السلطات السعودية تحت المجهر في مجلس حقوق الإنسان
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال شهر حزيران الحالي دورته الـ 56 والتي ستمتد حتى الـ 12 من شهر تموز القادم. ولعل المفيد في هذه الدورات والمجالس –التي صُرّح أنها أُسّست لمحاكمة دول العالم الثالث بعيدا عن إجرام قوى الاستكبار الكبرى- يكمن في توحيد الرؤية تجاه ظروف الإنسان في بلد معين.
كان للسعودية نصيب وافر من رصد الانتهاكات، التي فُنّدت بين حقوق المهجرين وحقوق المرأة وتلقت انتقادات تراوحت بين حقوقية وحكومية.
حول ملف حقوق المرأة، تناولت كلا من المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومنظمة أميركيون لأجل الديموقراطية وحقوق الإنسان هذه المسألة. انتقدت الجهتين ما ادّعاه عضو البعثة الرسمية السعودية في جنيف متعب الخلفي، أن بلاده شهدت خلال السنوات الماضية إصلاحات واسعة حظي مجال حقوق المرأة بالنصيب الاكبر منها.
تحدث الخلفي في المداخلة كحجج على هذه الإصلاحات المزعومة عن إصدار وتعديل العديد من القوانين واللوائح بما يكفل تمتع المرأة بحقوقها على قدر المساواة مع الرجل. لكن ووفقا للأوروبية السعودية فلم تتطرق الكلمة إلى مدى وكيفية تطبيق هذه القوانين والتغييرات، وإمكانية استفادة كافة النساء منها، في ظل اانتهاكات واسعة بحق النساء ظهرت بشكل أوسع خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة في السجون، وهي حالات تم توثيقها على مدى السنوات الماضية.
إضافة إلى ذلك، تحدث المخلفي عن إنشاء مؤسسات وجمعيات تعنى بحقوق المرأة واتخاذ تدابير أسهمت في تعزيز عدد من هذه الحقوق. يأتي الحديث عن مؤسسات متخصصة، فيما تم منع تأسيس أي منظمة أهلية مستقلة تعنى بحقوق النساء، وفي ظل اعتقال أبرز المدافعات اللواتي حاولن إنشاء وتسجيل مثل هذه المنظمات.
وتعليقا منها على هذه الادعاءات الرسمية الصادرة من المخلفي والتي تحاول "السعودية" من خلال هذه الجلسات تبييض سمعتها والواقع الأسود القائم على الأرض، رأت المنظمة الأوروبية السعودية أن استمرار السعودية في استخدام منبر مجلس حقوق الإنسان وآليات الأمم المتحدة في ترويج صورتها لا يجب أن يحظى بآذان صاغية، فيما لا زالت الناشطات والمدافعات اللواتي حاولن الحديث عن الواقع أمام هذه الآليات محتجزات أو ممنوعات من السفر وممارسة النشاط.
أما منظمة أميركيون لأجل الديموقراطية في البحرين، فقد قدّمت مداخلتها خلال جلسة المناقشة السنوية حول حقوق الإنسان للمرأة، التي عبّرت فيخا عن ضرورة أن تقوم "السعودية" بتنسيق تشريعاتها مع معايير حقوق الإنسان وضرورة أن تطلق سراح المعتقلين بسبب التحدث والدعوة لحقوق الإنسان.
في إطار مداخلتها في الـ 28 من حزيران الحالي، أشارت المنظمة إلى نظام ولاية الرجل القائم في "السعودية" على أنه يحد بشدة من استقلالية المرأة وحرياتها وطوّق حريتها في اتخاذ قرارات السفر أو الوصول إلى بعض الخدمات الصحية. بالإضافة إلى نظام الوصاية، واجهت المنظمة ادعاءات البعثة الرسمية السعودية في جنيف تواجه المدافعات عن حقوق الإنسان الملاحقة القضائية، وحُكِم على بعضهن بالسجن لفترات طويلة تصل إلى 45 عامًا لممارسة حقهن في حرية التعبير. ومن بين هؤلاء لجين الهذلول ونسيمة السادة وسمر بدوي، اللاتي اعتُقِلن تعسفيًا، ومُنِعن من السفر، وتعرضن للتعذيب المروع وسوء المعاملة في السجن.
وباعتبارها طرفًا في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، أكدت أميركيون لأجل الديموقراطية أنه ينبغي على السعودية مواءمة تشريعاتها مع معايير حقوق الإنسان، بما في ذلك قانون الأحوال الشخصية لعام 2022. كما ينبغي عليها أن توقف قمع حرية التعبير، كما وإطلاق سراح ما لا يقل عن 44 امرأة محتجزة بسبب التعبير عن آرائهن والدفاع عن قضايا حقوق المرأة.
من جهتهم، سجلت كلٌّ من منظمة القسط وهيومن رايتس ووتش مداخلة مع المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن وضع العمال المهاجرين في السعودية سيء، لا سيما العاملين في قطاع البناء وعاملات المنازل، فضلاً عن مقتل المهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود اليمنية السعودية على يد حرس الحدود السعوديين، مؤكّدَين على أنه أمر يتطلب اهتماماً عاجلاً وإجراءات فورية.
