“مستقبل السعودية” للباحث د. فؤاد إبراهيم.. بوصلة تصويبية معمّقة لأوضاع المنطقة ومآلات مصير الكيان السعودي
على امتداد 686 صفحة، ناقش الباحث السياسي المعارض الدكتور فؤاد ابراهيم، التحولات التي تشهدها السعودية وسط التضاربات داخل أروقة العائلة السعودية الحاكمة, ومع التغييرات العاصفة والمتسارعة التي تتخفى خلفها الكثير من التكهنات بصعود أمير ونزول ملك، خاصة بعد عزل محمد بن نايف على يدي ابن عمه محمد بن سلمان، وما تبع ذلك من تطورات داخل حدود البلاد وانعكاساتها على الخارج، إذ كشف عن نهج آل سعود في تغذية الحروب والمشكلات في أصقاع العالم، وانعكاسها على خلق توترات وافتعالها من أجل ضمان ديمومة بسط اليد على شؤون البلاد ومقدراتها.
“مستقبل السعودية.. الخطاب.العرش.التحالفات”، بهذا العنوان، سعى الباحث السياسي لتقديم الأجوبة على أسئلة محورية وجوهرية ترتبط بمستقبل الدولة والعرش والصراع الخارجي وانعاكاساته على الداخل السعودي الرسمي والشعبي، فضلاً عن مستقبل التحالفات مع الولايات المتحدة.
الباحث السياسي وفي خطوط عريضة وتفصيلات جمّة، وضع دراسة مستقبلية استشرافية، غاص خلالها بدقة متناهية في طيات الخطاب السعودي ما بعد مرحلة “الربيع العربي”، ومستقبل الصراع على العرش وسيناريوهات الوراثة، متتبعاً البحث والتفسيرات حول تحول الصراع من الجناح إلى الشخص، ومستقبل الخطاب الثقافي والاعلامي السعودي بعد ما سمي بـ”عاصفة الحزم”.
الباحث فؤاد ابراهيم القيادي البارز في المعارضة لنظام الحكم في الرياض شمل بدراسته المراحل التاريخية التي مرت بها “مملكة بن سعود” منذ ما قبل التأسيس الى العام الحالي (1902_ 2017)، وبحث عبر فصول الكتاب الستة أدق تفاصيل الأوضاع السياسية، في ظلّ احتدام الصراع بين أمراء آل سعود الطامعين في القبض على مقاليد الحكم والسيطرة على البلاد وثرواتها والقفز إلى عرش الملك.
بعد مقدمة شملت التفصيل في معاني المؤسّس والتأسيس وصولاً إلى ما اصطلح عليه الباحث بـ”الوظيفة المطوّرة”، جاء الفصل الأول تحت عنوان “مستقبل الصراع الخارج ضرورة داخلية”، ربط الكاتب كيفية بحث آل سعود في صراعات الخارج لتأمين بقائهم، ومما جاء فيه: “أصبح الخارج ضرورة وجودية للدولة السعودية، فقد نشأت في الأصل على قاعدة الخصومة مع الخارج ومحاربته والتمايز عنه.
فلا يعرف النظام السعودي نفسه من دون الخارج، ولا بد أن يكون هذا الخارج الآخر، خصماً ونقيضاً عقدياً وسياسياً”.
معادلة العرش قد تبدو محسومة
“مستقبل الصراع على العرش”، تم عنونت الفصل الثاني الذي امتد على 97 صفحة، وحمل عناوين فرعية بدأت بـ” الملك عبدالله: تفتيت السديرية” وتحول “عهد سلمان: من الجناح إلى الشخص” وهذا الموضوع استدرجت فروعه عبر ما مرّت به الأوضاع في البلاد وخارجها خلال عهد سلمان، ليعنونها الكاتب بعشرة فروع وهي على التوالي: “زلزال بعد آخر ـ الزلزال الثاني – ثنائية الأحفاد – اليمن – سوريا – إيران – الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمحلية – الحروب المفتوحة – تمزق شبكة التحالفات الإقليمية والدولية -والدور الأميركي”، وقبيل التوصل إلى خلاصة حول هذه الأفكار بحث د. ابراهيم في “سيناريوهات وراثة العرش”؛ مستشهداً بما ذهب إليه الباحث في معهد واشنطن سيمون هندرسون حول أن “معادلة العرش قد تبدو محسومة”، مشيراً إلى قول الكاتب الأمريكي: “كما يبدو فإنه أي محمد بن سلمان- سوف يكون ملك السعودية، وأن على الولايات المتحدة أن تتعايش مع ذلك”.
