دور الضربة الايرانية في انهيار خطة الناتو العربي العبري
بعد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية واسعة النطاق على الأراضي المحتلة، والتي أدخلت قواعد اللعبة ومعادلات الردع في المنطقة إلى مرحلة جديدة، من المتوقع أن تشهد خطوط وترسيم التحالفات الإقليمية أهمية كبيرة في التغيرات والتطورات، ورغم أن الدول الغربية، كما كانت دائما، ثابتة في دعم أمن الكيان الصهيوني في مواجهة عمليات الحرس الثوري الصاروخي والطائرات المسيرة ضد الأراضي المحتلة، وتمكنت من تدمير عدد من الطائرات دون طيار قبل وصولها إلى أعماق الأراضي المحتلة، إلا أن الأمر اللافت في هذه الهجمات، هو مشاركة بعض الدول العربية في المنطقة، والتي يقال إنها لم تدخر جهداً لدعم الصهاينة، جنباً إلى جنب مع الغربيين.
وزعمت بعض وسائل الإعلام والمسؤولين الصهاينة أن عددا من الدول العربية في المنطقة شاركت في اعتراض وتدمير الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، ودفعت هذه التصريحات السلطات السعودية إلى نفي أي مشاركة في هذا التحالف، إلا أن الحكومة الأردنية أعلنت رسميا مشاركتها في اعتراض طائرات مسيرة إيرانية، ولهذا السبب تعرضت لانتقادات شديدة من قبل الرأي العام في العالم الإسلامي، وبررت السلطات الأردنية اعتراض الطائرات المسيرة الإيرانية بحماية أمنها وسلامة أراضيها، لكنها من حيث المبدأ سارعت إلى الدفاع عن أمن الصهاينة.
مساعدة الأردن للكيان الصهيوني، والتي انطلقت من علاقاتهما المتشابكة منذ عقود، لم تكن بعيدة عما كان متوقعا، لكن عدم لعب الدول العربية في الخليج الفارسي أدوارا كان له آثار كبيرة على عمليات الكيان الصهيوني والولايات المتحدة في تشكيل ما يسمى "التحالف العبري العربي"، ووفقا لخطة الناتو، فإنه سيكون عربيا، وقبل عملية "الوعد الصادق" ترددت أنباء غير رسمية عن تعاون خلف الكواليس لبعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني للهروب من الحصار الاقتصادي.
وفي هذا الصدد، أعلنت قناة الجزيرة القطرية في تقرير لها الأسبوع الماضي أن الطريق البري واللوجستي لإرسال المساعدات من الإمارات والسعودية والأردن إلى الأراضي المحتلة صحيح، ونظرا للأوضاع المتوترة في البحر الأحمر التي عطلت مرور السفن الصهيونية، يحاول شيوخ خليج فارس مساعدة "إسرائيل" حتى لا تواجه مشكلة في توفير الاحتياجات الأساسية، إلا أن الضربة الإيرانية وجهت ضربة قاسية لأفكار العرب وتوقعاتهم النظرية حول كفاءة وإمكانات التحالف مع الصهاينة.
إن تعاون بعض العرب لمواجهة قوة إيران في المنطقة ليس خبرا جديدا، وفي السنوات الأخيرة، وتحت تأثير السياسات الأمريكية، حاول المتفقون العرب تشكيل تحالف عبري عربي بهدف مواجهة الصواريخ والطائرات دون طيار الإيرانية، ولكن نظراً لرفض بعض الدول الانضمام إلى هذا التحالف، ظلت هذه الخطة حبراً على ورق.
واعتقدت الدول العربية أنه من خلال التحالف العسكري مع الكيان الصهيوني يمكنها كبح قوة إيران ونفوذها في المنطقة وضمان الأمن المهتز للعرب والصهاينة، إلا أن هبوط الصواريخ الإيرانية في عمق الأراضي المحتلة أثبت أن اللجوء إلى هذا الكيان من أجل ضمان أمن العرب أمل كاذب، ولأن "إسرائيل" لم تكن قادرة حتى على الدفاع عن أمن مواطنيها، وبالتأكيد لولا دعم أمريكا والغرب لكان من الممكن أن تلحق بالمناطق أضرار أكثر خطورة.
ووقعت الإمارات والبحرين العديد من الاتفاقيات الأمنية مع الكيان الصهيوني في السنوات الثلاث الأخيرة لتعزيز منظومتهما الدفاعية، لكن لم يتخذ الصهاينة أي إجراء جدي حتى الآن، لأن هدف الصهاينة من الدخول والتسلل إلى الدول العربية في المنطقة هو الخروج من العزلة التاريخية وتعزيز قواعدهم الأمنية في مواجهة محور المقاومة.
