من السيسي إلى المحمّدين أعداء الأمس يباركون لأردوغان
قدّم زعماء عرب وأجانب تهانيهم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، مُتفوّقاً على مُرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، ليُصبح بذلك رئيساً لتركيا في السنوات الخمس القادمة.
عربياً، هنّأ أمير قطر والرئيس الجزائري نظيرهما أردوغان، وبالمثل وجّه حاكم الإمارات محمد بن زايد والرئيس المصري تهانيهم للرئيس التركي وسط حالة من الهدوء الذي يُواصل التجذّر بين أنقرة وكل من القاهرة وأبو ظبي منذ سنيتن تقريباً.
وقال حاكم الإمارات عبر حسابه الرسمي على تويتر: “خالص التهاني للرئيس رجب طيب أردوغان بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً لتركيا الصديقة.. تمنياتي له التوفيق في مواصلة قيادة بلاده نحو مزيداً من التقدم والازدهار”.
وأضاف: “نتطلع معه إلى ترسيخ شراكتنا الإستراتيجية والعمل من أجل السلام والاستقرار في المنطقة”.
بدوره، هنّأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مساء الأحد، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية وإعادة انتخابه رئيساً لتركيا لفترة رئاسية جديدة.
وأكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي بعث رسالة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية، وإعادة انتخابه رئيساً لتركيا لفترة رئاسية جديدة.
ويشار إلى أنه بعد عقد من الخلافات والتوترات السياسية والإقليمية، تشهد العلاقة بين مصر وتركيا مؤشرات إيجابية نحو التقارب والتعاون. ففي أبريل/نيسان 2023، التقى وزيرا خارجية البلدين في أنقرة وأعربا عن رغبتهما في فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، والتنسيق في ملفات حساسة مثل ليبيا وسوريا وغاز شرق المتوسط. كما زار وفد تركي القاهرة في مارس/آذار 2023، في إطار ما سمي بـ”المشاورات الاستكشافية” لبحث سبل تحسين العلاقات.
وتأتي هذه التحركات بعد أن شهدت العلاقة بين مصر وتركيا انهيارًا كاملًا عقب عزل الرئيس المصري محمد مرسي عام 2013، حيث انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه الخطوة باعتبارها “انقلابًا”، وأبدى دعمه لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس الراحل محمد مرسي. من جانبها، اتهمت مصر تركيا بـ”تمويل الإرهاب” و”التدخل في شؤونها الداخلية”، وطردت سفيرها من أنقرة.
ولكن مع تغير المشهد الإقليمي والدولي، بدأت كل من مصر وتركيا تدرك ضرورة إعادة تقييم سياساتهما والبحث عن نقاط التفاهم والمصالح المشتركة. ففي ليبيا، توصلت الأطراف المتحاربة إلى اتفاق لإجراء انتخابات عامة نهاية 2023، بمساندة دولية، مما قلّص حدة التنافس بين مصر التي تدعم حفتر، وتركيا التي تدعم حكومة الوفاق. كذلك في شرق المتوسط، أظهرت تركيا استعدادها للحوار مع دول المنطقة حول تحديد الحدود البحرية والتنقيب عن الغاز، بعد أن كانت قد أثارت غضب هذه الدول بإبرام اتفاق مع ليبيا في هذا الشأن.
كما تشهد العلاقة بين الإمارات وتركيا تطورات إيجابية بعد سنوات من الصراع والتنافس على المصالح الإقليمية.
فقد استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أبو ظبي ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ووقّع الطرفان على اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة، مثل: الطاقة والتجارة والسياحة والثقافة.
وفي فبراير/شباط 2022، قام أردوغان بزيارة معاكسة للإمارات، حيث التقى بالشيخ محمد بن زايد وأكد رغبة بلاده في تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع الإمارات.
وجاءت تلك التحولات في ظل تغيرات جذرية في المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث تسعى الدول إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع جيرانها وحلفائها، خاصة في ظل فك الارتباط الأمريكي من المنطقة.