وفي خلاصة الفصل سلّط المعارض السياسي الضوء على التغييرات داخل الأسرة السعودية، مشيراً الى أن توصيف التغييرات الأخيرة بما يعرف بـ”تغيير الأجيال”… واعتبر أن “الصراع على السلطة داخل أسرة بن سعود لا يؤول بالضرورة الى تفكك الأخيرة أو انهيار الكيان، ولكنه بالتأكيد يُضعف من بنيته”.
وفي الفصل الثالث “مستقبل الخطاب، مستقبل الدولة”، تناول د. ابراهيم “المنتج السياسي والمدني والاعلامي الثقافي”، وفسّر محتويات التحولات بعناوين فرعية من “الطائفة، الدولة، الأمة”، مشيراً إلى وجوه وشخصيات لعبت أدواراً بارزة على هذه الأصعدة أبرزهم “سلمان الدوسري وخالد الدخيل وعبدالله الغذامي”، لينتقل بعدها الى عنوان طالما استغله السعوديوم للعزف عبره على وتر السلطة القضائية ودورها, بعنوان “مثقفونا القضاة!”، لينتقل بعد ذلك إلى “عاصفة الحزم وتمذهب الخطاب”، ليخلص الكاتب الى نتيجة “ان أخطر ما تتجه جولات الردح على خلفية طائفية ‘وهابي – شيعي’ او أيديولوجية ‘ليبرالي -إسلامي’، هو تمزّق الأنسجة الرئيسة المسؤولة عن تشكيل الهوية الوطنية، والتي من الصعب تعويضها في غضون جيل أو جيلين..”
وأضاء الكاتب على الممارسات الطائفية التي يعانيها “الشيعة” في البلاد، بسبب سياسة التمييز، وما ينتهجه الوهابيون ضدهم، من تحريض وتضييق، وانتقادات على الرغم مما يتعرضون له من هجمات ارهابية وممارسات أمنية بشعة في منطاق تواجدهم، وصولاً إلى السياسة التحريضية المتبعة ضدهم في وسائل الاعلام عبر الأبواق السلطوية، والأقلام الصحفية التابعة، التي تحمل سلسلة من موجات التحريض ضد الكثير من وجهاء الشيعة والعلماء في المنطقة الشرقية, سواء عبر الصحف وقنوات التلفزة أم عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تمثل فضاء واسعاً يسبح في عالمه الكثير من الآراء، وقد استخدمه الكثير من الدعاة لشن هجمات عنيفة وافتراءات ضد الشيعة.
“رؤية ابن سلمان”.. “بضاعتنا رُدت إلينا”
“من الخطأ اعتبار السعودية بلداً صديقا”، هذا ما قاله المساعد السابق لرامسفيلد، كينيث أدلمان، فيما قال إيليوت كوهين “كان لدى السعودية الكثير من المدافعين في هذا البلد. أما الآن فهناك قلة جداً، وأود القول أن السعودية هي مشكلة كبيرة لنا”.. جاءت هذه المقولات لشخصيات أميركية، ضمن الفصل الرابع من الكتاب الذي حمل عنوان “مستقبل العلاقات السعودية – الأميركية”، حيث غاص الباحث السياسي في تدرجات العلاقة بين البلدين منذ الانطلاقة والمراحل التي مرّت بها، داخل كل من البلدين، وفي تدخلات كل منهما في دول أخرى (أفغانستان، العراق، سوريا، اليمن، ايران والاتفاق النووي، وصولاً الى النفط والحرب الناعمة الذي ولدها الذهب الأسود)، ليصل إلى قراءة السيناريوهات بعد كل ما مرت به المنطقة الاقليمية الى ارتدادات قانون جاستا الأميركي، متسائلاً ما اذا كان يمثل عقاباً ام استدراجاً.
