السينما السعودية في زمن MBS: فن تمجيد الخاسر!
بعد عقود طويلة من التشدّد وحوالى أربع سنوات على رفع الحظر عن صناعة السينما في السعودية، بحجة التجديد المجتمعي، أُصدرت تراخيص حكوميّة للراغبين في فتح صالات سينمائيّة في السعودية. القرار كان حجر الأساس لوضع المملكة على الخارطة السينمائية. الخطوة التي أثارت الترحيب في المملكة والعالم، لا تُنسينا، هواجس الرقابة في مملكة يعدّ أنفاسها ديكتاتور صغير، لا يأمن شرّه صحافي، استُدرج وقُطِّع في قنصلية بلده أمام أنظار الجميع، ولا وزير إعلام دولة عربية قدم استقالته درءاً لغضب الأمير من كلمة حقّ ضد حرب اليمن التي يغرق في رمالها منذ سنوات. اليوم، انتهت الكثير من القيود الدينيّة، بعد الحملة التي شنّها ولي العهد محمد بن سلمان على رجال الدين، ممّا سمح بإقامة الحفلات الغنائية والموسيقيّة، والإفساح في المجال أمام بعض التحوّلات الاجتماعية. أمر ساعد على حرف الأنظار عن سجلّ المملكة الحقوقي.
وضعت الرياض القاعدة الأولى لتأسيس صناعة للسينما، مع توفير ميزانية ضخمة بلغت حوالى 64 مليار دولار، إلى جانب إعلانها التعاون مع جهات أجنبية، أهمها، منصة نتفليكس التي أطلقت شراكة مع الاستوديو السعودي «تلفاز 11» لتقديم إنتاج محلّي، بدأ بعرض «ستّة شبابيك في الصحراء». المشروع عبارة عن ستّة أعمال سينمائيّة تتناول قضايا دينيّة واجتماعيّة سعودية. أضف إلى ذلك التوقيع مع شركة «مينومو» الإسبانية المتخصّصة في صناعة السينما، التي أعلنت عن نيّـتها استثمار نحو 250 مليون دولار في السوق السعودية، من خلال عمل استشاري مع شركة محليّة لتوطين المحتوى السينمائي وتدريب الكوادر السعودية.
حفلات الترفيه روّجت لها الأوساط المحيطة بولي العهد بن سلمان، كونها «استراتيجية لخلق معنى جديد وعصري للهوية الوطنية!». هوية ناشئة ستكلّف ميزانية البلاد المنهكة مليارات الدولارات. ويتخوّف نشطاء وسينمائيّون من سيف الرقابة، خصوصاً بعد نشر بيان لوزارة الثقافة السعودية، رسمت فيه الخطوط الحمر والحدود المسموح بتناولها. جاء في البيان: «محتوى العروض سيخضع للرقابة وفق معايير السياسة الإعلامية للمملكة» بشكل «يتوافق مع القيم والثوابت المرعية بما يتضمن تقديم محتوى مثير وهادف لا يتعارض مع الأحكام الشرعية ولا يخل بالاعتبارات الأخلاقية في المملكة». يعارض ذلك كاتب سيناريو ومسرحي سعودي، كتب لنا رداً على الرقابة في السعودية الجديدة: «من خلال تجربتي، الرقابة في السعودية باتت أكثر تساهلاً والسقف عالياً. هناك نصوص لي سُمح بها ورفضت في دول أخرى».
المثير للسخرية، أنّ تكوين «الهوية» السلمانية المهووسة بالشخصيات العظيمة والقادة الكبار، يتم على يد فرق أجنبية! إذ أعلنت جمعيات وشركات تابعة لولي العهد، عن تمويلها فيلم الأنيمشين السعودي الياباني «الرحلة» (2021 ــ إخراج كوبن شيزونو)، الذي استحضر من كتب التاريخ قصة أبرهة الحبشي الآتي لهدم الكعبة واحتلال مكة المكرمة. حملة تدميرية تصدّى لها رجل شجاع، سلاحه «الإيمان»، ضد «السواد القادم من اليمن»، التي يشنّ عليها ابن سلمان وشريكه ابن زايد حرباً مدمّرة منذ ما يُقارب سبع سنوات. أفلام وسيناريوهات وأموال طائلة تم ضخّها في صناعة السينما لتغيير الرأي العام في الخليج والعالم الرافض للحرب.