وأكدوا بأن وضع العمال المهاجرين في السعودية، لا سيما العاملين في قطاع البناء وعاملات المنازل، فضلاً عن مقتل المهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود اليمنية السعودية على يد حرس الحدود السعوديين، يتطلب اهتماماً عاجلاً وإجراءات فورية.
قالت منظمة القسط لحقوق الإنسان وهيومن رايتس ووتش إن السلطات السعودية تستخدم "المشاريع الضخمة"، مثل مشروع مدينة نيوم الضخم وعرضها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034، لصرف الانتباه عن الانتقادات الموجهة لسجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان وإعادة تأهيل صورتها كمنتهكة واسعة النطاق لحقوق الإنسان.
مشددين على أن هذه المشاريع تعتمد على استغلال وانتهاك حقوق العمال المهاجرين بموجب نظام الكفالة المسيء الذي يربط العمال بالكفلاء للحصول على تصاريح إقامتهم وعملهم. ويشكل العمال المهاجرون حوالي 80% من القوى العاملة في القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية. على الرغم من الإصلاحات، لا يزال أصحاب العمل يسيطرون بشكل غير متناسب على العمال، بما في ذلك ما إذا كان بإمكانهم تغيير وظائفهم.
في ظل هذه الظروف، لا يزال العمال عرضة للانتهاكات على نطاق واسع، بما في ذلك استبدال العقود، ورسوم التوظيف الباهظة، وعدم دفع الأجور، ومصادرة جوازات السفر من قبل أصحاب العمل، والعمل القسري. تستمر المملكة العربية السعودية أيضًا في استخدام حظر العمل في الهواء الطلق في منتصف النهار على أساس التقويم كإجراء أساسي للحماية من الحرارة، على الرغم من الأدلة على عدم فعاليتها في حماية العمال.
كما لفتت المنظمتين إلى أنه عندما يفقد العمال حياتهم في السعودية، لا يتم التحقيق في وفاتهم بشكل صحيح، ولا يتم تعويض أسر الضحايا المحزونة حيث يتم تصنيف غالبية الوفيات على أنها غير مرتبطة بالعمل. وقد كانت هناك أيضًا تقارير متكررة عن عدم دفع الأجور لشهور متتالية.
كما قتلت السلطات السعودية عشرات المهاجرين الإثيوبيين على الحدود السعودية اليمنية بين مارس/آذار 2022 ويونيو/حزيران 2023. ووجدت هيومن رايتس ووتش حالات متعددة استخدم فيها حرس الحدود السعوديون أسلحة متفجرة على المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يحاولون العبور من اليمن إلى المملكة العربية السعودية، مما أدى إلى مقتل وإصابة المئات. تشكل هذه الأعمال العنيفة ضد المهاجرين انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني وقد ترقى إلى جرائم حرب ضد الإنسانية.
حيث كشفت إحدى التقارير مؤخرا أن ما يفوق التسعة آلاف عامل أجنبي لا يزالون ينتطرون مستحقاتهم من الشركات التي عملوا بها في بعض الأحيان أكثر من عقد، من أصل 21 ألف عامل على الأقل من باكستان، وبنغلادش، والفليبين، ونيبال. وقدّرت محكمة التنفيذ في الرياض في 2019 أن سعودي أوجيه -وحدها-، التي تمت تصفيتها الآن، مدينة بأكثر من 2.6 مليار ريال سعودي (693 دولار أمريكي) كأجور غير مدفوعة وغيرها من المستحقات للعمال.
وفي أواخر عام 2023، أعلن أمناء تصفية “شركة سعودي أوجيه المحدودة” وأمين إفلاس “مجموعة محمد المعجل”، وهم أمناء الشركتين السعوديتين اللتين واجهتا تحديات من هذا النوع، وتخضعان حاليا للتصفية والإفلاس على التوالي، أن على الموظفين التسجيل للحصول على مستحقاتهم. لكن ثمة ثغرات عديدة في خطة السداد تعرّض الأجور للخطر.
كما ودعت إلى ضرورة تنفيذ "الحكومة السعودية" لعدد من الإصلاحات، هي التالية:
تفكيك نظام الكفالة، بما في ذلك إلغاء شرط حصول العمال على تصريح خروج قبل مغادرة البلاد؛
جعل تشريعات العمل المحلية في السعودية متوافقة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحق في حرية التنقل؛
مطالبة الشركات التي تفكر في ممارسة الأعمال التجارية في السعودية بإجراء تقييمات قوية للعناية الواجبة بحقوق الإنسان وضمان حماية حقوق العمال المهاجرين.
تنفيذ توصيات المراجعة الدورية الشاملة للمملكة العربية السعودية لأوضاع حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من خلال التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الدولية لحماية الحقوق. لجميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (ICMW)؛
فتح تحقيق فوري في مقتل المهاجرين على الحدود اليمنية السعودية.
مؤكديين على ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بمعالج انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في السعودية من خلال حث سلطات البلاد على الالتزام بتعهداتها في مجال حقوق الإنسان من خلال حماية حقوق المهاجرين داخل حدودها وعلى حدودها.
ارسال التعليق