الصراع القطري – السعودي … حرب خليجية رابعة على الأبواب
بالتأكيد لن يقف القطريون مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون خصومهم يتحشدون ضدهم ويلوحون بغزو عسكر ي قريب لقطر للإطاحة بحاكمها وسط حماس إماراتي مصري يعززه إرادة سعودية بتصفية الأسرة الحاكمة في قطر وإلغاء وجودها السياسي وضم قطر لاحقا إلى الفضاء السعودي .
قطر لا تملك جيشا ضخما ومرعبا يمكن ان يقنع السعوديين وحلفائهم بالعدول عن هذه الفكرة والتراجع عنها وهي بالتأكيد ستلجأ إلى اقرب الحلفاء والأصدقاء وهم الأتراك والإيرانيين لحمايتها وهو أمر مبرر لها لا سيما وان السعودية والإمارات تستعينان أيضا بقوات أمريكية وفرنسية لحماية أراضيهم .
الاشتباك القطري مع السعودية وحلفائها إن حدث سيكون بمثابة حرب خليج رابعة ستشعل المنطقة من جديد وسيكون الأسطول الأمريكي شاهدا على وقائعها . سينتقم السعوديون بشدة من منشات النفط والغاز القطرية وسيعيد سلاح الجو السعودي والإماراتي استخدام سيناريو القصف الجوي في اليمن لتدمير المنشات والمواقع الحساسة القطرية لضعضعة الوضع الداخلي وإقناع الجيش والشعب القطري على الاستسلام سريعا وعدم المقاومة من أجل ضمان نجاح خطة الغزو والاقتحام للدوحة .
الأوضاع في المنطقة تسير نحو الحرب وهي تشبه حاليا الوضع الذي كانت عليه أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى ,حيث كانت منقسمة إلى معسكرين متصارعين انتظرت حادثة اغتيال الارشيدوق النمساوي لتشتعل شرارة الحرب العالمية التي فتكت بعشرات الملايين من البشر وغيرت الكثير من الخرائط الجغرافية في العالم بضمنها المنطقة العربية .
هناك عوامل تشجع فكرة غزو قطر من قبل السعودية وحلفائها منها ترسانة السلاح الضخمة ووجود غطاء سياسي إقليمي ودولي يشجع فكرة الغزو في مقابل تواضع القوة العسكرية القطرية والتي من المؤكد إنها ستلجأ إلى فتح أراضيها أمام القوات الإيرانية والتركية وعناصر حركة حماس وأية ميليشيات أخرى تدافع عن أراضيها.
وصول الخلاف السعودي المدعوم بحرينيا وإماراتيا إلى هذا المستوى من التصعيد والتصادم إلى حد إخراج قطر من البيت الخليجي ومحاصرتها بهذا الشكل المفرط إنما يعكس وجود أزمة خطيرة في النظام السياسي الخليجي والعربي ومحاولة السعودية الانفراد بزعامة هذا النظام التي استغلت زيارة ترامب والفاتورة الضخمة التي دفعتها له لمباركة هذا الدور القيادي والاعتراف به وكانت الدوحة أول الضحايا .
الاتهامات التي وجهت إلى قطر واعتبرتها الرياض تهديدا خطيرا لها ليست جديدة وتعلم الرياض بها منذ فترة وهي لا تمس امن الرياض وحلفائها بشيء ,بل أن قسما من هذه الاتهامات تنطبق على الرياض نفسها فهي أول من تنافس مع القطريين على دعم الحركات الراديكالية المتطرفة في ليبيا وسويا وحرص كل منهما على أن يحجز له دورا ضاغطا ومؤثرا عبر هذه الجماعات في مواقع الأزمة تلك .
