أبوظبي تستعين بالكثير من الدول في مواجهة السعودية
عبر سياسة المبادرات والتحالفات القائمة على أسس اقتصادية بشكل رئيسي، تكثف الإمارات جهودها للتموضع عالميا بشكل جديد في إطار منافسة إقليمية واسعة مع عدد من الدول في المنطقة، أبرزها السعودية، وفي هذا الإطار برزت مبادرات تجمع الإمارات والهند مع فرنسا وإسرائيل، وقد تنضم إيطاليا للأمر، وهي مبادرات تنظر الولايات المتحدة لها بعين الارتياح، كونها تصب في مسألة احتواء النفوذ الصيني.
ما سبق كان خلاصة تحليل نشره "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ISPI"، وترجمه "الخليج الجديد"، انطلق من المبادرة الثلاثية التي أعلنت الإمارات إطلاقها في فبراير/شباط 2023 مع الهند وفرنسا لزيادة التعاون في مجالات الطاقة وتغير المناخ والتكنولوجيا والدفاع.
وتأتي تلك المبادرة بعد أشهر من انضمام الإمارات أيضا إلى مجموعة غرب آسيا الرباعية (I2U2) مع الهند وإسرائيل والولايات المتحدة، وهو منتدى رباعي يركز على الطاقة والتجارة والبنية التحتية والأمن الغذائي والمائي والصحة والتعاون الفضائي.
الإمارات عقدة للربط:
وتكشف مشاركة أبوظبي في تلك المبادرات بنشاط، أن الدولة الخليجية لا تريد أن تكون فقط المحور الإقليمي للتجارة والبنية التحتية. الهدف الإماراتي هو أن تصبح العقدة القادرة على ربط سلاسل القيمة عبر المناطق، وبالتالي تعظيم دورها العالمي، وهو مشروع طموح للغاية ستكون الهند فيه الشريك الأقرب، وفق التحليل.
وضمن إطار التأكيد على أولوية الاقتصاد في الاستراتيجية الوطنية الإماراتية، اختارت أبوظبي العمل بين عدد قليل من الشركاء المختارين من أجل تسريع الإنجازات المشتركة.
ونظرا لأن الاقتصاد الإماراتي مبني على التصدير والتجارة، فإن أبوظبي باتت تنظر اليوم إلى النظام العالمي على أنه شبكة من الأشخاص والموارد، وهذا يفسر سبب رفضها الوقوف بجانب المنافسين العالميين على الرغم من الاستقطاب الدولي المتزايد، مع التركيز بشكل كبير على أجندة الاتصال.
هذا يعني استثمارات ضخمة في التجارة والخدمات اللوجستية والبنية التحتية.
وبالنسبة للإمارات، تعد المبادرات الثلاثية والرباعية مناسبة لتعزيز أوجه التآزر مع الدول التي تشترك بالفعل في تعاون وثيق مع أبوظبي، وبعد "اتفاقيات أبراهام 2020"، وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة (CEPA) في عام 2022 لإزالة أو خفض التعريفات الجمركية على 96% من البضائع المتداولة.
وفي عام 2022، وقعت الإمارات أيضًا اتفاقية (CEPA) مع الهند لإلغاء التعريفات الجمركية على 90% من البضائع المتداولة.
ويقول التحليل إن الأطر الثلاثية والرباعية تشكل قوة مضاعفة لاتفاقيات التجارة الحرة، وتمكن الإمارات من الحصول على جزء من دور العقد.
ويتمثل الهدف الاستراتيجي الإماراتي في استقطاع دور محوري كبير لنفسها من خلال ربط المحاور (العقد) والسلاسل عبر المناطق الفرعية وحتى القارات (آسيا وأفريقيا وأوروبا).
بالنسبة للإماراتيين، تعزز هذه الاستراتيجية تنويع ما بعد الهيدروكربونات، بينما تعمل بشكل أسرع من المنافسين الإقليميين، الذين يعد أبرزهم السعودية، بحسب التقرير.
علاقات دفاعية:
وتمثل هذه المبادرات التعاونية أيضًا بُعدًا دفاعيًا، وعلى الرغم من عدم وجود تصور مشترك حول التهديد، فإن جميع الأعضاء - بدءاً من الإمارات العربية المتحدة - لديهم مصلحة قوية في استقرار طرق التجارة.
