هل مات سعودي أو أسر دفاعًا عن تيران وصنافير؟
(1)
جبل طارق، منطقة لا تزيد مساحتها عن 7 كم، تفصل بين البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي، وتقع قبالة الساحل الجنوبي لإسبانيا ويعتمد سكانها في تدبير معاشهم على معبر يربطهم بإسبانيا، وبالرغم من ذلك، بريطانيا متمسكة بحق السيادة عليها، طبقا لمعاهدة أوتريشت، التي أبرمت عام 1713 إثر نزاع على عرش إسبانيا، وانتقلت بمقتضاها بعض المستعمرات الإسبانية إلى بريطانيا ومنها جبل طارق.
بعد اتفاقية البريكست، عاد ملف جبل طارق للظهور على السطح من جديد، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجعل هذه المنطقة خارج اتفاقيات الاتحاد، وعليه اقترحت إسبانيا سيادة مشتركة مع بريطانيا على مضيق جبل طارق، ليتاح للمنطقة الدخول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، لكن بريطانيا رفضت وأعلن وزير خارجيتها بوريس جونسون، أن جبل طارق ليس للبيع ولا يمكن مقايضته، ولن تتم المساومة عليه، وأضاف: وضعية جبل طارق لم تتغير منذ عام 1713، ولم يحدث أي فرق عندما انضمت بريطانيا إلى السوق المشتركة عام 1973 وإسبانيا وقتها لم تكن عضوا، وينبغي ألا يحدث الأمر فرقا اليوم، وكتب جونسون على تويتر “مثلما هو الحال دائما فإن المملكة المتحدة ستظل كالصخرة لا تلين في دعمنا لجبل طارق”.
(2)
رئيسة الوزراء البريطانية ماى، أعلنت أن بريطانيا لن تبرم أبدا اتفاقا ينقل سكان جبل طارق إلى سيادة أخرى بعكس رغباتهم التي يعبرون عنها بحرية وديمقراطية، وسبق للسكان أن رفضوا عام 2002 إجراء استفتاء بشأن سيادة مشتركة مع إسبانيا.
منطقة جبل طارق تسبب توترا دائما بين مدريد ولندن، بسبب موقعها الاستراتيجي، بريطانيا تحتفظ فيها بقاعدة مجهزة بمنشآت عسكرية واستخباراتية.
(3)
بريطانيا لاتقبل التنازل عن سيادتها على جبل طارق وتجد أنه لم يتغير شىء في الأمر يستدعي تغيير الاتفاقية المبرمة في القرن الثامن عشر، في حين تجرأت الحكومة المصرية وتنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير، اللتين لم يعرفا طوال التاريخ سوى السيادة المصرية، ولاتوجد وثيقة أو مستند يؤكد ملكية السعودية لهما.
قبل مايسمى المملكة العربية السعودية (التي أسست عام 1932) كانت الدولة المصرية، الممتدة بجذورها لسبعة الآف سنة، حدودها معروفة ومحددة ولا شك فيها، ومن قبل ما يعرف العالم السعودية ويذوق طعم ثرائها النفطي، كانت تيران وصنافير مصرية، بحكم التاريخ والجغرافيا وأعمال السيادة.
(4)
أهمية الجزيرتين تعود إلى أنهما يشكلان ممرات من وإلى خليج العقبة، وتيران على وجه الخصوص تتحكم فى مضيق العقبة، ولا يمكن لعسكري أو سياسي مصري مبتدأ أن يغفل أهميتهما للأمن القومي المصري، ولقد أغلق عبد الناصر مضيق العقبة في 22 مايو عام 1967 متمسكا بحقه في السيادة على أراضيه والمياه الإقليمية المصرية.
وقبل ذلك وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، كانت مصر تؤمن حركة الملاحة في مضيق تيران عبر وجود قواتها على الجزيرتين وكذلك تؤمن مرور سفن الحلفاء وهو ما يؤكد السيادة المصرية على الجزيرتين.