الحساسية السعودية من دو الإخوان السياسي في المنطقة وتحفظاتهم على وجود زعمائها وقياداتها في قطر لم يقابله هذا الاستياء على الأتراك الذين يحتضنون بدورهم العديد من زعماء الجماعة ويحتفظون بعلاقة مميزة نوعا ما مع بعض قيادات حكة حماس .ويبدوا أن السعوديين يستحضرون الماضي في تعاملاهم مع القطريين والشدة التي أظهروها في انقلابهم المفاجىء على القطريين وحماستهم الشديدة في إجبار حاكم قطر على الخضوع والتنازل والالتزام بالشروط السعودية .كان لقطر ومنذ البداية شخصيتها ورأيها السياسي البعيد عن الموقف السعودي ومحاولتها لعب دور منفرد ومميز يمنحها بعضا من الخصوصية والتأثير في أحداث المنطقة وهو ما جعلها تؤسس لقناة الجزيرة وتستغلها لرفع منسوب حضورها السياسي العربي وتقديم نفسها على إنها إمارة ليست تقليدية ولا تمانع في الانفتاح على الأفكار والتوجهات الحديثة بعكس جارتها السعودية التي تفرض قيودا شديدة على حرية المعلومات والصحافة وتمنع المرأة من قيادة السيارات وتتبنى نهجا فكريا متشددا خرجت من عباءته العشرات من التنظيمات الإرهابية المتطرفة .
هذا الصعود القطري خلال مدة قصيرة جعل السعوديين يشعرون بالغضب من تنامي هذا الدور على حسابهم ونجاح الدوحة في توظيف ثرواتها النفطية في صناعة هذا الحضور والدور مما جعل الرياض تؤمن بضرورة ترويض هذا الدور واحتوائه بأي ثمن وهو الشعور الذي تضاعف بعد التورط السعودي في حرب اليمن وفشل السعودية في تحويل هذا التدخل إلى مناسبة لتوكيد زعامتها العربية والإسلامية ,خصوصا وان العديد من الدول الإسلامية رفضت المشاركة في هذه الحرب لأسباب أخلاقية وعدم اقتناعها بالحجج السعودية لتبرير غزوها لليمن ,إضافة إلى ميلها إلى الحلول السلمية في إيجاد مخرج للازمة بدلا من الحرب وهو ما ترفضه السعودية .
تصريحات الشيخ تميم التي أشعلت الغضب السعودي وفجرت مكامن الغضب لديها وجعل الرياض تبدأ حربها الباردة على الدوحة والتعامل معها على أنها عدو يجب تصفيته والقضاء عليه وهو ما تقوم به الرياض حاليا من خطوات ناعمة بدأت بفض الحصار الشامل برا وبحرا وجوا ,إضافة إلى القطيعة الكاملة مع القطريين عبر سحب السفراء وإغلاق السفارات وحظر التعامل المالي والتجاري وصولا إلى محاولة إخضاع الدوحة إلى أحكام البند السابع عب إصدار قرار أممي وبضوء أخضر أمريكي ,فضلا عن إعادة الاتصال بعض من أفراد الأسرة الحاكمة في الدوحة من الفرع الآخر لأسرة ال ثاني لترتيب انقلاب داخلي يطيح بالشيخ تميم ويستبدله بشخص آخر مقرب من السعودية وينهي دور قطر المعاند لها .
قطر لا تختلف كثيرا عن السعودية في دعم التطرف في المنطقة ومساعدته على الظهور والثبات في الأماكن التي ينتشر فيها وهي قد تورطت بعد العام 2011 في عملية إسقاط القذافي وقتله وتسببت في تحويل ليبيا إلى دولة فاشلة تسيطر عليها الميليشيات وتعمها الفوضى .كما أن لها علاقة مميزة ببعض التنظيمات المصنفة إرهابيا في سوريا والتي تشترك معها في هدف تغيير النظام في دمشق ,وهي من وظف قناة الجزيرة لتحقيق أهدافها السياسية وفي رعاية بعض الأجندات التي تتماشى مع سياستها التدخلية في بعض الملفات في المنطقة وهو دور لم تخجل منه قطر يوما أو تراجعت عنه حتى بينما في المقابل نجد أن السعودية وباستثناء عدائها المزمن لحركة الإخوان المسلمين فأنها تلتقي مع قطر في معظم ثوابت سياستها الخارجية فهما يتحالفان مع واشنطن ويسعيان لاسترضائها بأي ثمن ولا يعارضان الكيان الصهيوني ويشحنون المنطقة طائفيا .
التحذير القطري من اقتراب البوارج السعودية والإماراتية من سواحلها يؤكد تيقن قطر من عزم السعودية وحلفائها على شن الحرب ضدها ,لكنها تراهن على الوساطات بضمنها وساطة ترامب نفسه من اجل تجنيب المنطقة حربا رابعة تنتهي بدمارها وربما باستيلاء المارينز الأمريكي على حقول النفط فيها .
بقلم : الدكتور صادق كاظم
ارسال التعليق