وثائق تاريخية: آل سعود اعترفوا بـ”إسرائيل” بمداولات رسمية سابقا
بقلم: منصور البقشي...
كشفت وثائق بريطانية، نُشرت مؤخراً بمقتضى قانون حرية المعلومات، جزءًا من مباحثات بشأن القضية الفلسطينية وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد أوين، والملك السعودي السابق خالد بن عبد العزيزآل سعود، في القصر الملكي في الرياض أواسط شهر مايو عام 1977.
وجاءت زيارة أوين للرياض في أثناء نقاشات دولية بعد أربع سنوات من حرب أكتوبر عام 1973، بشأن عقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط.
كما سبقت المفاوضاتِ المصرية الإسرائيلية المنفصلة التي أدت إلى اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 ثم اتفاقية السلام بين مصر والميان الصهيوني في العام التالي.
في الوقت نفسه، كانت إدارة أميركية جديدة بقيادة جيمي كارتر، تعمل على إيجاد صيغة لجمع أطراف الصراع في الشرق الأوسط للتفاوض.
كما كانت المملكة المتحدة الرئيس الدوري لمجموعة التسع الأوروبية الاقتصادية (الاتحاد الأوروبي لاحقاً).
في هذا الوقت أيضاً، أُرسل أوين، الذي كان قد تولى منصبه قبل شهور قليلة، إلى الرياض لبحث أزمة اقتصادية يواجهها العالم وكان أبرز تجلياتها ارتفاع معدلات التضخم وأسعار النفط. موقف سعودي مشجع لـ”اسرائيل”! وحسب محضر اللقاء، وصف أوين المشكلة الفلسطينية بأنها “بلا شك الأكبر في الشرق الأوسط”.
وعبّر عن أمل في نجاح مساعي الرئيس كارتر في علاجها.
ورد الملك خالد قائلا إن “المشكلة فعلا سهلة للغاية”، مضيفاً أن المطلوب هو” العدالة والإنصاف فقط”.
وأكد للوزير أن “كل ما هو مطلوب قرار منصف من جانب القوى التي يمكنها التأثير في الأمور”.
وأضاف أنه “لا يطلب أن يأخذ هؤلاء موقف أي جانب بشكل مطلق، فقط ينبغي عليهم النظر إلى المشكلة نظرة عادلة”.
ورد أوين بأنه “لابد من تسوية تتضمن حلاً وسطاً لو أريد التوصل إلى نتيجة ناجحة” لمساعي إنهاء الصراع.
وأقر بأن “درجة الاستعداد التي أبداها الزعماء العرب، وفي المقدمة جلالة الملك خالد، للوصول إلى حل في الوقت الحالي مشجعة”.
ووفق تصور الملك خالد حينها، فإن انسحاب “إسرائيل” الكامل من كل الأراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967 ضروري.
وقال “أخذ الإسرائيليون فلسطين كلها وأيضا أجزاء من مصر وسوريا، ويجب أن ينسحبوا من الأراضي التي احتلوها بشكل غير قانوني”.
ووافق أوين على الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة. وهذا يؤكد أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، الذي صاغته بريطانيا في نوفمبر عام 1967، قُصد به الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة وليس جزءا منها.
ورد أوين على الملك قائلا إنه “يجب أن يُعطى الإسرائيليون أسباباً قوية للإيمان بأنهم سوف يتمتعون بالأمن”.
غير أن الملك رد قائلا: “ليس لدى الإسرائيليين ما يخشونه، بل العرب هم الذين لديهم سبب للخوف من العدوان”.
واعتبر أن “التهديد معكوس”، أي أن “إسرائيل” هي التي تهدد العرب.
وهنا، تدخل سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الراحل، شارحا وجهة نظر الملك قائلا إنه يجب “التمييز بين تهديد محتمل، وتهديد واقع”، واصفا “المخاوف” الإسرائيلية بأنها “وهمية مُتخيلة”.
ومع ذلك، قال الملك إن النظام السعودي “مستعدة لدراسة أي وسيلة للوصول إلى حل”، وطالب بريطانيا بأنه “لا بد من حل القضية الفلسطينية”.
وأجاب أوين ملفتاً إلى أن هناك “تطورا هائلا في وجهات نظر الزعماء الغربيين”. وأشار إلى أن الدليل على هذا هو أن” الأهمية المركزية للقضية الفلسطينية هي الآن مقبولة عموما”.
ووصف هذا القبول بأنه “تغير ملحوظ للغاية عن الاتجاهات حتى التي كانت قبل خمس سنوات”.
وفي ختام النقاش بشأن القضية الفلسطينية، حذر الملك خالد البريطانيين من عواقب استمرار المشكلة لمدة 30 عاماً على المصالح العربية والغربية معاً.
فهد يعترف بدولة إسرائيل:
فيما يسارع العرب اليوم إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، كان ولي العهد السعودي السابق فهد بن عبد العزيز أول من اعترف بالكيان الصهيوني وذلك عام 1977.
فخلال زيارته للمملكة، التقى أوين مع ولي العهد السعودي الأمير فهد بن عبد العزيز، والأمير سعود الفيصل، كل على حدة. وفي كلا اللقاءين كانت القضية الفلسطينية على رأس قائمة قضايا المباحثات.
