"هيرست" يكشف دور السعودية والإمارات في أزمة كردستان
يرى الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست أن السعودية أصبحت ضعيفة إقليمياً أكثر من أي وقتٍ مضى. وأن قيادة الرياض المزعومة للعالم العربي أدت إلى تزايد قائمة المدن السنية المخربة والملايين من اللاجئين.
وقال إن السعودية تحاول استخدام الأكراد من أجل قص أجنحة إيران في المنطقة لكنها سوف تفشل أيضاً هذه المرة وعليها أن تدرك ذلك لعدة اعتبارات.
وأضاف هيرست في مقال بموقع ميديل إيست آي البريطاني أمس السبت: لم يكن واضحاً منذ اللحظة التي دعا فيها مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، إلى عقد الاستفتاء لانفصال الإقليم أي الدول أومأت لكردستان بموافقتها وشجعت البارزاني على تلك الخطوة. إذ كانت إسرائيل هي اللاعب الوحيد في المنطقة الذي فعل ذلك علانيةً، إلا أن قوة إقليمية أخرى لديها مصلحة في استخدام الأكراد في قص أجنحة تركيا وإيران والعراق، ألا وهي السعودية.
الدور السعودي
وأضاف هيرست، بحسب "هاف بوست عربي": ففي العلن، كان الملك السعودي سلمان حازماً في دعم وحدة العراق. أما وراء الكواليس، فقد أرسل البلاط الملكي سلسلةً من المبعوثين لتشجيع البارزاني في مشروعه للانفصال عن الدولة العراقية، وتهديد وحدة أراضي تركيا وإيران.
كان أحد أولئك المبعوثين جنرالاً متقاعداً في القوات المسلحة السعودية يُدعَى أنور عشقي، ويشغل حالياً منصب رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، وهو مركز بحثي في جدة.
وبحسب "هيرست" كان عشقي واضحاً في شرح وجهة نظر المملكة، إذ أخبر مركز العلاقات الخارجية أنَّ العمل على إنشاء دولة كردستان الكبرى عبر وسائل سلمية سوف "يحد من الطموحات الإيرانية والتركية والعراقية. إذ سيقتطع هذا الأمر ثلث أراضي كل واحدة من هذه الدول لصالح كردستان".
وكرر عشقي دعمه لإقامة دولة كردية مستقلة في مقابلةٍ تليفونية حديثة مع وكالة أخبار سبوتنيك المملوكة للدولة الروسية.
وقال عشقي إنَّ المملكة لا تقف أمام إرادة الشعوب. وقال: "أعتقد أنَّ للأكراد الحق في أن تكون لهم دولتهم الخاصة. لقد فعل العراق الكثير في ما يتعلق بتهميش الأكراد. وكما قال البارزاني، فالعراق لم يلتزم بالدستور عندما قسَّم البلاد إلى أعراق وطوائف. ولو استمر العراق في الطريق ذاته، فقد ينتهي الأمر بتقسيم العراق إلى أكثر من دولتين".
وأُرسِلَت إشارةٌ أخرى في شهر مارس من العام الجاري على يد مستشار البلاط الملكي السعودي الدكتور عبد الله الربيع، الذي أخبر صحيفة عكاظ اليومية أنَّ لكردستان العراق إمكانيات اقتصادية وثقافية وسياسية وعسكرية كان من المستحيل على إيران وتركيا تقويضها، بحسب الكاتب البريطاني.
وقال ربيع بعد اجتماعٍ مع البارزاني إنَّ لدى كردستان "الأسس الضرورية للاستقلال والدفاع عن وجودها".
موقف الإمارات
وبحسب مصادر لهيرست فإنَّ مسرور البارزاني، ابن مسعود البارزاني، والذي يشغل رئيس مجلس الأمن القومي، قد أجرى زيارةً سرية إلى أبوظبي قبل شهرٍ واحد فحسب من استفتاء الـ25 من سبتمبر الماضي.