على سبيل المثال، استحوذت كل من الإمارات والهند على مقاتلات "رافال" من فرنسا، وهو يمكن أن يعزز تبادل المعرفة وإمكانية التشغيل البيني.
الإمارات التي وقعت أيضًا اتفاقية دفاعية مع فرنسا، تستضيف قاعدة عسكرية فرنسية دائمة في أبوظبي، افتُتحت في عام 2009.
وبعد أن هاجم الحوثيون اليمنيون الإمارات مرتين في يناير/كانون الثاني 2022، فعلت الإمارات وفرنسا اتفاقية الدفاع "لمواجهة الإرهاب".
وركز التحليل على خصوصية العلاقات بين الإمارات والهند، ضمن سياسة المبادرات والشبكات، حيث ترتبط أبوظبي ونيودلهي بعلاقات دفاعية واقتصادية وثيقة، وعلى سبيل المثال، يتم تشغيل ميناء مومباي الهندي ، أكبر ميناء في البلاد من حيث الحجم ، من قبل شركة موانئ دبي العالمية التي تتخذ من دبي مقراً لها ، والتي وقعت في عام 2022 اتفاقية مع صندوق الثروة السيادية الهندي لتعزيز وجودها في البنى التحتية الهندية.
كما يطلق الإماراتيون والهنود مشاريع مشتركة في بلدان ثالثة، لا سيما في أفريقيا (مثل قطاع الرعاية الصحية في تنزانيا وكينيا).
أيضا يدعم كل منهما الآخر في المؤسسات الدولية: الإمارات العربية المتحدة تؤيد محاولة الهند للحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كجزء من الإصلاح المقترح، بينما دعت الهند الإمارات كدولة ضيفة في اجتماع مجموعة العشرين في نيودلهي.
إيطاليا أيضا:
ويرى التحليل أن الزيارة التي قامت بها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إلى الإمارات في 4 مارس/آذار الجاري بعد عودتها من الهند غير بعيدة عن هذه شبكة (الإمارات والهند وإسرائيل)، قياسا إلى وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي في روما في العاشر من الشهر نفسه.
تقف الطاقة والدفاع في صميم الاجتماع الثنائي الإماراتي الإيطالي، وهي نفس الموضوعات التي تناولتها المبادرة الثلاثية بين الإمارات والهند وإسرائيل.
ويقول التحليل إنه بعد علاقة سياسية باردة، أصبح الإماراتيون منفتحين على إعادة إطلاق - وربما توسيع - التعاون مع إيطاليا، وذلك بفضل الجهود الدبلوماسية الدقيقة التي تم بذلها بشكل خاص على المستوى الثقافي والشعبي.
ومع ذلك، فهناك ثلاثة عوامل تقلل على المدى القصير إلى المتوسط من فرص إيطاليا في (إعادة) دخول الشبكات المصغرة الجانبية النامية من الإمارات، للأسباب التالية:
أولاً: تفتقر روما إلى سياسة خارجية متسقة في منطقة الخليج، على الرغم من الوجود التنافسي لشركاتها الرئيسية في مجال الطاقة (ENI) والدفاع (Leonardo ، Fincantieri) ، وتحتاج إلى إعادة بناء الثقة على المستوى السياسي.
ثانيًا: تتمتع الإمارات بعلاقة قوية ومتكاملة مع الهند على الرغم من مواقفهما المعاكسة تجاه الصين، لكن هذا استثناء وليس القاعدة.
وقبل أن تطمح إلى الاندماج في مجموعات صغيرة، يجب على الحكومة الإيطالية توضيح نوع الموقف الذي تريد اتخاذه تجاه بكين، خاصة بعد ترقية العلاقات الدبلوماسية الإيطالية مع الهند إلى شراكة استراتيجية.
ثالثًا: أياً كان "الحراك الجيوستراتيجي" الإيطالي في المنطقة، فإنه لا معنى له بدون إطار أوروبي، بالنظر أيضًا إلى الروابط البارزة التي تمكنت ألمانيا وفرنسا من بنائها في دول الجوار الإماراتي والخليج، في القطاعات السياسية والاقتصادية والدفاعية.
ارسال التعليق