الخطوة السينمائية السعودية تبعتها فيها منافستها الإماراتية، حين أعلن محمد بن زايد، عن تمويله رواية بلاده للحرب، عبر شرائه إمكانات هوليوود، لتعزيز صناعة ما يُعدّ أضخم إنتاج سينمائي باللغة العربية في الخليج. إنّه فيلم «الكمين» الذي يسرد ـــ بحسب السلطات الإماراتية ــــ قصة إنقاذ مجموعة من الجنود الإماراتيّين رفاقاً لهم وقعوا في كمين للمقاومة المحلّية، بالقرب من سواحل المخا غرب اليمن. جرت أحداث الكمين الحقيقيّة عام 2018. الشريط الذي أخرجه الفرنسي بيار موريل (إنتاج: «إيه جي سي إنترناشونال» و«إيمج نيشن أبو ظبي») شارك فيه طاقم عمل مؤلّف من حوالى 400 ممثّل. وفي معرض ردها على الفيلم الإماراتي، قامت جماعة «أنصار الله» اليمنية، بعرض مشاهد مصوّرة تكذّب رواية أبو ظبي. اهتم «الإعلام الحربي» بتوثيق لحظة المعركة ونهايتها، فاكتشفنا فرار الجنود الغزاة من أرض المعركة، تاركين زملاءهم يواجهون الموت على يد المقاومة اليمنية. الضجة الإماراتية التي رافقت عرض الفيلم، سخر منها ناشط يمني عبر تويتر، بالقول إنّ «ما لم تحقّقه أبو ظبي على أرض المعركة، ذهبت لتحقيقه في السينما».
ولا تزال الحرب على اليمن، وجولات التطبيع مع الصهاينة وكيفيّة إدارة الصراع مع إيران في المنطقة، تشكّل العناوين المفضّلة لمحمد بن سلمان، وامبراطوريّته الإعلاميّة المجهّزة بأبواق تعمل على التحريض ليل نهار ضد الجار الإيراني. بعد قرار ابن سلمان وضع اليد على قنوات mbc، كشفت الشبكة السعودية وAGC studios الأميركية، عن فيلم يعرض على mbc قريباً، يحمل اسم «محارب الصحراء». تصوّر أحداثه في شمال السعودية وتحديداً بين تبوك ومدينة «نيوم»، جوهرة تاج ولي العهد الطموح، بميزانية قاربت 100 مليون دولار، من إخراج البريطاني روبرت وايات، وبطولة السوري غسان مسعود، والأميركي أنتوني ماكي، والبريطانية من أصل سعودي عائشة هارت، التي تلعب دور هند بنت النعمان بن المنذر ملك الحيرة. بسبب رفضها الزواج من الملك الساساني كسرى الثاني (بحسب رواية تاريخية ضعيفة)، اندلعت أكبر مواجهة بين الفرس والقبائل العربية التي أوقف رفض الأميرة، الحروب والتناحر في ما بينها، للتوحّد ضد «برويز» في معركة «ذي قار»، مسجّلين أول انتصار عربي على الفرس قبل ظهور الإسلام. نزولاً عند رغبة الأمير المهووس بالقيادة، ابتدع كاتب السيناريو شخصية «حنظلة» (أنتوني ماكي)، وهو قاطع طريق بنكهة الفارس الشجاع، وتصدّيه لإنقاذ آخر ملوك المناذرة وابنته الهاربين من أفخاخ رجال كسرى.
سبق استحضار النسخة السينمائية من القصة التاريخية، استمرار التحريض الإعلامي على ايران بلغة طائفيّة مقيتة، كون «العداء الفارسي للعرب قديماً، يأبى أن يموت، حتى بعدما دخل الإسلام ديار فارس قبل 14 قرناً». وبحسب رأي كتاتيب البلاط، لا يستقيم ذلك إلّا باتّباع النهج الجديد لمشايخ مدن النفط المستحدثة، العاملين على جمع العرب لمواجهة «المدّ الفارسي الغاشم». لكن لحسن حظنا جميعاً، إنّ «شجاعة الشجعان» هذه، سنراها فقط عبر شاشة السينما!
ارسال التعليق