من الإعلام
من المسؤول عن تدني التعليم؟
خرجت هيئة تقويم التعليم اليوم بخبر تظن أنه جديد علينا ، بينما الكل في الميدان مجمع عليه قبل أن تكتشفه الهيئة ، ألا وهو تدني مستوى الطلاب التحصيلي للعلوم والمعارف !
هذا الخبر الذي يتكرر كل عام وتثار حوله الأسئلة وتتنازعه الأجوبة وتوضع له الحلول بعد أن تعقد من أجله الاجتماعات ، وتنشأ اللجان للبحث عن دواء لهذا الداء، وتتفتق الأفكار من الأبراج العاجية لتستجلب تجربة تلك الدولة أو ذلك المصر بعد أن تزوره وتنال منه ما تنال ، فتغير في المناهج وتزيد في الأعباء وترمي الحمل على الطرف الأضعف !
إن مشكلة التعليم الأساسية تكمن في ضياع بوصلته ولذلك تجده يمشي بدون هادٍ ، وكلما أبصر نورا تبعه وحين يظن أنه وصل يتفاجأ بأنه عاد لنفس النقطة التي بدأ منها ولم يتقدم خطوة واحدة !
فأين تقع المشكلة ؟
إن التعليم ليس معلمًا أو معلمة فقط ومن هنا يجب أن تنطلق الفكرة الأولى وليس طالبًا أو طالبة فقط وليس منهجًا فقط وليس مبنى فقط إن التعليم مجموعة متكاملة إذا اختل فيها طرف اختل البناء كله ، ولذلك فإننا نقف أمام تحد كبير وليس كما تراه الوزارة بعينها الضيقة ورؤيتها الموجهة إلى طرف دون آخر !
فالتعليم بناء يقوم على الأسرة في المقام الأول ثم المجتمع ثم المعلم ثم الطالب ثم المدرسة ثم التجهيزات ثم المناهج ثم الإشراف ثم مكاتب وإدارات التعليم ثم الوزارة ثم الإعلام ولست هنا معنيًا بالتراتبية فالكل له دور يبدأ ولا ينتهي !
إن الأسرة التي تتابع ابنها أو ابنتها وتحثه على التعلم واحترام المعلم هي أسرة تساهم في رفع مستوى الطالب بينما الأسرة التي لا تعرف في أي فصل يجلس ابنها أو ابنتها هي سبب من أسباب تدهور التعليم !
إن الوزارة التي تضع الحمل كله على المعلم والمعلمة وتثقل كاهلهما بالتكاليف والتعاميم والواجبات والمتطلبات ، وتقصر في توفير كل ما من شأنه إعانة المعلم والمعلمة على أداء رسالتهم وتجعل من المدرسة والمعلم والمعلمة والطالب والطالبة حقل تجارب وتقوم بتغيير سياستها مع كل وزير دون أن تضع لها خطة عشرية أو عشرينية تسير وفقها وتغير في حواشيها دون أن تمس لبها هي وزارة تسهم في تدهور التعليم ، بينما الوزارة التي تضع الأهداف طويلة الأمد وفق ما هو موجود في الميدان دون تصنع أو تعجل في النتائج أو بحث عن سبق في برنامج أو مشروع هي وزارة تسهم في نجاح التعليم !
إن المعلم والمعلمة اللذان يجعلان من التعليم كتابا ينتهيان من شرحه وحل تدريباته وتصحيح واجباته وتسليم دفتر إعداده وإنهاء متطلبات بوابة المستقبل أو عين أو نور أو أي برنامج تستحدثه الوزارة وإشغال حصته من بدايتها حتى نهايتها وتجهيز نفسه لاختبارات الكفايات والرخصة وتوابعها وبطاقات الأداء فإنهما سيكونان سببًا في تدهور التعليم بينما المعلم والمعلمة اللذان يجعلان من التعليم رسالة فيعدان الدروس إعدادا ذهنيا وينوعان في عرضهما ويبحثان عن طرق واستراتيجيات تساهم في إيصال المعلومات ويغذيان طلابهم بالمعارف والعلوم والثقافات ويشرحان دروسهم بكل الإمكانيات الموجودة ويعاملان طلابهم كأبنائهم سيكونان سببًا في نجاح التعليم إذا ساندتهم العناصر الأخرى !
إن الطالب والطالبة اللذان يحرصان على التعلم والبحث عن المعلومة ويعلمان بأن التعليم هو أساس الحياة سيكونان سببًا في نجاح التعليم بينما الطالب والطالبة اللذان يريان من المدرسة مكانًا للهروب من البيت أو نوادي اجتماع مع الأصحاب أو غرف نوم أو أماكن شغب وعبث فهؤلاء هم سبب من أسباب تدهور التعليم !
إن المشرف أو المشرفة اللذان يحفزان المعلم والمعلمة وينقلان لهما التجارب ويعززان جوانب الإبداع لديهم ولا يجعلون همهم كم كتابًا صحح وكم واجبا أعطى وكم اختبارًا وضع وكم درسا أعد وهل وافق الخطة أم خالفها تأخرا أو تقدمًا وكم استراتيجية طبق سيكونان سببًا في نجاح التعليم !
إن البيئة المدرسية التي تخلو من الملاعب المتنوعة والقاعات المجهزة بأحدث الأجهزة والمكتظة بالطلاب حد التخمة والفصول المهترئة والقديمة والمباني المستأجرة أو الحكومية المتهالكة هي سبب من أسباب تدهور التعليم بينما المباني المهيأة والمجهزة والفصول التي لا يتعدى طلابها خمسة وعشرون طالبًا ستساهم في نجاح التعليم !
إن المجتمع والإعلام حين يقدران المدرسة والتعليم والمعلم والمعلمة ويشجعان الطالب والطالبة على التعليم سيساهمان في نجاح التعليم لكنهما حين يمجدان مشاهير الفلس الفكري والعقول الضحلة ويجعلان من التعليم بابا من أبواب التندر فهما سيكونان سببًا من أسباب تدهور التعليم !
إن القائمة تطول ولذلك يجب أن نعلم أن السبب ليس في المعلمين والمعلمات كما يدندن البعض تلميحًا أو تصريحًا وإن سلمنا أنهما طرف من أطراف متعددة ولذلك يجب عند البحث عن المشكلة أن نلم بجميع زواياها ونحلها كاملة حتى نضمن شمولية الحل واستدامته لا وقتيته وتركيزه على جزء وإهمال الباقي !
مسك الختام
لا بأس أن نأخذ تجارب الآخرين الناجحة ونطبقها ، ولكن يجب عند نقل أي تجربة أن تكون كل العناصر متطابقة حتى لا تصبح النتيجة مختلفة !
ارسال التعليق