السعودية تواجه تآكل النظام من الداخل
تناول مقال جديد بمجلة نيوزويك الأمريكية ما يسميه بمخاطر الانهيار البطيء للنظام السعودي في ظل ولي العهد السعودي، وقال المقال إن النظام السعودي قد تمكن من البقاء خلافاً للتكهنات بأنه سيواجه احتجاجات واسعة إبان اندلاع الربيع العربي، وذلك عبر زيادة القمع ضد طيف واسع من منتقديه وبينهم إسلاميون ومدافعون عن حقوق المرأة وحتى بعض أفراد العائلة المالكة.
وأوضح المقال أن ذلك كان عام 2011. أما الآن فيقف ولي العهد السعودي وحيداً في قمة هرم السلطة، ولكنه فقد الكثير من الأدوات التي تتيح له الحكم دون اللجوء للقوة بشكل مباشر. وبحسب مقال للأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد فإن هذا الحل خطير وغير قابل للاستمرار، وهناك خطر جدي بفعل تآكل شرعية النظام مما سيقود لانهيار بطيء من الداخل. ومن الإجراءات الأولية التي اعتمدها ابن سلمان تقويض الوهابية التي كانت مذهباً رسمياً للدولة، وتُشكل أساساً أو سبباً لاستمرار حكم آل سعود لمختلف مناطق ومكونات المملكة، وأنه نتيجة لذلك، خلق فراغاً في التصور أو النهج الوطني وليس بإمكانه ملء هذا الفراغ سوى بالقمع المباشر. وقال المقال إن ولي العهد السعودي اعتقل كل أطياف الإسلاميين، من الراديكاليين إلى الحداثيين، لكونه يخاف من أي نقد يهدد ما يسمى الإصلاحات الجديدة التي أعلن عنها. وأوضح مقال نيوزويك أنه ليس كل المعتقلين يعارضون افتتاح دور السينما ورفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات، لكنه يخشى من نقد أكثر عمقاً قد يقوض حكمه. وقال إن ولي العهد السعودي مع تجاهله، وحتى إنكاره لأهمية الوهابية في استمرار سلطان العائلة السعودية، يحكم بدون أيديولوجية الدولة القديمة، ويبدو أنه مجبراً على استخدام القوة لمعاقبة معارضيه من داخل الدائرة الضيقة.
وقال إن ولي العهد السعودي أراد كسب شرعية جديدة عبر القيام بإصلاحات اقتصادية، ابتداء من برامج السعودة وخصخصة الأصول والخدمات الحكومية مشيراً إلى أنه وعد السعودية بالعيش في مدينة فاضلة يحصل فيها الشباب على الوظائف والثروة في حقبة ما بعد النفط. وقال إنه في البداية نجح في تحفيز المخيال الشبابي بوعود الازدهار والمشاريع المتطورة. لكن الحسرة كانت هي النتيجة. وأكد المقال أن ولي العهد السعودي يواجه تحديات حقيقية، وقد أُجبر على العودة للخلف والتراجع عن "الإصلاحات الاقتصادية".
وقال إن النكسة الأكثر شهرة هنا تتعلق بخطة طرح 5% من قيمة شركة أرامكو للاكتتاب العام. وهي مضخة النفط العملاقة التي بفضلها تدور عجلة النظام السعودي والكثير من دول العالم.
وأوضح المقال أن ولي العهد السعودي وجد نفسه بحاجة للسيولة النقدية. وقد أصابه سعار الاستدانة من الخارج. الرقم الضخم حالياً يبلغ 12.5 مليار دولار في السندات الحكومية وعلى نحو عاجل، اكتشف الشباب أن البطالة هي ما ينتظرهم بعد التخرج بدل الوعد بالعمل المريح وبإيقاع بطيء تغادر العمالة الوافدة المملكة. وفي ذات الوقت يزداد معدل إصدار التأشيرات للأجانب وترتفع نسبة البطالة بين الشباب السعودي.
وأكدت نيوزويك في مقالها أنه ومع تسميته المفاجئة ولياً للعهد عام 2016 واستبعاد أبناء العمومة الأكثر كفاءة، غاب الإجماع- وربما إلى الأبد - داخل العائلة الحاكمة. وقالت إنه كان يتعين على ولي العهد السعودي التحرك بسرعة لإحكام قبضته على السلطة والمؤسسات السياسية في الدولة، للتخلص من أي خطر كامن قد يستيقظ لتهديد حكمه.
وأوضحت المجلة أن ولي العهد السعودي أطلق في نوفمبر 2017 دراما ريتز كارلتون، حيث اعتقل أكثر من 12 من الأمراء الأقوياء مثل متعب بن عبد الله وأخيه تركي والوليد بن طلال. وطبقاً لبعض الروايات، فإن الاعتقالات كانت إجراء وقائياً ضد انقلاب كان يخطط له هؤلاء الأمراء. ليس هناك تأكيد لهذه القصة ولكن حكاية محاربة الفساد كانت مجرد دعاية رسمية لتبرير عمليات الاعتقال وجعلها مستساغة بالقليل من التوابل. وأكدت المجلة أن ولي العهد السعودي خلق الكثير من الأعداء داخل عشيرته الأقربين، وذلك ما سيلاحقه لوقت طويل. وليس واضحاً ما إذا كان قادراً على علاج الشرخ العميق دون المزيد من القمع. وفي النهاية، وبما أنه لمّا يتم تأمين الجبهة الداخلية، اعتقد ابن سلمان أن تبني سياسة خارجية معادية لإيران والتعهد بطردها من العديد من الدول العربية، قد يُتوّجه بلقب محارب الصحراء الجديد. وقالت المجلة إنه على شاشات التلفزيون، كان هناك تعويل على كسب الشرعية عبر التعهد بنصر عسكري خاطف في اليمن واستعادة المجد السعودي عبر رؤية جديدة للمواطنة في المملكة ولكن الحقيقة على الأرض تبدو مغايرة، فصواريخ الحوثي بدأت تطال ضواحي العاصمة الرياض.
وأكدت نيوزويك أن قصف ولي العهد السعودي لليمن يبرهن على أنه من المستحيل الانتصار بهذه الحرب، إنه حبيس عش الدبابير اليمني بدون إمكانية للنصر ومن دون استراتيجية للخروج.
وقالت إنه مع تصاعد الضغط الدولي إثر الخسائر البشرية والأزمة الإنسانية في اليمن، بإمكان ولي العهد السعودي التعويل فقط على الولايات المتحدة وبريطانيا الداعمتين الرئيسيتين لهذه الحرب الغادرة. وبدونهما لا يمكنه الاستمرار في الحرب، وفقاً للمسؤول السابق في "سي آي أي" بروس ريدل.
لم يحدث أبداً أن خاض الجيش السعودي حرباً بمفرده، ولم يربحها من باب آخر.
وأوضحت المجلة أنه ما لم يكن الهدف تحويل الحرب إلى معسكر تدريب للجيش السعودي قليل الخبرة، فإنه لا يوجد أي مبرر منطقي لاستمرار الغارات السعودية دون نصر يلوح في الأفق. وفي ظل القمع، لا يمكن توقع ثورة سعودية في المدى القريب. ما نراه هو التآكل التدريجي لشرعية النظام، وهو ما يمكن أن يستغرق وقتاً طويلاً قبل مرحلة الانهيار.
ارسال التعليق