(5)
في اجتماع مجلس الأمن رقم 659 بتاريخ 15 فبراير 1954، كان هناك مناقشة حول شكوى قدمتها إسرائيل في حق مصر، تتهمها فيه أنها تعيق ملاحة السفن الإسرائيلية في قناة السويس وخليج العقبة، وفى ذلك الوقت، تحدث أبا ايبان مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، عن أن مصر تتحدث مؤخرا عن ملكيتها لجزيرتي تيران وصنافير السعوديتين (برجاء الانتباه أن مندوب إسرائيل هو أول من تحدث عن ملكية السعودية للجزيرتين)، حينذاك أفحمه د. محمود عزمى (مندوب مصر في الأمم المتحدة) موضحا أن ما يحاول مندوب إسرائيل أن يصوره على أنه تم مؤخرا، يعود لعام 1906 (قبل قيام المملكة السعودية)، حين انتهى الأمر بإقرار الدولة العثمانية بتبعية وحيازة مصر للجزيرتين طبقا لخطابات موجهة من السلطان العثماني للحكومة الخديوية، وظلت الجزر تحت حيازة وإدارة مصر طوال الوقت وأثناء الحرب العالمية الأولى والثانية مارست مصر عليهما أعمال السيادة والإدارة، وأضاف عزمي، في كلمته المحفوظة بالسجلات الرسمية لمجلس الأمن أن «اتفاقية بين مصر والسعودية خلصت إلى الاتفاق على ملكية مصر للجزيرتين، والأكثر أهمية هو الاعتراف بأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من الأراضى المصرية».
كانت هذه الجلسة بحضور الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومندوب لبنان في الأمم المتحدة وغيرهم، ولم يعارض أحد ما جاء به محمود عزمي مشككا في ملكية مصر للجزيرتين، ولم نسمع عن اعتراض مندوب السعودية فى الأمم المتحدة على ماقاله مندوب مصر، والمفترض أن يكون لدى الخارجية المصرية أصل الاتفاقية التي تحدث عنها عزمي، فلا يمكن أن يكون رجل يمثل مصر في الأمم المتحدة يهذي بكلام غير موثق ويجازف بمصداقية مصر في المحفل الدولي.
(6)
ذكر الفريق عبدالمنعم خليل، قائد قوات شرم الشيخ خلال حرب يونيو 1967، في كتابه «حروب مصر المعاصرة في مذكرات قائد ميداني» في الصفحتين 81 و82 أن قيادة الجيش المصري طلبت من السعودية إنقاذ الجنود المصريين المكلفين بتأمين جزيرة تيران، نظرا لتعذر إجلائهم بعد انسحاب القوات المصرية من سيناء، قبل وصول الإسرائيليين إليهم، وهو ما لم تقم به المملكة، ووقع الجنود المصريين في أسر العدو الإسرائيلى دفاعا عن أرضهم، وطبقا لما صرح به الفريق عبد المنعم خليل لموقع التحرير الإلكتروني، فإن جزيرتي تيران وصنافير شهدتا العديد من تضحيات قوات الصاعقة والبحرية المصرية، من أجل تحريرهما من أيدي العدو الإسرائيلي.
هل يعقل أن يتم التنازل عن جزيرة مات وأسر عليها جنود مصريين لدولة لم يطأ جندي فيها أرضها، ولم تعرف يوما غير رائحة عرق المصريين ودمائهم الزكية.
(7)
بعيدا عن الحكم الأخير لمحكمة الأمور المستعجلة في شأن تيران وصنافير، وبعيدا عن الجدل العقيم حول سعودية تيران وصنافير، فإن التاريخ سيسجل اسم أي شخص، مهما كان موقعه، يساعد على تمرير اتفاقية ترسيم الحدود والتنازل عن الجزيرتين للمملكة، في سجل العار والخزي، من يبيع تراب وطنه ويقايض به لايستحق أن يعيش تحت سماء هذا الوطن.. أرض مصر ليست للبيع أو المقايضة.
ومحاولة كسر كرامة هذا الشعب الصبور عن عمد أو عن جهل، استخفافا بالمواطن المصري ومشاعره سيكون لها أسوأ التبعات.
انتصار الحكومة ونظام السيسي في معركة الجزيرتين، لو حدث، سيكون انتصارا بطعم الهزيمة والعار، وسيكون ثمنه فادحا وعواقبه وخيمة في المستقبل القريب.
بقلم : مي عزام
ارسال التعليق