السلطات السعودية تمرر التطبيع عبر أذرعها الإعلامية
إمعانا في التصهين وتهيئة لتمرير التطبيع الرسمي مع الاحتلال الصهيوني، ضمت صحيفة عرب نيوز السعودية الصادرة باللغة الإنجليزية، إلى طاقمها الحاخام اليهودي الأميركي مارك شناير، الذي يرأس مؤسسة التفاهم بين الأديان، وخصصت له عمود يكتب به بشكل منتظم، ليصبح بذلك أول زعيم ديني يهودي يكتب بانتظام لإحدى الصحف السعودية.
الحاخام مارك شناير، من مواليد 26 يناير/كانون الثاني 1959، ومن قادة اليهود الأميركيين، وتربطه علاقات وثيقة بنظم الحكم في الخليج، وعمل مستشارا لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة لشؤون التسامح، ومهد لإعلان المنامة تطبيعها مع الاحتلال الصهيوني، في عدة تصريحات له سبقت الإعلان الرسمي الذي تم برعاية أميركية في 11 سبتمبر/أيلول 2020.
الحاخام اليهودي الأميركي، المتزوج من صهيونية، والملقب بحاخام التطبيع، يعرف في الصحف العبرية بأنه صاحب الزيارات المكوكية ضمن وفود يهودية لعدة دول عربية وخليجية، أبرزها البحرين والسعودية والإمارات وقطر، وحظي بترحيب حار في قصورهم، والتقى بمسؤولين رفيعي المستوى من الأمراء والملوك والدوائر الضيقة من مراكز الحكم والسلطة.
شناير الذي يرأس مؤسسة “التفاهم العرقي” التي تأسست عام 1989 ومقرها نيويورك، بدعوى السعي لتحسين العلاقات بين المسلمين واليهود، استضافته وزارة الخارجية السعودية، في 15 يناير/كانون الثاني 2020، والتقى وزير الخارجية فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الدولة عادل الجبير، والتقطت لهم الصور التذكارية.
تخصيص صحيفة عرب نيوز، عمود له لكتابة آراءه لم تكن السقطة الأولى لها، فهي تضم إلى طاقمها صحفيين مؤيدين للتطبيع مع الكيان الصهيوني ومروجين له في كتاباتهم الصحفية وعلى صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أبرزهم رئيس تحريرها فيصل عباس، الذي أثنى على التطبيع بين الكيان الصهيوني والإمارات إبان إعلانه في أغسطس/آب 2020.
كما دأبت الصحيفة التي تلتزم بخط تحريري مفترض أنه معبر عن رأي السلطة السعودية، على استفزاز مشاعر العرب والفلسطينيين والسعوديين الرافضين للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ففي 19 سبتمبر/أيلول 2020، هنأت اليهود بالسنة العبرية الجديدة في صدر صفحتها الأولى، وتلقفت صحف صهيونية الخبر وأعادت نشره مرة أخرى.
وسبق أن أعطت الصحيفة مساحة للصهيونية الأميركية المعادية للشعب الفلسطيني إيرينا تسوكرمان، التي ترافق الأمين العام لرابطة العام الإسلامي محمد العيسى، في زياراته الخارجية، مساحة لكتابة مقالا تحدثت فيه عن جهود العيسى للتطبيع، ووصفها مراقبون بأنها العقل المدبر للقاءاته بلوبيات صهيونية تطمح لتعزيز التطبيع.
وتحدث مراقبون عن أن إيرينا ترافق العيسى في كل تحركاته المكوكية حول العالم منذ توليه منصب رئيس رابطة العالم الإسلامي، وتخطط له مع فريق من الصهاينة، بهدف إثبات عدم وجود عداء بين المسلمين وبين المحتلين الصهاينة، بل أن للصهاينة حق أصيل في احتلالهم الحالي، والمستقبلي.
وهو ما يتسق مع ما سبق وصرح به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في إحدى لقاءاته الصحفية التي تحدث خلالها عن ما أسماه حق الشعب اليهودي في أن يكون له دولة قومية في فلسطين، بالإضافة إلى زعمه بوجود الكثير من المصالح التي يتقاسمها مع الاحتلال.
ويعد العيسى جزءاً من مساعي السلطة السعودية لشرعنة التطبيع مع الاحتلال الجاري على قدم وساق منذ وصول بن سلمان إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، والذي تصفه حسابات نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ”الأمير اللاهث نحو التطبيع”، إذ وقع مع المؤسسة التي يرأسها مارك شناير وتتخذ من نيويورك مقراً لها اتفاقية تعاون في 2019.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، زار الشيخ الذي يرى المقاومة الفلسطينية ضد الصهيونيين عنفا غير مشروع، معسكر أوشفيتز في مدينة وارسو البولندية، حيث الإبادة الجماعية لنحو مليون و100 ألف يهودي إبان الحرب العالمية الثانية، إحياء للذكرى الـ 75 للمحرقة اليهودية، وأدى الصلاة في المعسكر.
وللعيسى سوابق عدة في تمرير التطبيع مع الكيان الصهيوني والتواصل مع اليهود، وتبشيره مؤيدي السياسات الصهيونية ورعاتها بالتنوّع والانفتاح، في حين يُهمل تماما ذكر الفلسطينيين أو الحديث عن حقوقهم، بعد أن كانت القضية الفلسطينية هدفًا أساسيًا من أهداف تأسيس الرابطة التي يرأسها.
