، لكن الأبواق المنطلقة من العواصم العربية هي بالشكل الذي عبر عنه التقرير المحذوف، تخلٍ بالكامل عن المهنية، والانحياز بالكامل ضد المقاومة، والتصاق الجسد بالجسد مع نتنياهو، أكثر من التصاق قرينته سارة به في ليلة شتوية ممطرة!
وهذا الوضوح والجهر بالمعصية، كان سببا في الدعوة الحاشدة لمقاطعة الأبواق الإعلامية هذه، وقد رفض البعض هذه الدعوة، وقالوا بالاستمرار في مشاهدة هذه القنوات للوقوف على الشركات المعلنة بها ومن ثم الدعوة إلى مقاطعة منتجاتها، ليسري عليها ما يسري على منتجات الشركات المتورطة مع إسرائيل في علاقة ما!
ولست مع هؤلاء وهؤلاء، فلو توقفت الإعلانات تماما في هذه الأبواق، فلن يكون الشح المالي سببا في إغلاقها، لأن دولا تقف خلفها، أما الدعوة للمقاطعة فلن أسايرها عملا بالقاعدة الأصولية التي تقول: "اعرف عدوك"!
ارسال التعليق