السلطات السعودية تخفض ميزانيتها العسكرية لعام 2022
عجز الميزانية في السعودية كان أمراً متكررًا في السنوات الأخيرة؛ خاصة بعد بدء الحرب المدمرة في اليمن، حيث تم إنفاق جزء كبير من ميزانية البلاد على المعدات العسكرية.
الفشل.. نتيجة التكلفة الكبيرة لحرب السعودية في اليمن:
نشرت صحيفة Financial Times مؤخرًا تقريرًا عن قطاع الدفاع في السعودية، الذي ينفق 57 مليار دولار سنويًا على الإنفاق العسكري، وهو أحد أكبر القطاعات في العالم. وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أنفقت السعودية 57 مليار دولار على الدفاع العام الماضي وحده.
وأعلن المعهد نفسه الشهر الماضي، بناءً على أبحاثه، أن صادرات الأسلحة الأمريكية شكلت 37٪ من مبيعات الأسلحة العالمية من 2016 إلى 2020، وأن البلاد باعت أسلحة إلى 96 دولة في العالم، نصفها بيعت إلى دول غرب آسيا. وفي الوقت نفسه، تعد السعودية أكبر مستورد للأسلحة من الولايات المتحدة، حيث بلغت وارداتها من الأسلحة من 2016 إلى 2020 12.6 مليار دولار. كما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرًا عن اتفاقية عسكرية جديدة مع السعودية، حيث تقدر وزارة الخارجية الأمريكية قيمة صفقة الأسلحة بمبلغ 650 مليون دولار، ولدى الكونجرس 30 يومًا للنظر فيها.
وفقًا لتقرير سابق صادر عن معهد ستوكهولم للسلام، كانت السعودية أكبر مستورد للأسلحة في العالم في السنوات الخمس الأولى من حرب اليمن، بل وزادت الولايات المتحدة وبريطانيا صادراتهما من الأسلحة إلى السعودية دون القلق من إسقاط أسلحتهما على رؤوس الأطفال في اليمن.
زاد الإنفاق العسكري السعودي في حرب اليمن بشكل كبير، خاصة بعد أن زادت حركة أنصار الإسلام قوتها الصاروخية وهجماتها المميتة المتكررة في عمق المملكة، بما في ذلك منشآتها النفطية. في غضون ذلك، كانت الولايات المتحدة أهم مصدر أسلحة للرياض في حرب اليمن. ومع ذلك، فإن هذا الإنفاق الضخم في القطاع العسكري لم يكن له تأثير كبير على حماية السعوديين، بل وأصبحت الجبهة الداخلية للبلاد أكثر عرضة لهجمات الحوثيين.
لأول مرة منذ بداية الحرب اليمنية خفضت السعودية ميزانيتها العسكرية:
لكن السعودية أعلنت مؤخرًا في خفض ميزانية العام الجديد أنها تخطط لخفض الإنفاق العسكري بأكثر من 10 في المائة في عام 2022 مقارنة بالعام السابق. تخطط السعودية لإنفاق 45.58 مليار دولار على الإنفاق العسكري في عام 2022، بانخفاض 10.2 في المائة من تقديراتها البالغة 190 مليار ريال في عام 2021، وفقًا لبيان الميزانية السعودية. هذه هي المرة الأولى منذ عام 2013 التي لا تعاني فيها الميزانية السنوية للسعودية من عجز في الميزانية فحسب، بل تعاني أيضًا من فائض في الميزانية.
ويبلغ هذا الفائض 24 مليار دولار (ما يعادل 90 مليار ريال سعودي) أو 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي. في الوقت نفسه، من المتوقع أن ترفع السعودية أسعار النفط، وبينما يتم تداول سعر النفط حاليًا عند 40 إلى 50 دولارًا للبرميل، عدلت السعودية ميزانيتها لعام 2022 إلى 80 دولارًا للبرميل. وعليه، من المتوقع أن ترتفع عائدات النفط السعودي العام المقبل، لذلك يأمل المسؤولون السعوديون إنهاء كابوس عجز الموازنة في العام الجديد. وأعرب مسؤولون سعوديون عن أملهم في استمرار فائض الميزانية في عامي 2023 و2024.