وذهب الأكاديميون الإماراتيون الذين يعملون تحت رعاية ولي العهد الأمير محمد بن زايد إلى أبعد من مجرد إصدار بيانات الدعم، إذ نشر الدكتور عبد الله عبد الخالق "المستشار السياسي لولي عهد أبوظبي" خريطةً ترسم دولة كردستان التي سوف تُقام خلال سنوات وقد يصل عدد سكانها إلى ثلاثين مليون نسمة.
ولم يمر هذا الأمر دون ملاحظة بغداد. إذ نقلت صحيفة العربي الجديد عن أحد المسؤولين العراقيين زعمه أنَّ أربيل قد وقَّعت "مذكرة تفاهم" مع ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، لمساعدته على تنظيم الاستفتاء. ونفت الإمارات التقارير القائلة بأنَّ قنصلها في أربيل قد حضر الاستفتاء وزار بعض مراكز الاقتراع.
وقال هيرست أرسلت السعودية إشاراتٍ أخرى على تغيير سياستها في المنطقة. وأثارت زيارةٌ سرية أجراها وزير الشؤون الخليجية ثامر السبهان إلى الرقة دهشة البعض، معتبراً أن هذه الزيارة من الواضح أنَّ تلك كانت رسالة موجهة إلى تركيا.
وتابع هيرست فور انهيار مقاومة البيشمركة في كركوك، سارعت الرياض في القفز من السفينة مرة أخرى. فاتصل "سلمان" بحيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، للتأكيد على دعم المملكة لوحدة العراق، ودعاه لزيارة الرياض الأسبوع المقبل. وزار قائد أركان الجيش العراقي المملكة الأسبوع الجاري.
خرق اتفاقية عراق ما بعد صدام
واعتبر هيرست أن النزاع في كركوك هو أول خرق كبير من نوعه في اتفاقية عراق ما بعد صدام، القائلة بأنَّ بغداد لن تستخدم القوة العسكرية ضد الأكراد. وقد تعزَّز نفوذ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. إذ ستساعده خطوة إعادة الاستيلاء على كركوك في منافسته لغريمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في انتخابات العام المقبل، أما رأي الدستور العراقي في كل ذلك فليس أمراً ذا أهمية.
معنى ذلك أنَّ كونك حليفاً للولايات المتحدة لا يضمن لك الدعم الأمريكي، سواءٌ الدبلوماسي أو العسكري.
وقد أدى الفراغ الناتج عن انسحاب أمريكا (وأنا أعتبر فكرةَ "أمريكا أولاً" التي يتبناها ترامب استمراراً لانسحاب باراك أوباما من تدخلات عهد سلفه بوش) إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، أكثر حتى من تلك الناتجة عن وصول رئيسٍ أمريكي إلى سدة الحكم حوَّل البيت الأبيض إلى إحدى برامج تلفاز الواقع، بحسب الكاتب البريطاني.
وقد أساء مسعود بارزاني فهم الإشارات من الرياض وأبوظبي، بالإضافة إلى خطئه في حساب الدعم الداخلي من البيشمركة الموالين لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
وأضاف هيرست أن أمريكا التي تتراجع الآن أكثر فأكثر لا تترك مكانها توازناً جديداً للقوى يحكمه لاعبون إقليميون أقوياء. وإنَّما تركت وراءها مساحةً شاسعة من الفضاء المتنازع عليه، تحرسها جيوشٌ لا تعبأ بالقانون ومتمرسة في الحرب ومسلحة بأسلحةٍ غربية. وتخلت أمرdكا عن الحلفاء القدامى، وتحللت السياسات بين عشيةٍ وضحاها.
"صراع العروش"
اعتبر هيرست أنه في نهاية هذه الجولة ستكسب إيران أيضاً ولكن كيف؟
يقول الكاتب البريطاني إن السعودية أصبحت ضعيفة إقليمياً أكثر من أي وقتٍ مضى. هل ترى السعودية الأمور بشكلٍ منطقي وتعرف أنَّها تخسر كل مرة تلعب فيها لعبة صراع العروش؟ وإرث هذا الصراع هو تزايد قائمة المدن السنية المخربة والملايين من اللاجئين. والخرائب واللاجئون هم نتيجة قيادة السعودية المزعومة للعالم السني العربي، بحسب ديفيد هيرست.
ارسال التعليق