قراءات في فيلم “المملكة: أقوى أمير في العالم” (3) – أمير مندفع لا يتعلم من أخطائه!
عُرف عن محمد بن سلمان استخدامه موارد المملكة المالية وإنفاقها ببذخ على مشاريعه الوهمية وطموحاته الشخصية كما ذكرنا سابقًا حول شرائه أغلى لوحة في العالم. على نحو مماثل، تعكس خططه للرياضة شخصًا طموحًا للغاية ولا يخشى أي عراقيل يفرضها الوضع الراهن.
أنفق بن سلمان ملايين الدولارات في المجال الرياضي، فيما عُرف بـ “الغسيل الرياضي”، أي إنفاق الكثير من الأموال لغسل السمعة السيئة، إذ تعتبر المملكة العربية السعودية صاحبة العرض الوحيد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2034، واستثمرت بملايين الدولارات في تنظيم بطولات التنس والجولف، ولكن ما وجدناه هو زعيم لا يهتم بما يعتقده الغرب عنه بقدر ما يهتم بإظهار العكس: أنه سيفعل ما يريد باسم جعل نفسه والمملكة العربية السعودية عظيمة.
يقول السير جون ساورز، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية السابق، الذي التقى به: “يهتم محمد بن سلمان ببناء قوته كزعيم… والطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها القيام بذلك هي بناء قوة بلاده”.
لم تنج مسيرة الجبري التي استمرت 40 عامًا كمسؤول سعودي من توطيد محمد بن سلمان لسلطته، فقد فر من المملكة عندما تولى محمد بن سلمان منصبه، بعد أن أبلغته إحدى أجهزة الاستخبارات الأجنبية أنه قد يكون في خطر، لكن الجبري يقول إن محمد بن سلمان أرسل له رسالة نصية فجأة، وعرض عليه وظيفته القديمة مرة أخرى.
“لقد كانت طُعمًا – ولم أبلعه”، كما يقول الجبري، مقتنعًا بأنه كان سيُعذب أو يُسجن أو يُقتل إذا عاد، وبالفعل، تم اعتقال اثنين من أبنائه، عمر وسارة، وسجنوا لاحقًا بتهمة غسل الأموال ومحاولة الهروب – وهي التهم التي ينكرونها.
يقول الجبري: “لقد خطط لاغتيالي… لن يرتاح حتى يراني ميتًا، ليس لدي شك في ذلك”.
أصدر المسؤولون السعوديون إخطارات للإنتربول لتسليم الجبري من كندا، دون جدوى، يزعمون أنه مطلوب بتهمة الفساد التي تنطوي على مليارات الدولارات خلال فترة وجوده في وزارة الداخلية.
مقتل خاشقجي
إن مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018 جريمة شوهت سمعة المملكة العربية السعودية عالميًا، وحسب التقارير فإن محمد بن سلمان متورط بطرق يصعب دحضها. كانت فرقة الاغتيال المكونة من 15 فردًا تسافر بجوازات سفر دبلوماسية وتضمنت العديد من حراس محمد بن سلمان الشخصيين، ولم يتم العثور على جثة خاشقجي حتى الآن، ويُعتقد أنها قُطِّعت إلى أشلاء بمنشار عظام.
تبادل البروفيسور برنارد هايكل رسائل واتساب مع محمد بن سلمان بعد وقت قصير من القتل، يتذكر هايكل: “كنت أسأله، كيف حدث هذا؟”، وتابع “أعتقد أنه كان في حالة صدمة عميقة… لم يدرك أن رد الفعل على هذا سيكون عميقًا إلى هذا الحد”.
التقى الدبلوماسي الأمريكي المخضرم دينيس روس بمحمد بن سلمان بعد الحادثة بوقت قصير، يقول روس: “قال إنه لم يفعل ذلك وأنه كان خطأ فادحًا… أردت بالتأكيد أن أصدقه، لأنني لم أستطع أن أصدق أنه يمكن أن يأذن بشيء مثل ذلك”.
لقد نفى محمد بن سلمان دائمًا معرفته بهذه المؤامرة، على الرغم من أنه قال في عام 2019 إنه يتحمل “المسؤولية” لأن الجريمة حدثت في عهده، وأكد تقرير استخباراتي أمريكي تم رفع السرية عنه في فبراير/شباط 2021 أنه كان متواطئًا في مقتل خاشقجي.
سألت أولئك الذين يعرفون محمد بن سلمان شخصيًا عما إذا كان قد تعلم من أخطائه؛ أو أن العكس هو ما حدث بسبب نجاته من المساءلة عن قضية خاشقجي.
يقول البروفيسور هيكل، الذي يقول إن محمد بن سلمان يستاء من استخدام القضية كهراوة ضده وضد بلاده، لكن جريمة قتل مثل خاشقجي لن تحدث مرة أخرى: “لقد تعلم الدروس بالطريقة الصعبة”.
يتفق السير جون ساورز بحذر على أن القتل كان نقطة تحول، “أعتقد أنه تعلم بعض الدروس… ومع ذلك، تظل الشخصية كما هي”.
إن والده الملك سلمان يبلغ من العمر الآن 88 عامًا، وعندما يموت، قد يحكم محمد بن سلمان المملكة العربية السعودية لمدة 50 عامًا قادمة، ومع ذلك، فقد اعترف مؤخرًا بأنه يخشى أن يتم اغتياله بسبب محاولاته تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية.
يقول البروفيسور هيكل: “أعتقد أن هناك الكثير من الناس الذين يريدون قتله، وهو يعرف ذلك”.
اليقظة الأبدية هي ما تحافظ على سلامة رجل مثل محمد بن سلمان، وهذا ما لاحظه سعد الجبري في بداية صعود الأمير إلى السلطة، عندما سحب مقبس الهاتف من الحائط قبل التحدث إليه في قصره.
لا يزال محمد بن سلمان رجلاً في مهمة لتحديث بلاده، بطرق لم يجرؤ أسلافه على القيام بها، لكنه ليس أيضًا أول مستبد يخاطر بأن يكون قمعيًا لدرجة أن لا أحد من حوله يجرؤ على منعه من ارتكاب المزيد من الأخطاء.
ارسال التعليق