وكشف الأمير فهد للوزير البريطاني عن سبب عدم تدخل النام السعودي المباشر ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي في الصراع بين عامي 1954 و1967. وأشار إلى الصراع الشرس بين مصر بقيادة جمال عبد الناصر والمملكة في تلك الفترة.
وقال “تجنبت “السعودية” المواجهة المباشرة مع “إسرائيل”. فالتدخل السعودي الأكبر كان فقط سيعقد الوضع ويزيد من تأجيل الوصول إلى حل”.
وصارح ولي العهد السعودي أوين بأن المملكة تقبل فكرة وجود “إسرائيل” كجزء من الشرق الأوسط رغم أنها لم تعترف بحقوق الفلسطينيين. وقال الأمير فهد “لا أحد الآن يفكر في محو “إسرائيل”. “إسرائيل” دولة موجودة في منطقة الشرق الأوسط”.
وتزامن لقاء فهد وأوين مع استعداد الأمير السعودي لزيارة الولايات المتحدة للقاء الرئيس كارتر “كي يشرح له كيفية تفكيره” في سبل حل الصراع بين العرب وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وتحدث فهد عمن وصفهم بالمتطرفين والمتعصبين الإسرائيليين الذين “ما زالوا يعتقدون بفكرة الانتصار النهائي”، الذي أكد أنه لن يحدث. وأرجع ذلك إلى أن “هناك الآن 100 مليون عربي، لديهم الموارد البشرية في صورة قوات مسلحة متينة، ولديهم موارد مادية وطاقة ومستويات مرتفعة من المهارة والتعليم والمساعدة من الخارج”.
وخلص من هذا إلى أنه “من المستحيل أن تحقق “إسرائيل” انتصارا نهائيا”، مضيفا أن ” الزعماء العرب، لهذا السبب، مستعدون للعمل من أجل تطوير العلاقات مع “إسرائيل”، كي يمكن أن تكون هناك نهاية لحالة الحرب”.
توافق سعودي بريطاني:
وعبّر الأمير فهد عن قناعته بأن “دور ومصالح بريطانيا هي نفس دور ومصالح السعودية”.
وأنهى الأمير فهد كلامه بأنه “لا يطلب من المملكة المتحدة أن تقف بجانب العرب ضد إسرائيل”، لكنه “لا يتوقع أن تقف المملكة مع الإسرائيليين ضد العرب” في تلك المرحلة.
وفي رده، أبدى الوزير البريطاني “اتفاقه مع تحليل” فهد، لـ”المشكلة الفلسطينية”، مضيفا أنه ستكون هناك “عواقب كبرى” لو ضُيعت الفرصة التي رآها متاحة لتسوية النزاع. وعبّر عن اقتناعه بأن “النفوذ السوفيتي (في الشرق الأوسط) سيزيد بسرعة، كما ستختفي المجتمعات القائمة على القيم التي تتمسك بها “السعودية” والغرب”. وبدا أنه يعول بقدر هائل على الرئيس كارتر لتسوية الصراع. ووصفه بأنه “رجل استثنائي رائع”، وتوقع أن “يستمتع الأمير فهد بلقائه”.
وأشاد بالرئيس المصري أنور السادات الذي عبّر عن اقتناعه بأنه “مستعد للمخاطرة في مواجهة الرأي العام في بلده لمصلحة تحقيق تسوية”.
القدس في المساومة السعودية البريطانية:
أثار أوين مسألة القدس التي قال إنها “غالباً ما تُترك للنهاية”، في الحديث عن مساعي التسوية. ورد فهد واصفاً المشكلة بأنها “بالغة الأهمية بالفعل”.
وقال إنها تتعلق بـ”مسألة العبادة الدينية للمسلمين والمسيحيين واليهود”. ورأى أن الحل هو العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل حرب عام 1967، التي احتلت فيها “إسرائيل” شرق القدس. وحذر من أنه “إذا اتخذت “إسرائيل” موقفاً لا يقبل بوضع ما قبل عام 1967، فإن المشكلة عندئذ ستصبح خطيرة للغاية”.
كان وضع القدس أحد القضايا الرئيسية التي ناقشها سعود الفيصل مع نظيره البريطاني. إذ عبّر الفيصل عن اعتقاده بأن القدس مهمة بالنسبة لـ”إسرائيل ليس لأسباب استراتيجية أو سياسية، بل لأسباب دينية خالصة”. وعن موقف نظامه، أوضح الفيصل بأن فكرة أن يكون هناك شكل ما من أشكال السلطة الدينية تحكم المدينة القديمة “لن تكون مقبولة لدى السعوديين”. وشكك في جدوى فكرة التدويل التي قال إنها “سوف تقحم السياسة في قضية دينية”، ووصف هذا بأنه “خطأ”.
ورد أوين بالموافقة على أن جوهر مشكلة القدس ديني. واستعرض الحلول المقترحة، مشيرا إلى التدويل. وسأل أوين عما إذا كان يمكن أن يقبل العرب حكومة ذات سلطات دينية، أي دولة داخل الدولة، على غرار دولة الفاتيكان داخل إيطاليا.
فرد فهد قائلا إن تجربة الفاتيكان “ليست مشجعة”، وشدد على أنه “أياً كان الحل، فإنه يجب ضمان حرية العبادة”.
ارسال التعليق