إدارة ابن سلمان تسعى لكبح جماح إنفاقها بعد عقد من التوسع
بعد سنوات من الإنفاق الطموح والمفرط في إطار خطط التحول الاقتصادي، تجد إدارة محمد بن سلمان نفسها اليوم أمام مرحلة جديدة من إعادة التقييم، تتسم بالتقشف النسبي والقلق الاستثماري.
فقد أدى تراجع أسعار النفط، وتضخم مبيعات الديون، وتباطؤ أداء سوق الأسهم إلى تفاقم التحديات التي تواجه الطموحات الاقتصادية الكبرى للمملكة.
بورصة تتراجع وسط أداء ضعيف وإدراجات فاشلة:
تُعد سوق الأسهم السعودية من بين الأسوأ أداءً في العالم هذا العام، بحسب صحيفة فايننشال تايمز، متقدمة فقط على أسواق مثل لبنان والأرجنتين والدنمارك من حيث التراجع.
ففي حين شهدت بورصات الكويت ودبي ارتفاعات بنسبة تجاوزت سبعة عشر في المئة، سجل المؤشر السعودي خسائر ملحوظة، وسط قلق من المستثمرين بشأن جدوى الطروحات العامة الأخيرة.
وقد كشفت بيانات شركة Dealogic أن الاكتتابات العامة في السعودية لم تحقق سوى متوسط ارتفاع قدره أربعة في المئة في الشهر الأول من التداول، مقارنة بسبعة وعشرين في المئة في عام ألفين وأربعة وعشرين.
هذا الفشل في الحفاظ على زخم الأداء السابق يُضعف الثقة في استراتيجية التنويع الاقتصادي التي تُروج لها الحكومة ضمن رؤية السعودية عشرين ثلاثين.
الديون تزداد والسيولة تنحسر:
ضمن محاولاتها لتعويض انخفاض عائدات النفط، تحولت المملكة إلى أكبر مصدر للديون السيادية في الأسواق الناشئة خلال عام ألفين وأربعة وعشرين.
ويُتوقع أن تستمر في هذا النهج خلال العام الحالي. لكن هذا الاتجاه أثار قلق المستثمرين من ارتفاع تكاليف التمويل على البنوك والشركات المحلية، خصوصًا في ظل تراجع السيولة.
أشارت المحللة مونيكا مالك من بنك أبوظبي التجاري إلى وجود مخاوف متزايدة بشأن قدرة السعودية على التكيف مع بيئة تتسم بانخفاض أسعار النفط، مشيرة إلى وجود ضغوط سيولة في القطاع المصرفي نتيجة الإقراض الحكومي الواسع.
وقد شهدت صافي الأصول الأجنبية للبنوك السعودية تحولا إلى المنطقة السالبة للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهو مؤشر خطير على الضغط الذي تتعرض له المصارف المحلية.
انخفاض في إيرادات البورصة والمشاريع:
هذا التراجع في الثقة ينعكس أيضًا في الأداء المالي لمجموعة تداول السعودية، حيث انخفضت إيراداتها التشغيلية بنسبة ثلاثة عشر في المئة على أساس سنوي خلال النصف الأول من عام ألفين وخمسة وعشرين.
كما أظهرت بيانات من شركتي أبحاث أن قيمة المشاريع الجديدة التي تم ترسيتها في النصف الأول من العام انخفضت بنسبة ستين في المئة مقارنة بالعام الماضي، في دلالة على أن الرياض بدأت فعلاً بمراجعة أولوياتها الإنفاقية.
العودة إلى تقليص الإنفاق؟
يشير بعض المحللين، مثل محمد السويد من شركة رزين كابيتال، إلى أن الحكومة قد تضطر إلى التخلي عن سياستها التوسعية والعودة إلى خفض الإنفاق في حال استمرار انخفاض أسعار النفط.
ويضيف أن المخاوف تتزايد من أن تفقد المملكة زخم برامجها التنموية بسبب هذه الضغوط المالية.
وعلى الرغم من أن السعودية لا تزال بعيدة عن الوقوع تحت ضغط الديون، حيث تبلغ صافي أصول البنك المركزي نحو أربعمئة وخمسة عشر مليار دولار، إلا أن صندوق النقد الدولي حذر مؤخرًا من أن المملكة ستواجه عجزًا ماليًا مستمرًا حتى نهاية هذا العقد.
ثقة الأسواق على المحك:
الشركات السعودية تشكل الآن خمسًا من بين أسوأ عشر شركات أداءً في مؤشر الأسواق الناشئة التابع لمؤسسة إم إس سي آي، ما يعكس فقدانًا للثقة من المستثمرين الدوليين.
وقالت مذكرة لبنك جي بي مورغان إن الضغط على السيولة والبيع الصافي من قبل المستثمرين المحليين هما المحركان الرئيسيان للتراجع الحالي في السوق.
ويخشى مراقبون مثل دان وورث، الشريك في صندوق التحوط برود ريتش، من أن المملكة قد تدفع ثمنًا باهظًا في المستقبل نتيجة هذا التوسع الكبير في الاستدانة، معتبرًا أن الدين السعودي مسعّر حاليًا بأقل من المخاطر الحقيقية، ما قد يؤدي إلى ما وصفه بعسر هضم اقتصادي ومالي قادم.
وعليه تجد السعودية نفسها الآن في نقطة تحول. فبينما تسعى للحفاظ على طموحاتها التنموية، فإن القيود المالية وتراجع ثقة الأسواق يدفعانها إلى إعادة تقييم مسارها الاقتصادي.
ويبقى السؤال الأساسي: هل ستتمكن الرياض من الموازنة بين التقشف المالي ومواصلة مشاريعها الطموحة، أم أن المرحلة المقبلة ستشهد تحوّلًا عميقًا في معادلة رؤية السعودية؟.
ارسال التعليق