بدوره، أدان “منتدى الإعلاميين الفلسطينيين” بقطاع غزة، اليوم الإثنين، ضم صحيفة سعودية، حاخام يهودي، لطاقمها، واصفة الخطوة بأنها “اختراق خطير لوعي الأجيال العربية”، قائلا إنه ينظر بعين الاستغراب والدهشة لضم صحيفة (عرب نيوز) السعودية إلى طاقهما الحاخام مارك شناير لكتابة عمود بشكل منتظم فيها.
وعدّ في بيان له، التعيين بأنه “دعم مرفوض لرواية الاحتلال الكاذبة، وترويجاً لسمومه الفكرية في الوسط العربي، فضلاً عما يمثله ذلك من طمس لجرائم الاحتلال بحق المقدسات الإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، وتنكّر لعذابات حوالي 20 صحفي فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال”.
وحذر المنتدى، من أن فتح المجال أمام شناير لمخاطبة الجمهور العربي يُشكّل اختراقًا خطيرًا لوعي الأجيال العربية، ويقدم خدمة مجانية للاحتلال دون أدنى جدوى عربية من هكذا تطبيع، مجددا رفضه للتطبيع الإعلامي مع الاحتلال الصهيوني بكل صوره وأشكاله، وحذر من مغبة الترويج للتطبيع الإعلامي بأي شكل من الأشكال باعتباره طعنة في خاصرة الإعلام الفلسطيني.
وأكد المنتدى في الوقت ذاته أن التطبيع الإعلامي يضر بالإعلام الفلسطيني الذي ينقل للعالم معاناة الشعب الفلسطيني من انتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي البغيض، مطالبا الاتحاد العام للصحفيين العرب بالتصدي لكل أشكال التطبيع الإعلامي مع الاحتلال الصهيوني، وعدم السماح بهذه المهزلة التي تزيد آلام الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن الإعلام الصهيوني يتفنن في تشويه صورة الشعب الفلسطيني ووسم نضاله الوطني المشروع بالإرهاب، داعيا وسائل الإعلام المحلية والإعلام الفلسطيني إلى إبراز الرفض الشعبي للتطبيع مع الاحتلال بمختلف صوره وأشكاله، وحماية الوعي الفلسطيني والعربي من الاختراق ومحاولات التزييف وتزيين صورة الاحتلال.
ومن جانبه، قال الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض يحيى عسيري، إن كل الخطوات التي تقوم بها السلطات السعودية وأذرعها سواء كانت الإعلامية، أو السياسية، أو الدينية، باتجاه التطبيع تعري السلطات، وتؤكد أن كل همها هو البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة وبأي طريقة دون التزام قيمي أو أخلاقي.
وأضاف في حديثه مع الرأي الآخر: “كنا كلما نقول إن السلطات مطبعة وغير مستأمنة على أيٍ من الحقوق سواء كانت حقوق الشعب السعودي أو دول الجوار كما يحصل في اليمن أو حقوق الشعب الفلسطيني، كان هناك من يخرج علينا ويقول إننا نبالغ، فها هي السلطات تفضح نفسها كل يوم، وتوضح للعالم أنها بلا قيم ولا أخلاق”.
وتابع عسيري: “ما نقوله نحن للعالم إن هذه المؤسسات لا تعبر عن الشعب الواقف مع الحق الفلسطيني والحقوق الأخرى”.
فيما قالت عضوة التجمع الوطني السعودي الدكتورة نيبال علي، إن هذا الحاخام ليس غريب عن الصحافة السعودية فهو يكتب في عرب نيوز منذ أيام الملك عبدالله، وله مقالات كثيرة ولكنها لا تحمل ذاك التأثير في الصحافة، مشيرة إلى أنه له علاقات قوية مع حكومة السعودية والبحرين والإمارات.
ورأت في حديثها مع الرأي الآخر، أن منحه عامود للكتابة في صحيفة عرب نيوز بهذه الشكل العلني القذر، هو لفرض التطبيع بالقوة على الشعب السعودي، واستكمالاً للتطبيع السياسي والاقتصادي.
وأضافت نيبال: “لا يخفى على أحد أن السلطة السعودية على استعداد لطمس الدين كله لتجد حليفا يساعدها، فهي تعلم كم هي هشة وضعيفة لا تستطيع أن تكمل الطريق دون قائد لها تحتمي خلف ظهره، وهذا ما شعرت به بعدما لفظتها الحكومة الأميركية التي يرفض رئيسها جو بايدن، الحديث إلى ولي العهد محمد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة”.
ورأت أن كتابة الحاخام اليهودي الأميركي في صحيفة سعودية ناطقة باللغة الإنجليزية، يستهدف تصوير الوضع لدول الخارج بأن السعوديين حكومة وشعب مرحبين بهذا التطبيع ومستعدين للتعايش مع الصهاينة، لكنهم نسوا أن الإعلام الغربي كشف كذبهم أكثر من مرة فأصبحت في عيونهم سلطة كاذبة لا يمكن الوثوق فيها.
وأكدت عضوة التجمع الوطني، أن الشعب السعودي أصبح أكثر وعياً وقدرة على فهم السلوكيات المسيئة من السلطة وبات لا يتقبل محاولاتها للتقارب مع الصهاينة، وكلما زادوا رغبة في التطبيع يرتفع صوت السعوديين تغريدا في هاشتاق #التطبيع_خيانة.
ارسال التعليق