كانت الإمارات وتركيا قد اختلفتا بشدة حول قضايا مثل الربيع العربي والإخوان المسلمين ومحاولة الانقلاب في تركيا والأزمة الخليجية والصراع في ليبيا. لكنهما أدركتا أن هذه المواجهة لم تخدم مصالحهما؛ بل على العكس، أضعفت قدراتهما على التأثير في المنطقة.
ولذلك، بدأت الإمارات وتركيا في تخفيف حدة التوتر بينهما، والسعي إلى فتح قنوات حوار جديدة، والتركيز على المجالات المشتركة للتعاون.
وقد أظهرت هذه المبادرات نجاحًا ملحوظًا، حيث ازدهر التبادل التجاري بين البلدين، وزاد عدد السائحين من كلا الجانبين، وانخفض حجم التدخل في شؤون بعضهما. كما سهّل هذا التقارب من حل بعض المشكلات الإقليمية، مثل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا، وإجراء محادثات بشأن سوريا.
لا شك أن هذه التطورات تشكل خطوة إلى الأمام في تحسين العلاقة بين الإمارات وتركيا، لكنها لا تزال هشة وغير كافية لحل جميع التحديات والخلافات بينهما. فلا يزال هناك اختلاف كبير في رؤية كلا الطرفين للأمور المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والإسلام السياسي.
السعودية بدورها لم تتخلف عن تهنئة الرئيس التركي، حيث بعث الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ببرقية تهنئة، لرجب طيب أردوغان بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً لجمهورية تركيا لفترة رئاسية جديدة.
وقال فيها حسب صحيفة “عكاظ” السعودية: «بمناسبة إعادة انتخاب فخامتكم لفترة رئاسية جديدة، يسرنا أن نبعث لفخامتكم أصدق التهاني، وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد، ولشعب الجمهورية التركية الشقيق المزيد من التقدم والازدهار، مشيدين بهذه المناسبة بالعلاقات الأخوية التي تربط بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، والتي نسعى لتعزيزها وتنميتها في المجالات كافة».
كما بعث ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، برقية تهنئة جاء في نصها: «بمناسبة إعادة انتخاب فخامتكم لفترة رئاسية جديدة، يسرني أن أبعث لفخامتكم أصدق التهاني، وأطيب التمنيات بالتوفيق والسداد، ولشعب الجمهورية التركية الشقيق المزيد من التقدم والرقي».
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد سنوات من الصراع والتوتر بين السعودية وتركيا على خلفية السياسة الخارجية ومقتل الصحفي جمال خاشقجي، تشهد العلاقة بين البلدين تحسّناً ملحوظاً في الآونة الأخيرة.
ففي يونيو/حزيران 2022، قام ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بزيارة قصيرة إلى تركيا هي الأولى له منذ اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018.
وكانت هذه الزيارة تلبية لدعوة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي سبق أن زار جدة في أبريل/نيسان من نفس العام. وجرى خلال هذه الزيارات استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين والتأكيد على التعاون في مختلف المجالات، منها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية.
ويرى مراقبون أن هذا التقارب يعود لأسباب متعددة، منها رغبة كلا الطرفين في تخفيف التوتر في المنطقة وإحداث توازن في مواجهة نفوذ إيران.
كما يسعى كلا البلدين إلى تحسين علاقاتهما مع الولايات المتحدة، التي تضغط على أردوغان لحل قضية شراء منظومة إس-400 من روسيا، وعلى ابن سلمان لإظهار التزامه بحقوق الإنسان.
وتأمل تركيا أيضاً في الاستفادة من فرص التجارة والاستثمار مع السعودية لمواجهة أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، خصوصاً في ظل انخفاض قيمة الليرة التركية. وكان حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ 5 مليارات دولار سنوياً.
ولكن رغم هذه التطورات، لا تزال هناك قضايا خلافية بين السعودية وتركيا، منها دور تركيا في دعم جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، وموقفها من أزمات سوريا وليبيا والخليج.
كما لم يحسم مصير قضية خاشقجي، التي تطالب خطيبته خديجة جنكيز بإحالة المسؤول عن اغتياله إلى المحكمة. ولا يستبعد بعض المحللين أن يشهد التقارب بين البلدين تراجعاً أو تذبذباً في ظل التغيرات المستمرة في المشهد الإقليمي.
ارسال التعليق