FP: هذا ما سيجنيه محمد بن سلمان من قرصنته على بيزوس
التغيير
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد والأكاديمي المعروف ستيفن والت، تحت عنوان "من هو الأقوى، جيف بيزوس أم محمد بن سلمان؟ لا أحد منهما"، يقول فيه إن العلاقة بين ولي عهد آل سعود ومالك شركة "أمازون" تثبت استحالة شراء السلطة الحقيقية في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والتغيرات الاقتصادية.
ويبدأ والت مقاله، بالقول إن "التهم الموجهة لولي عهد آل سعود بالقرصنة على مالك صحيفة (واشنطن بوست) تقدم رؤية واضحة حول طبيعة السلطة في عصر التغيرات التكنولوجية المتهورة، وهي تؤكد رؤية أنه كلما تغيرت الأمور أكثر بقيت كما هي".
ويشير الكاتب إلى بداية القصة مع "ناشونال إنكويرر"، التي نشرت صورا ورسائل نصية عن علاقة بيزوس العاطفية مع مقدمة برامج تلفازية في لوس أنجلوس، لافتا إلى أن بيزوس ألمح في حينه إلى ضلوع آل سعود في القرصنة، واستأجر شركة أمن سايبري للتحقيق، التي أصدرت الأسبوع الماضي تقريرها، "مع أنه لا يعرف بعد إن كانت (ناشونال إنكويرر) قد حصلت على معلوماتها من قرصنة آل سعود".
ويتساءل والت قائلا: "لو استطاع آل سعود اختراق هاتف شخص يعرف قيمة التكنولوجيا وأثرها ولديه إمكانيات لا محدودة يمكنه من خلالها حماية نفسه، فماذا عن المواطنين العاديين وكيف سيحمون أنفسهم من عمليات تطفل مشابهة؟ عليهم البقاء تحت الرادار وبعيدا خارج التغطية وعندها يمكنهم الحفاظ على أنفسهم".
ويجد الكاتب أنه "في ظل المزيج من الثروة والجنس والنجومية والسياسة الذي ينطوي عليه الأمر، فليس من الغريب أن يؤدي هذا الحادث للفت انتباه واسع، لكن هل تكشف القصة عن هرمية عالمية جديدة يحكم فيها القراصنة، وأصبحت فيها المصادر التقليدية للسلطة غير مهمة؟ أشك في هذا".
ويقول والت: "حتى نكون واضحين فإن القرصنة على بيزوس تذكرنا بأن السياسة والخصوصية والشؤون الدولية تغلغل فيها وبشكل متزايد عالم الأمن السايبري بطريقة لا نقدر قيمتها، فقد تسابق البشر لربط أنفسهم بالإنترنت ولأسباب عدة، من الراحة والفضولية والضرورة والموضة، دون التفكير بما يمكن أن تجعلنا هذه الأداة عرضة للخطر، وتكشف الأمثلة السابقة، مثل القرصنة الروسية (المفترضة) على مكتب اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في أثناء انتخابات عام 2016، والقرصنة الكورية على شركة (سوني) بعد إنتاجها فيلم (المقابلة) عام 2014 عن المخاطر التي نواجهها جميعا، وصعوبة تحديد هوية الفاعلين في الوقت المناسب وبطريقة مقنعة".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في حالة بيزوس فإن الشركة التي استأجرها زعمت بأنها توصلت إلى أن السعوديين هم الذين يقفون وراء القرصنة وبدرجة (متوسطة إلى عالية من الثقة)، ولم يكشف تحقيق الشركة عن أدلة تؤكد هذه النتيجة، ولا عن الكيفية التي وصلت فيها المعلومات التي سرقت من هاتفه إلى الفضاء العام، ودون حاجة للكلام، فإن السعوديين نفوا أي علاقة لهم بالأمر، وهو أمر متوقع، لكن كيف نثبت العكس؟".
ويرى والت أن "قضية بيزوس تلخص محدودية الثروة بصفتها مصدرا للسلطة السياسية والحماية، لكن أيضا محدودية القرصنة بصفتها مصدرا للتأثير، وربما اعتقد بيزوس أنه مهم لدرجة أنه لا يمكن لأحد التجرؤ على اختراق هاتفه، أو اعتقد أن محمد بن سلمان لن يتجرأ على عمل وقح كهذا، ولم تكن ثروته حامية له، ومهما كانت لديه من ضمانات فلم تكن كافية لأن تحميه من الهجوم الذي استهدفه".
ويقول الكاتب: "لو افترضنا أن سلطات آل سعود مسؤولة عن الجريمة فإنه ليس من الواضح أنها حصلت على شيء من الهجوم سوى مجموعة من التسريبات المحرجة، وربما احتوى هاتف بيزوس على معلومات أخرى قد تكون مهمة للمسؤولين السعوديين، لكن من الصعب تخيل ما هي طبيعة هذه المعلومات، ويعد بيزوس رجل أعمال ناجحا بشكل بارع، وكانت شركة (أمازون) شركة تحويلية، لكن على آل سعود التعرف على الكيفية التي نجح فيها بتوصيل طرود بسرعة إلى أماكن عدة، وهناك تكهنات تقول إن القضية كلها من عمل شركة (أمريكان ميديا إنك)، التي تنشر (ناشونال إنكويرر)، التي نشرت أول مرة قصص علاقة بيزوس مع مقدمة البرامج التلفازية، ونشرت عددا حول محمد بن سلمان لتتقرب من الرئيس دونالد ترامب المعروف بكراهيته لبيزوس، لكن ولي عهد آل سعود يحظى بدعم الرئيس، وهو صديق مقرب من مدير (أمريكان ميديا إنك)، ما يعني أنهما لن يحصلا على الكثير من هذه المقامرة".
ويفيد والت بأن "هناك تفسيرا آخر يتعلق بتغطية صحيفة (واشنطن بوست) لجريمة مقتل جمال خاشقجي، التي أغضبت ولي العهد، ومن هنا فإن عملية القرصنة هي محاولة للضغط على بيزوس ليطلب من الصحيفة تخفيف نبرتها النقدية للأمير".
ويبين الكاتب أنه "إذا كان الأمر كذلك، فإنه لا يوجد ما يدل على أن الاختراق قد نجح، ورغم الإحراج الذي تسببت به المعلومات، وما أدت إليه من نهاية زواجه، إلا أن الشركة أكدت حصولها على المعلومات من مصدر غير سعودي، وهو شقيق صديقته، وحتى لو كان السعوديون هم الذي قاموا بالعملية فرد فعل بيزوس أظهر أنه لن يكون محل استفزاز من أحد، ولو حصل السعوديون على معلومات تجفف حساباته المصرفية، أو اشتروا بطريقة غامضة أسهمه في الشركة كلها، فما هي ورقة النفوذ التي ستكون لديهم ضده؟".
وينوه والت إلى أن "هذا ما يعيدنا مرة أخرى لصديقنا محمد بن سلمان، فالقرصنة على بيزوس هي آخر دليل من بين أدلة أخرى تتراكم حول سلوكه، وتثبت أنه برميل بارود: متهور ومصاب بالرهاب وأحمق نوعا ما، فقد شن حربا في اليمن، وأحدث كارثة إنسانية هناك، وفشل فشلا ذريعا، وساعد على إقناع ترامب بزيادة العقوبات الاقتصادية على إيران، وحاول بعد ذلك تخفيف درجة التوتر مع إيران عندما ردت منتقمة، وبدأ شجارا لا معنى له مع قطر، وأجبر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، واحتفظ به رهينة في أثناء زيارة للرياض، ثم قام بسجن مئات من أثرياء الجزيرة العربية وأجبرهم على دفع أموال مقابل حريتهم، في وقت كان يحاول فيه إقناع رجال الأعمال والمستثمرين العالميين بأن مملكة آل سعود مكان رائع للاستثمار، وتعتقد المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) أن ابن سلمان هو الذي أمر بقتل جمال خاشقجي، الذي لم يكن يشكل أي تهديد على حكمه، ولم يؤد أي من هذه الأعمال لتعزيز أمن المملكة، بل جعلتها أكثر عرضة للمخاطر، وأفلت محمد بن سلمان من هذه الحماقات كلها لسبيين: الأول هو أنه لا يزال لدى آل سعود نفط وغاز بكميات ضخمة، والثاني لدعم دونالد ترامب لابن سلمان مهما فعل".
ويقول الكاتب: "يذكرنا الهجوم على بيزوس بحقيقة أخرى مظلمة، وهي محاولة الدول الدائمة الاستفادة من التكنولوجيا للحصول على منافع، ومن الصعب وضع قيود على التكنولوجيا، حيث يتم استخدام الأسلحة كلها، وعندما اكتشفت البشرية الرقمنة والإنترنت العالمية فإننا سمحنا لأنفسنا وطوعا لنكون عرضة للاستغلال، ولم يمض وقت طويل حتى بدأ المجرمون والمراهقون والنظام السياسي باستخدام هذه الوسائل من أجل المتعة والربح والتأثير السياسي".
ويضيف والت أن "حادثة بيزوس تعلمنا أن القدرات السايبرية لن تحول اللاعبين الضعاف إلى قوى عظمى، وربما حصل السعوديون على رسائل بيزوس الإلكترونية ومراسلاته النصية وصوره الشخصية لكنهم لم يستطيعوا حتى الآن التغلب على أنصار الله في الجارة اليمن، وبالنسبة لبيزوس باعتباره أثرى رجل في العالم فإن ثروته لا تعطيه القوة للانتقام من محمد بن سلمان، أو (أمريكان ميديا إنك) أو الرئيس الأمريكي، وكل ما بوسعه عمله هو التركيز عليهم ونشر تغطية سلبية عنهم".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "شكل القوة لن يتغير في المستقبل عما كانت عليه في الماضي، ولن يكون اللاعبون المؤثرون في العالم من يملكون السلطة الكبيرة والتأثير، ولا من يملكون أي مصدر للسلطة، سواء كانت مالا أو سلاحا أو قلما جذابا أو سلاحا سايبريا قبيحا، أو فكرة مغرية، بل من سيجمع الخبرات التكنولوجية المتقدمة في عدة مجالات، مثل تحليل متقدم للمعلومات، واقتصاد قوي ومصادر مستقلة ومؤسسات سياسية فاعلة وقوة عسكرية حقيقية، وأن تكون لديك حفنة من القراصنة الذين تدعمهم لن يكون معادلا قويا لهذه العوامل، وفي العادة ما يكون القراصنة في خدمة الأثرياء الذين يدفعون أكثر، وبدلا من خلق التوازن في المواجهة وداخل عالم السياسة تعمل قدراتهم على تقوية القوي وجعل الضعيف يعاني أكثر".
ارسال التعليق