لماذا قرر السعوديون فجأة خفض الميزانية العسكرية للعام المقبل؟
يشير محللو الشؤون الإقليمية إلى الحرب اليمنية على أنها الدافع وراء الخطوة السعودية. على مدى السنوات السبع الماضية، منذ بداية الحرب اليمنية، وبينما يعترف المسؤولون السعوديون بأن قطاعات مختلفة من الاقتصاد قد تضررت بشدة وأن الزيادات الضريبية أثارت غضبًا عامًا، فإن جزءًا كبيرًا من الميزانية السعودية الذي ينفق دائمًا على الأسلحة، تم استخدامه في حرب اليمن. الآن، بعد ما يقرب من سبع سنوات، يرى الشعب السعودي أنه بينما تجاوزت الميزانية العسكرية لهذا البلد 400 مليار دولار خلال هذه السنوات، لم تحقق عمليًا أي شيء للسعوديين، والنتيجة هي هجمات الحوثيين المتكررة في عمق السعودية. بالطبع، نظرًا لتكتم المسؤولين السعوديين بشأن الإنفاق العسكري، يصعب تقدير هذه التكلفة بدقة في الحرب اليمنية، ويعتقد الكثيرون أن الأموال التي أنفقتها الرياض حتى الآن على الحرب المدمرة في اليمن أكبر بكثير من ذلك بكثير.
من ناحية أخرى، فإن خطة الحلم التي أطلق عليها رؤية 2030 لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من التكلفة الباهظة التي تتكبدها البلاد ومعظمها تُدفع من جيب الشعب السعودي، لم تحقق حتى الآن نتائج على الأرض. على وجه الخصوص، أثارت مدينة نيوم الخيالية، التي تكلف الشعب السعودي 500 مليار دولار وشردت قسمًا كبيرًا من السكان الذين يعيشون على شواطئ البحر الأحمر، انتقادات من العديد من الخبراء والشعب السعودي. منذ عام 2017، عندما تم تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد للسعودية، تولى عمليًا شؤون هذا البلد، وكان لوالده، سلمان بن عبد العزيز، ملك السعودية، دورًا رمزيًا فقط. إضافة إلى ذلك، بذل محمد بن سلمان جهودًا كبيرة للاستيلاء على عرش والده على مدى سنوات، ولم يمتنع عن قمع أي معارضة، بما في ذلك الأمراء السعوديين، ومن أبرزهم محمد بن نايف ولي عهد السعودية السابق. وبهذه الطريقة دفع بن سلمان ثمن جرائم مثل القتل الوحشي للصحفي السعودي "جمال خاشقجي". حتى الآن، ولا سيما في الدول الغربية، يلقب ابن سلمان بـ "السيد منشار". كما أنه معزول منذ 2018 بعد اغتيال خاشجي بن سلمان وتغيب عن العديد من المؤتمرات والاحتفالات الرسمية.
هل بن سلمان يقترب من العرش السعودي؟
لكن في المرحلة الحالية، يشعر ولي العهد السعودي الشاب والطموح أن كل هذه الجهود قد آتت أكلها وأنه الآن على بعد خطوة واحدة من عرش السعودية. حيث كشف "مجتهد" قبل أيام عن أسرار آل سعود في تغريدة: الأقوال والأحاديث هذه الأيام عن استعدادات الديوان الملكي ومسؤولين آخرين لإعلان تنصيب محمد بن سلمان ملكاً صحيحة، ومستوى الاستعدادات لها أقرب إلى تنصيب إمبراطور! وبالطبع لا تعرف الجهات اللوجستية موعد هذا الحفل، وليس من الواضح ما إذا كانت هذه المراسم ستتم بالفعل أم أنها مجرد التحضير للأداء في حالة وفاة الملك.
وبحسب مراقبين، فإن بن سلمان، الذي فقد الكثير من شرعيته الشعبية من خلال الإجراءات القمعية والحرب المدمرة في اليمن، والذي يبدو الآن أنه على وشك اعتلاء العرش، قد قرر اتخاذ إجراءات مثل تقليص الميزانية العسكرية في اليمن، لسببين، يأتي في المركز الأول: تخفيف الضغط عليه بسبب هوامش الحرب اليمنية، وفي المركز الثاني الوعد بإصلاحات في القطاع الاقتصادي السعودي.
ومع ذلك، فإن بعض المؤسسات والخبراء الاقتصاديين يعتقدون أن هذه النظرة السعودية لفائض الميزانية بعيدة إلى حد ما عن الواقع. في تقرير، أعلن موقع S&P Global المتخصص في الشؤون الاقتصادية، في تقرير، أن فائض الميزانية السعودية من المتوقع أن يتم توفيره من خلال زيادة الضرائب، وفي الواقع يعتزم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القيام بأعماله الاقتصادية من خلال التخطيط بالاستثمار في سبل عيش الناس.
وقال الموقع إن قرار السعودية زيادة فائض الميزانية لا علاقة له بالإصلاحات ورؤية 2030، وأن المال في الواقع سيتم توفيره من جيوب الناس. أيضًا، نظرًا لأن السعودية دولة نفطية ويعتمد مصدر دخلها الرئيسي على النفط، يتوقع الاقتصاديون أن أسواق النفط حول العالم قد تتقلب مرة أخرى بسبب احتمال استمرار وباء كورونا. ولهذا السبب لا تستطيع السعودية بالتأكيد الاعتماد على بيع 80 دولارًا للبرميل.
ارسال التعليق