لقد حاول الصهاينة دائمًا الحفاظ على التوازن الإقليمي لمصلحتهم ومنع العرب من اكتساب القوة في المجال العسكري، كما عارض قادة تل أبيب بشدة بناء محطة للطاقة النووية في المملكة العربية السعودية من قبل الأمريكيين، كذلك كتسليم طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى الإمارات، ولذلك فإن الصهاينة لن يساعدوا أبدا عرب المنطقة على تعزيز قوتهم الدفاعية.
ومن الواضح أن أي تعاون بين العرب و"إسرائيل" سيمر من بوابة التطبيع السعودية، ولن يكون هناك تحالف حتى يستسلم السعوديون لهذه القضية، ورغم أن بعض المسؤولين السعوديين زعموا في منتصف حرب غزة أنهم سيستأنفون تطبيع العلاقات في حال تشكيل الدولة الفلسطينية وتوقف الصراع في الأراضي المحتلة، إلا أن هناك حاليا خلافات في الرأي بين الرياض وتل أبيب، لذلك، طالما لم تتخذ السعودية خطوة نحو التطبيع، فإن الدول العربية الأخرى ستنتظر وتمنعها من الانضمام إلى أي تحالف إقليمي فشل من قبل.
مخاطر التحالف مع "إسرائيل" التكاليف تفوق الفوائد:
ما لا شك فيه أنه في ظل موجة الانتقادات العالمية لجرائم الكيان الصهيوني في غزة، فإن أي تحالف وتعاون بين الدول العربية الإسلامية مع الكيان المحتل سيكون له عواقب سلبية في المستقبل.
ومن المؤكد أنه بسبب التوترات الأخيرة بين إيران و"إسرائيل"، سنشهد في المستقبل صراعات كثيرة بين الجانبين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لذا فإن التعاون العربي مع الصهاينة سيضر أيضًا بأمن هذه الدول، ولأن الصهاينة يحاولون مراقبة تصرفات الجمهورية الإسلامية عن كثب من خلال بناء قاعدة في الخليج الفارسي، ولكن وفقًا لتحذيرات طهران لمواجهة أي تحرك زاحف للصهاينة في المنطقة، فإن شيوخ المنطقة أيضًا سيدفعون ثمنًا باهظًا، كما أن ثمن هذه المواجهة بين الطرفين سوف يتعرض للخطر، ولن يكونا في مأمن من الصواريخ الإيرانية، ولهذا السبب قالت الحكومات العربية في المنطقة إنها لن تسمح لـ"إسرائيل" باستخدام مجالها الجوي لهجوم محتمل على إيران، لأنها تدرك جيدا العواقب.
وكانت عملية أنصار الله اليمنية ضد السفن الصهيونية وداعميها الغربيين في البحر الأحمر بمثابة إنذار خطير للمتفقين العرب بأن مد يد الصداقة للكيان الصهيوني له ثمن باهظ، وبما أن هجمات أنصار الله هي تجاه المعتدين في غزة، حاليا لا علاقة لأنصار الله بأي سفن سعودية أو إماراتية ويمكنها المرور بسهولة عبر مضيق باب المندب، لكن إذا تعاون العرب مع تل أبيب فإن الوضع سيتغير، لأن أنصار الله سيعتبرون الدول العربية أعداء لفلسطين ولن يسمحوا بحركة مرور آمنة في البحر الأحمر، وسيكون ذلك مكلفا لشيوخ المنطقة الذين يعتمدون بشكل كبير على الدخل من صادرات النفط والغاز.
المنطق يملي أنه بدلاً من التسوية والتعاون مع كيان الاحتلال، يجب على الحكام العرب الابتعاد عن الصهاينة من أجل مواصلة العيش في راحة وأمان، ويجب على الدول العربية، وخاصة شيوخ الخليج الفارسي، الذين يشجعون تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، أن تعلم أن التقرب من الكيان المحتل لن يساعد فقط في حل الصراع المستمر منذ عقود في فلسطين، بل سيشجع أيضًا على استمرار الصهاينة في احتلال واغتصاب ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وسوف يؤدي عمليا إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يهتف به الحكام العرب، وسيصبح جزءا من التاريخ إلى الأبد.
وعلى الدول العربية التي قامت بتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل" أن تنسحب تدريجياً من هذه المعاهدات، وهذه أيضاً رسالة واضحة للقوى الغربية وعلى رأسها أمريكا بأنها لا تستطيع الاستمرار في سياساتها الخاطئة في المنطقة والحفاظ على مصالحها، لقد قالت إيران دائمًا إن أمن الخليج الفارسي يجب أن تضمنه دول المنطقة ولا يحق للأجانب التدخل فيه، وفي غياب الغربيين والكيان الصهيوني، ستتمتع المنطقة بمزيد من الأمن والسلام.
ارسال التعليق