ازدواجية المحاكم السعودية: سنين تسجن أبناء البلد وتطلق مزدوجي الجنسية
لا تنظر ممالك القمع السعودي إلى كل أصحاب الرأي المخالف لها؛ بعينٍ واحدة، قد يحكم مستوى قمعها لمن اتخذتهم أعداء لها امتلاكهم لجواز سفر دولة من عدمه. فيكون بطشها بمعتقليها في أدنى مستوياته أمام جوازات سفر أميركية وفي أعلاها أمام من كانت هويتهم ثبات مواقفهم.
في الأمس انضم الكاتب والأديب فاضل المغسّل إلى قافلة المحكوم عليهم بسبب أصواتهم وأقلامهم المؤمنة بالقضية الفلسطينية، في زمن بات فيه رفع علم فلسطين على أرض شبه الجزيرة العربية من كبرى المحرّمات.
فقد قضت محكمة سعودية بسجن المغسّل لثمانية وعشرين عاماً على خلفيةِ تُهم تتعلق بحق حرية التعبير عن الرأي عبرَ مدوّناتِه الشعريةِ المدافعة عن القضيةِ الفلسطينية.
فاضل هو شقيق المعارض المختطف أحمد المغسل (أبو عمران)، كان قد اعتقل من قبل السلطات السعودية أثناء دوامه في مدرسة الجناح بتاروت، خلال فترة اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول، صباح الثاني من يناير من العام ٢٠١٨، حينها اختطفته السلطات من بين تلامذته ومدوناته الشعرية التي صدّحت بها حنجرته وما كان يعلم أن حريته ستكون ثمناً لها وستقوده إلى سجون آل سعود التي تكتظُّ بالأحرار الثائرين الذين اعتقلوا ظلماً نتيجة سياسات النظام الجائرة.
شقيقه أحمد هو المعارض المختطف من مطار بيروت الدولي في لبنان الذي تتهمه السلطات بتفجيرات الخبر ما يثير المخاوف من استخدامه كأداة ضغط لانتزاع اعترافات منه أو من شقيقه تحت التهديد والترهيب والتعذيب النفسي والجسدي لهما.
وصلة القرابة هذه استخدمتها السعودية، عبر أذرعها في العالم الافتراضي، لتبرير اعتقال الشاعر المغسل ووضعه في مسار شيطنته. فقد شنّت السلطات السعودية عبر حسابات إلكترونية تابعة لها، حملة على المغسل محرّضةً على سجنه ومحاكمته على خلفية قصائده وصلة القرابة مع أبو عمران. وهي سياسة دأبت أجهزة الأمن السعودية على ممارستها حيال النشطاء وذوي الرأي عندما تعتقل أحد منهم، حتى لا تتحول قضاياهم إلى قضايا رأي عام، وتعزل بينهم وبين بقية أبناء المجتمع.
على المقلب الآخر عاد المعتقلين صلاح الحيدر وبدر إبراهيم، الذين يحملان الجنسية الأميركية، إلى الولايات المتحدة بعد 673 يومًا من السجن غير المشروع وسنتين من حظر السفر التعسفي في السعودية، حسبما أفاد مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط (MEDC) في التاسع عشر من الشهر الجاري.
صلاح الحيدر هو واحد من "معتقلي أبريل” الذين عُرفوا بمواقفهم القومية المناصرة بشدة للقضية الفلسطينية. و "معتقلي أبريل" هم مجموعة من الكتاب والصحفيين والحقوقيين الذين بلغ عددهم 16 شخصاً أقدمت السلطات السعودية على اعتقالهم في مطلع أبريل/ نيسان من العام 2019 . وشملت هذه الإعتقالات كلاً من الكاتب فهد أبو الخيل، ثمر المرزوقي، الكاتبة خديجة الحربي زوجة المعتقل ثمر المرزوقي، علي الصفار، محمد الصادق، عبد الله الدحيلان، مقبل الصقار، يزيد الفيفي، أنس المزروع، بالإضافة إلى الأكاديمي بدر الإبراهيمي، الطبيبة شيخة العرف مع زوجها المحامي عبد الله الشهري، الناشطين أيمن الدريس، ، نايف المهندس ورضا البوري.
الحيدر تمكن ، وهو صحفي، من مغادرة السعودية في فبراير/شباط 2024، وعاد إبراهيم، وهو طبيب وكاتب، إلى الولايات المتحدة في أبريل/نيسان 2023. ولم يتم إبلاغهما حين تم رفع حظر السفر عنهما، بل علما صدفة عندما حاولا السفر. وهو أمر معتاد في تعاطي "السلطات السعودية" مع معتقيلها، فلا تخبر في كثير من الأحيان المقيدين من السفر عندما يتم رفع حظر السفر المفروض عليهم، وقد حرم العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان من حقهم في حرية التنقل حتى بعد انتهاء حظر السفر الرسمي.
وجاء اعتقال الحيدر بعد عدة أيام من إطلاق سراح والدته، المقيمة الدائمة الشرعية في الولايات المتحدة والناشطة في مجال حقوق المرأة عزيزة اليوسف. وقد تم سجن اليوسف في مايو 2018 إلى جانب لجين الهذلول والعديد من الناشطات الأخريات في مجال حقوق المرأة. ولا تزال اليوسف ممنوعة من السفر وغير قادرة على لم شملها مع عائلتها في الولايات المتحدة. كما لا تزال الهذلول، الذي أُطلق سراحها من السجن عام 2021، ممنوععة من السفر خارج "السعودية" على الرغم من استكمال حظر السفر لمدة خمس سنوات في سبتمبر 2023.
منع حظر السفر هذا أعاد تسليط الأضواء على تبيان تعاطي "السلطات" مع معتقليها بين من يملك جواز سفر أميركي وسواهم ممن لا يملكونه.
ولطالما شكّلت مسألة المعتقلين مزدوجي الجنسية أحراجاً للسعودية لا سيما مع مزاعم الانفتاح،وسبق أن ذكرت بلومبيرغ أن "تشديد الخناق خلق جيلا جديدا من المعارضين وحفز حملات للدفاع في الخارج، مما يخلق إحراجا للمملكة في الخارج. فقد استأجر عدد من السعوديين في الخارج شركات ضغط أمريكية ومحامين للدفع بحالاتهم إلى الضوء في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة حملات انتخابية".
وذكرت أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أقام علاقات قوية مع الرئيس دونالد ترامب وصهره جارد كوشنر، وحصل على دعمهما العلني في أعقاب مقتل المعلق والصحافي السعودي في (واشنطن بوست) جمال خاشقجي بقنصلية المملكة بإسطنبول، عام 2018.
وأردفت: "أدت السياسة الخارجية وحملات القمع ضد المعارضين للأمير البالغ من العمر 34 عاما إلى نفور دوائر في الإدارة الأمريكية منه وشجب عدد كبير من نواب الكونغرس. وفي تموز/ يوليو حث أربعة أعضاء في مجلس الشيوخ يمثلون الحزبين الرئيس ترامب العمل على إطلاق سراح ولدي مسؤول سعودي سابق. قائلين إن على الرئيس واجبا أخلاقيا يتمثل في الوقوف مع رجل ساعد المخابرات الأمريكية ولسنوات، والذي تقول السلطات السعودية إنه مطلوب في قضايا فساد".
ولايزال مصير آلاف المعتقلين غير معروف، إلى جانب العشرات ممن انتهت محكوميتهم ولا يزالون قيد الاخفاء. السجون السعودية لا تضمن الحرية لمعتقليها، حتى وإن أقرت المحاكم لهم بذلك بقرار يعاقبهم على ما اقترفوه ببعض سنين السجن لـِ”تربيتهم” ومنعهم من التجرؤ على إبداء رأيهم ولوّ بسفاسف الأمور. هذا هو حال كل من المعتقلين عيسى النخيفي ومحمد الربيعة، اللذين انتهت محكوميتهما منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دون أن يفرج عنهما. الأمر نفسه يواجهه الدكتور محمد القحطاني، الذي تنتهي مدة الحكم بحقه بعد بضعة أيام، بينما يخفيه النظام السعودي منذ 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فلا تضمن السجون السعودية الحرية لمعتقليها، حتى وإن أقرت المحاكم لهم بذلك بقرار يعاقبهم على ما اقترفوه ببعض سنين السجن لـِ”تربيتهم” ومنعهم من التجرؤ على إبداء رأيهم ولوّ بسفاسف الأمور.
ارسال التعليق