بعد ذلك، ينقلنا الباحث السياسي خلال الفصل الخامس “السعودية في العام 2017.. تراكم التحديات والفرص الصعبة” للحديث عن اللحظة السعودية الراهنة، ليستشرف دائرة ما تشهده البلاد من تحديات أمنية واقتصادية، فارداً عشرات الصفحات للتعمق في صراع الأجنحة الذي تشهده حالياً قصور الرياض، ولا زالت تتأرجح البلاد على تأثيراته، مضيئاً على كيفية ادارة سلمان بن عبد العزيز عملية نقل السلطة في الشهور الأولى لتوليه عرش الملك، وما تبع ذلك من تغييرات وتوترات في أروقة الحكم بسبب الحسم السريع للتغييرات السلمانية، واصلاً الى الصراع الذي رسمه محمد بن سلمان مع ابن عمه محمد بن نايف، وإزاحة الأخير وعزله، وما تبع ذلك من لعب الأمير الشاب على وتر استلهام القوة والتأييد من دول الخارج خاصة واشنطن، لافتاً الى الصفقات التجارية التي بذخها ابن سلمان في بلاد الاميركان لتأمين دعم خطواته التصعيدية ضد معارضيه ومنافسيه من الأمراء، خاصة بعد ما خلّفه قانون جاستا وحشد الاتهامات للرياض وتورطها في هجمات 11 سبتمبر .
لواشنطن حصة الأسد من الاستثمارات السعودية
واستعرض الكاتب التحديات التي تواجه نظام الرياض، اذ حاول ولي العهد الجديد محمد بن سلمان اطلاق رؤية 2030 الاقتصادية لرسم تحولات جذرية في البلاد، الا ان مساعيه وخططه باءت بالكثير من الفشل منذ انطلاقتها وارتفعت معدلات العجز والخسائر.
وكتب د.ابراهيم في هذا السياق: “كانت رؤية ابن سلمان بمثابة “بضاعتنا رُدت إلينا”، وهي كفيلة بإزالة العوائق أمام تحول تاريخي في العلاقات السعودية الأميركية.
بكلمة أخرى، وضع ابن سلمان المخزون المالي الحالي، والموارد الطبيعية في باطن الأرض، والقطاعات الانتاجية المالية والصناعية والتكنولوجية، والاتصالية، وحتى السياحية برافديها الديني والترفيهي، باتت تحت تصرف الشركات الكبرى الأميركية… سوف تنال واشنطن في الحدّ الأدنى، حصة الأسد من الاستثمارات السعودية”.
أما الفصل السادس والأخير من الدراسة الذي حمل عنوان “فرص السعودية وتحدياتها في عهد ترامب”، فتناول الأوضاع الحالية في المنطقة، محللاً الاوضاع التي تشهدها الرياض، انطلاقاً من اجراءات حماية العرش وانتقال السلطة وإدامة النموذج الرعوي واعادة انتاج الحقبة السعودية، مروراً بالتحديات الأمنية والاقتصادية التي تترافق مع التغييرات السياسية، وصولاً الى الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، والخلاف القطري-السعودي/الاماراتي وما شهدته المنطقة بسبب الازمة الخليجية، ووصول دونالد ترامب الى سدّة عرش أميركا وتحريكه الملفات الإقليمية بشكل هستيري.
ولفت د.ابراهيم إلى قمة الرياض وتأثيراتها وانعكاساتها وأهدافها، وما أرسته من مرحلة جديدة وفارقة في شبكة العلاقات والتحالفات؛ حيث ذهب إلى القول “بصورة اجمالية، فان الكباش الاعلامي في المجال الخليجي أظهر رأس الجبل في الخلافات العميقة والمتراكمة.
وكان قرار السعودية يصدر من الشعور بالاكتفاء بالتحالف مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل أي تحالفات فرعية غير ذات جدوى أو بالأحرى لا تتطلب اهتماماً استثنائياً”.
وكان الكاتب قد استند في دراسته إلى الكثير من المراجع العربية والأجنبية والمقالات وآراء السياسيين ورجال المال والأعمال وأصحاب الرأي والوقائع في تقديم دراسة، شاملة ومعمقة، تشكل بوصلة القارئ لفهم مسار وتوجه المنطقة سياسياً وأمنياً واقتصادياً ارتكازاً وانطلاقاً من محور الأحداث والمتغيرات العاصفة في السعودية.
بقلم : عامر الحسن
ارسال التعليق