
السعودية الحديثة: صورة لامعة تخفي انتهاكات حقوق الإنسان
تسعى الحكومة السعودية منذ سنوات إلى إعادة تشكيل صورتها على الساحة الدولية، مستخدمةً أدوات جديدة تتعدى الدبلوماسية التقليدية والاستثمار المالي وذلك لتقديم صورة لامعة تخفي انتهاكات حقوق الإنسان.
يكمن في صميم هذه الاستراتيجية ما يُعرف بـ”التلميع الرياضي” أو sportswashing، وهي حملة ممنهجة تهدف إلى تحسين سمعة المملكة من خلال استضافة فعاليات رياضية كبرى، برعاية صندوق الاستثمارات العامة، الذراع السيادي للثروة السعودية.
وفي حين باتت هذه الاستراتيجية مألوفة في عالم الرياضات التقليدية مثل كرة القدم والفورمولا 1، بدأت مؤخراً تتمدد نحو آفاق جديدة وغير متوقعة، أبرزها عالم الرياضات الإلكترونية.
من كأس السوبر الإيطالي والإسباني، إلى بطولات الجولف العالمية وسباقات الفورمولا 1 في جدة، دأبت السعودية على استضافة فعاليات كبرى تهدف إلى إظهار المملكة بمظهر الدولة الحديثة المتفتحة، خاصة مع اقتراب استضافتها لبطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2034.
وتُغدق الحكومة المليارات في هذه المشاريع عبر صندوق الاستثمارات العامة، الذي أصبح لاعباً رئيسياً في سوق الرياضة العالمية.
لكن في ظل هذه المشاهد الاحتفالية، تبرز انتقادات حادة من منظمات حقوقية تتهم المملكة بمحاولة صرف الأنظار عن سجلها الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، بدءًا من تقييد الحريات العامة، مرورًا بملف المرأة وحقوق العمالة الوافدة، وانتهاءً بقمع الأصوات المعارضة داخلياً.
الجديد في استراتيجية التلميع السعودي هو اقتحام ساحة الرياضات الإلكترونية – وهي سوق رقمية ضخمة تشهد نمواً متسارعاً على مستوى العالم، وتُعد من أكثر القطاعات جذباً لجيل الشباب.
وقد اختارت المملكة استضافة بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض، برعاية مباشرة من صندوق الاستثمارات العامة.
وتُعد هذه البطولة من الأكبر في العالم، حيث تتنافس فرق محترفة في ألعاب شهيرة مثل “ليج أوف ليجندز” و”فورتنايت” و”كونتر سترايك” على جوائز بملايين الدولارات، ويُتابعها جمهور يقدّر بالملايين حول العالم.
لم تمر هذه الخطوة دون إثارة الجدل، خاصة داخل مجتمع لعبة “ليج أوف ليجندز”، وهي من أكثر الألعاب شعبية في البطولة. أبدى العديد من اللاعبين والمشجعين استياءهم من ارتباط لعبتهم المفضلة ببلد يتهمه النشطاء بانتهاك الحقوق والحريات، ويرون في هذا التعاون ترويجاً لسياسات تُناقض القيم التي يُفترض أن تمثلها الألعاب والرياضات الرقمية، مثل حرية التعبير والمساواة.
وقد عبّر عدد من محترفي البث المباشر والفرق الكبرى عن تحفظهم، معتبِرين أن هذه الشراكات تمنح المملكة “شهادة شرعية” غير مستحقة، لمجرد أنها دفعت أموالًا طائلة.
إحدى أبرز المفارقات التي أثارت الانتباه، هي تنظيم بطولة نسائية ضمن كأس العالم للرياضات الإلكترونية، حيث تتنافس فرق نسائية عالمية، بينها فريقان سعوديان، على جائزة تبلغ 150 ألف دولار.
ورغم أن هذه المبادرة تبدو بمظهر تقدمي، إلا أن النقاد يرونها محاولة مكشوفة لتغطية الواقع المتردي لحقوق المرأة في المملكة، حيث لا تزال النساء تُواجه قيوداً قانونية واجتماعية رغم بعض الإصلاحات الشكلية الأخيرة.
“كيف يُمكن الاحتفاء بإنجاز فريق نسائي سعودي في الرياض، بينما لا تتمتع النساء السعوديات داخل بلادهن بحرية الحركة الكاملة أو الاستقلال التام؟”، يتساءل أحد نشطاء حقوق الإنسان في تعليق على البطولة.
تشير المعطيات إلى أن السعودية لا تنوي التراجع عن هذه الاستراتيجية. فبعد أن حققت اختراقاً ملحوظاً في تغطية وسائل الإعلام الرياضية الدولية من خلال كرة القدم، تستهدف الآن فئة جديدة بالكامل من الجمهور العالمي: الجيل الرقمي من الشباب، الذين يتابعون البطولات عبر الإنترنت ويستهلكون محتواها عبر البث المباشر ومنصات التواصل.
ويقول مراقبون إن نجاح هذه السياسة في صناعة الرياضات الإلكترونية قد يفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات السعودية في منصات البث، واستديوهات الألعاب، ومجتمعات الرياضات الرقمية، في محاولة لخلق صورة بديلة عن المملكة وتطبيع حضورها في فضاءات ثقافية جديدة.
ارسال التعليق