على خطى أمريكا.. التوجهات السعودية تتبدل في سوريا
على خطى الولايات المتحدة الأمريكية تسير المملكة العربية السعودية، فالأخيرة لا تستطيع اتخاذ أي قرار دون ضوء أخضر من زعيمتها الكبرى، وهو ما ظهر خلال العديد من المواقف آخرها الأزمة السورية، ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تحاول زعزعة استقرار بعض الدول العربية وعلى رأسها سوريا، كانت المملكة السعودية هي الذراع الأيمن لأمريكا في دعم وتدريب وإدارة ملف الأزمة السورية وإشعال الحرب هناك، بمساندة بعض الدول الأخرى، وفي الوقت الذي قررت فيه واشنطن رفع يدها عن سوريا، جاء القرار مماثلًا أيضًا من السعودية.
السعودية تنقلب على المعارضة
فجر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، مفاجأة من العيار الثقيل فيما يخص الأزمة السورية، حيث قال مصدر في المعارضة السورية إن الجبير أبلغ الهيئة العليا للمفاوضات “منصة الرياض” أن الرئيس السوري “بشار الأسد” باقٍ في منصبه، وعلى الهيئة الخروج برؤية جديدة، وإلا ستبحث الدول عن حل لسوريا من دون المعارضة، منوهًا بأن الوقائع تؤكد أنه لم يعد ممكنًا خروج الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، مضيفًا “يجب أن نبحث مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة”.
جاءت تصريحات “الجبير” خلال زيارته مقر الهيئة العليا للمفاوضات واجتماعه مع المنسق العام “رياض حجاب”وأعضاء الهيئة، حيث طلبت الهيئة من المملكة العربية السعودية استضافة اجتماع ثانٍ للهيئة من أجل توسيع قاعدة التمثيل على أساس “بيان الرياض” كمرجعية، وجاء في بيان الهيئة أن وزير الخارجية السعودي أكد على دعم المملكة المستمر، وعلى بذل الجهود لتحقيق تطلعات الشعب السوري والوقوف إلى جانبه، وشكلت الهيئة لجنة خاصة للتحضير لعقد هذا اللقاء وتأمين سبل نجاحه، بحسب البيان.
في ذات الإطار كشف مصدر في المعارضة السورية عن أن السعودية تبحث عن دور لها في الأزمة السورية من خلال اللعب في تركيبة الهيئة العليا للتفاوض للسيطرة عليها وإعادة صياغة خطابها السياسي، حيث أكد هذا المصدر أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أبلغ الهيئة بالتحضير لعقد مؤتمر الرياض الثاني، لإعادة هيكلة الهيئة قبل جولة مفاوضات جنيف المقبلة، وهو الاجتماع الذي سيعلن خلاله الجبير نهاية دور رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، ولفتت المصادر في ذات الشأن إلى أن مساعي السعودية لتغيير هيكلة الهئية تتضمن ضم ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو إليها.
على خطى أمريكا
تأتي هذه التطورات السعودية بعد أسابيع قليلة من إجراءات أمريكية مماثلة اتخذتها إدارة الرئيس “دونالد ترامب”، وكان أبرزها إقدام الرئيس الأمريكي بتوصية من مدير عام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جورج بومبيو، على إنهاء برنامج تدريب فصائل ما تسميه أمريكا “المعارضة المعتدلة” وتسليحها، لأن هذه البرامج “مُكلفة وغير فعالة وقوة قتالية جوفاء”، حسب توصيف “بومبيو”.
وقالت مصادر فيما يسمى “الجيش السوري الحر” إن مسؤولين أردنيين وأمريكيين وروس اجتمعوا مع ممثلي بعض فصائل المعارضة على مدار ثلاثة أيام في العاصمة عمان، الأسبوع الماضي، وأبلغ الموفد الأمريكي خلال الاجتماع قادة “الجبهة الجنوبية” بأن بلاده سوف توقف دعمها لهم، من أجل ترسيخ وقف إطلاق النار وإيقاف العمليات ضد القوات السورية في أسرع وقت، وأشار إلى أن الدعم سوف يقتصر على المساعدة اللوجستية والمالية فقط، في حين ذكر أحد القادة المشاركين في اجتماع عمان أن الولايات المتحدة وروسيا قررتا تجميد الفصائل المسلحة في الجنوب، وقال إن المسؤولين الأمريكيين والروس والأردنيين طلبوا منا التوقف عن قتال النظام، والتفرغ لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي.
رهانات خاسرة
يبدو أن “الجيش السوري الحر” الذي كان مدعومًا من قبل أمريكا عسكريًّا، والمدعوم من قبل السعودية سياسيًّا من خلال “الهيئة العليا للمفاوضات”، أصبح الآن على حافة الانهيار والتفكك، بعد أن طالته الصفعات الأمريكية والسعودية واحدة تلو الأخرى، والنكسات العسكرية أيضًا، وهو ما أكده عضو وفد المعارضة السورية في مفاوضات جنيف، خالد محاميد، الذي تم فصله من الهيئة العليا للمفاوضات بعد تصريحات أكد فيها أن “الحرب في سوريا انتهت بالنظر إلى المُعطيات والوقائع على الأرض وفي ميادين القتال”، وذلك في إشارة إلى اتفاقات تخفيف التصعيد التي تمت في إطار تفاهمات أمريكية روسية تمخضت عن اتفاق لوقف إطلاق النار، كما يبدو أن السعودية وأمريكا أدركتا أن الهيئة العليا للمفاوضات وفصائل المعارضة المسلحة التي كانوا يعتمدون عليها أصبحت مترهلة وفقدت قدرتها العسكرية على الحسم، والسياسية على التفاوض، كما أن اتباعهم لسياسة الرفض الدائمة في المفاوضات أدى إلى قصور في قراءة المشهد بشكل واقعي، وهو ما دفع الحليفتين إلى الاستغناء عن قيادات ورموز المعارضة مثل “رياض حجاب” وإعادة صياغة الأهداف السياسية في سوريا، الأمر الذي قد ينبئ بانتهاء الحرب في سوريا أو على الأقل تبدل أولويات الدول الفاعلة في الأزمة.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق