FT: وباء كورونا يضع أسئلة حول مستقبل النفط
التغيير
نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا حول مستقبل النفط في ضوء معطيات جائحة "كوفيد-19"، وأزمة "حرب الأسعار"، التي تسببت بإغراق الأسواق وبانهيار أسعار الخام إلى مستوى غير مسبوق تاريخيا.
وينقل "ديفيد شيبارد" معد التقرير عن "جون براون" المدير التنفيذي السابق لشركة "بي بي" إنه راقب على مدى خمسة عقود التقلبات في صناعة النفط. وعلى خلاف دورات الكساد والازدهار فهو يعتقد أن انهيار أسعار النفط المرتبط بفيروس كورونا تحذير لما هو آت.
فقد أدت الأزمة لمحو ثلث الطلب العالمي على النفط تقريبا من خلال الإغلاقات ومنع السفر، مما أدى لضرب السوق التي كانت تعيش بالفعل أزمة بشأن التعايش مع تزايد حضور قضية التغيرات المناخية في الأجندة السياسية، ووسط مخاوف من وصول الطلب عليه للذروة.
ويرى البعض أن توقيت انهيار أسعار النفط شكل مجرد "إعلان ترويجي" لما سيحدث هذا الصيف، في حال وصل الطلب على النفط بالفعل حده الأقصى.
ففي الشهر الماضي أغلقت حقول نفط ولم تعد مخازنه تستوعب كميات جديدة، فيما دخلت شركات نفط وطنية حرب أسعار من أجل الحصول على حصة من سوق ينكمش. ووصلت أسعار النفط الأمريكية إلى ما تحت الصفر لأول مرة في التاريخ، مما يشير إلى تراجع الطلب.
ويرى البعض أن التغيرات السلوكية خلال أزمة كورونا ستسرع من دخول النفط مسار ذروة الطلب عليه. ويقول لورد براون: "شاهدنا هشاشة العالم في ظل الوباء والوعي بالهشاشة مهم في تشكيل السلوك الإنساني.. الناس الذي قضوا أشهرا يخشون من إصابة رئاتهم سيبحثون عن الهواء النظيف".
ويحاول مدراء شركات النفط النظر أبعد من مرحلة تعتبر الأكثر إرباكا في تاريخ النفط بحيث وصل سعر البرميل إلى حوالي 25 دولارا، ومنهم لورد براون الذي يدير مؤسسة "ليتر وان" التي تملك حصة من شركة إنتاج النفط المستقلة "وينترشال دي إي إي" ويشارك في إدارة معهد للطب البيولوجي الذي يقوم بالبحث عن عقار ضد كوفيد-19.
ويرى "براون" أن العالم سيتغير بشكل كبير، وأن الطلب العالمي سيبلغ ذروته بالتزامن مع توجه العالم نحو الطاقة المتجددة، وستشعر الصناعة بالضغوط على النفط عاجلا وليس آجلا.
وعلى الجانب الآخر هناك من يرى أن الجهود لتخفيف الآثار المناخية ستأخذ المال والوقت من الحكومات التي ستواجه نفطا رخيصا وكسادا عالميا.
وضمن هذا السيناريو فإن النقص في صناعة النفط سيؤدي إلى ارتفاع أسعاره.
ويعلق لورد براون: "نحن في بداية النقاش.. ولكن الأزمة الصحية غيرت مواقف الناس بشكل كبير".
وتقول الصحيفة إن الكثير من المستثمرين أداروا ظهورهم للقطاع النفطي حتى قبل أن يضرب الوباء ضربته، والسبب هي المخاوف من ضعف النمو بسبب زيادة الإدارة الأخلاقية والاجتماعية التي أدت إلى تقليل الاهتمام بالصناعة الملوثة.
وانخفضت قيمة شركات الطاقة الأمريكية في مؤشر أس أند بي 500 إلى أقل من 5 بالمئة من المجمل العام للمؤشر، من 11 بالمئة قبل عقد. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على النفط الذي زاد من بمعدل 1.5 مليون برميل في اليوم من العقد الماضي إلى 100 مليون برميل في اليوم العام الماضي سيبدأ بالإنخفاض بحلول عام 2025.
وعكف بيرنارد لوني، مدير "بي بي" الذي تولى المنصب في كانون الثاني/يناير على وضع الشركة في طريق الوصول إلى "صفر" انبعاثات كربونية. وستشمل الخطة التي سيتم الكشف عنها التحول نحو الطاقة الشمسية والمولدة من الريح والبدء في إجراءات التقاط وتخزين الكربون لمنع انبعاث ثاني أوكسيد الكربون من الإنتاج الأحفوري.
وفي قلب الخطة رؤية بسيطة وهي أن شركات الغاز والنفط ستخفض إنتاجها في المستقبل. ويقول مارك لويس، مدير أبحاث الإستدامة في "بي بي"، إن "صناعة النفط تتغير" و "السؤال هو كيف سيتسارع" بعد الوباء.
ولم يؤد انخفاض سعر البرميل من 70 دولارا في كانون/الثاني إلى أقل من 20 دولارا إلى هزيمة "بي بي" بعد حتى لو أرادت قطع الاستثمار في وقت تتراجع فيه الموارد للحفاظ على الأرباح. ولم يتسبب ذلك بعزل الشركة عن نظرائها، فقد انضم لهذا المسار "رويال داتش شيل" بخطة لتخفيض الانبعاثات إلى صفر.
وفي الوقت ذاته، اتهمت جماعات البيئة شركتي "بي بي" و"شيل" بمحاولة "التبيض البيئي"، وقالوا إنهما لا تسرعان في خططهما وتريدان البقاء في مجال إنتاج النفط والغاز على المدى المنظور.
بدوره، يقول لويس إن الخطة أبعد من مجرد حملة علاقات عامة، فاقتصاديات الصناعة تتغير والانهيار الثاني لأسعار النفط خلال خمسة أعوام لم يساعد على تقوية موقعه. ويعني انخفاض كلفة مشاريع الطاقة الشمسية والمولدة من الريح إمكانية وضعها جنبا إلى جنب مع مشاريع النفط.
ويقول لويس إن "النقاش القديم أنك لا تستطيع الحصول على موارد مالية من الطاقة المتجددة يضعف وبشكل متزايد". كما أن النقاش السياسي الداعم لصناعة النفط غير مستقر، فقد شنت مملكة آل سعود حرب أسعار وزادت من انتاجها للحدود القصوى في محاولة منها للحصول على حصة في السوق وتعويض ما خسرته في الأسعار.
ورغم أنها قررت الرياض مرة ثانية تقييد إنتاجها بضغط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رأى بعض المحللين أن ما جرى يشكل نذيرا للشركات وأنها ستصل الذروة عاجلا وليس أجلا.
وبالنسبة للسعودية التي لم يبق لديها سوى احتياطي يغطي 75 عاما، فالمنطق يدفعها نحو ضخ كميات كبيرة الآن وليس غدا.
ويتوقع جيفري أولد، مدير شركة إنتاج النفط والغاز الصغيرة "سيرينوس إنيرجي" العاملة في رومانيا وتونس، أن تدفع المخاطر السياسية الشركات الكبرى نحو غاز أقل تلويثا وربما الطاقة المتجددة.
وقال إن "الشركات تعرضت للهجوم أكثر من مرة مع النفط" و"تنظر 40 عاما للوراء وتقول لا نريد أن نصبح مثل الفحم الحجري ولهذا تريد التحرك نحو شيء متجدد".
ويعتقد بعض المحللين أن التقدم نحو الأجندة الخضراء تعني التنسيق الدولي وفرض نوع من الضرائب على الانبعاثات الكربونية، ولكن هذا لم يحدث وسط الوباء الحالي.
وقدمت معظم الشركات الأمريكية مثل إكسون موبيل إلى شيفرون دعما لفكرة ضريبة الكربون ولكنها كانت بطيئة في تبني خطة التحول في مجال الطاقة. وعلاقتها مع الإنتاج المكلف للنفط الصخري أدى إلى تركيزها على خفض النفقات.
ويتوقع أن تتراجع صناعة النفط الصخري بشكل كبير خلال العامين المقبلين. ويقول أرجون مورتي المحلل السابق في غولدمان ساكس والذي توقع عصر يصل برميل النفط فيه إلى 100 دولار إن الشركات الأمريكية ستواصل الاستثمار في مجال الطاقة الأحفورية كي تحسن من رأسمالها وتحصل على دعم المساهمين.
ويرى أن الحديث عن وصول الطلب على النفط مرحلته القصوى مبالغ فيه. وأضاف أن الطلب على السيارات الكهربائية لم يخفف من الطلب على النفط، وهناك شركة واحدة نجحت في دفع الناس لشراء ألاف الشركات الكهربائية وهي تيسلا. و "لو نظرت لمبيعات السيارات الكبيرة فقد زاد الطلب عليها خارج معقلها في أمريكا".
ارسال التعليق