المواطنون فقدوا الثقة.. مشروع مدينة "نيوم" حوَّل فرحة السعوديين إلى شعور بالريبة ثم المقاومة
التغيير
بينما ابتهج السعوديون حين كشف ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عن خطط إنشاء مدينة “نيوم” العملاقة باستثمار تبلغ قيمته 500 مليار دولار، يقول تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، تلاشى التفاؤل وفَتَحَ الباب أمام شعورٍ بالريبة، ثم المقاومة، رفضاً لإعادة توطين آلاف السكان وإرغامهم على مغادرة أراضيهم.
حسب تقرير الوكالة الذي نُشر الجمعة 24 أبريل/نيسان 2020، رَفَضَ أفرادٌ من قبيلة الحويطات، التي تعيش في المنطقة، مغادرتها. وتصاعَدَت شهورٌ من التوتُّر إلى تبادل إطلاق نار مميت، الأسبوع الماضي، مِمَّا أثار مخاوف من احتمال اندلاع اضطراباتٍ في منطقةٍ نائية حيث تشيع حيازة الأسلحة.
قال أحد السعوديين المرتبطين بالمنطقة، مُتحدِّثاً شريطة عدم الكشف عن هويته؛ خوفاً من الانتقام: “الناس هنا فقدوا الثقة”. وأضاف: “كانت لديهم آمالٌ كبرى في الأعمال والاستثمار والتعويضات، لكن مع مرور الوقت تسرَّب الشكُّ إلى نفوسهم”.
لا يُتوقَّع أن تعطِّل هذه المشكلات مشروع الأمير محمد بن سلمان، إلا أنَّ رد الفعل هذا يؤكِّد التحديات التي يواجهها، في وقتٍ من الاضطراب العالمي وانهيار أسعار النفط، حتى مع استمراره في التغييرات التي تمسُّ كلَّ جانبٍ من جوانب الحياة في المملكة.
حتى ذلك الحين، كان بعض الناس يساورهم القلق من الشائعات بأنه سيجري نقلهم. غير أن رد الفعل العكسي لم يبدأ إلا في يناير/كانون الثاني، حين أخبر الأمير فهد بن سلطان -حاكم منطقة تبوك حيث يقع مشروع نيوم- سكَّان المنطقة بأن عليهم تسليم الأراضي التي يحوزونها مقابل تعويضات، حسبما قال ثلاثة أشخاص على اطِّلاعٍ على الأمر.
سرعان ما انطلقت الانتقادات على الشبكات الاجتماعية، مصحوبةً بهاشتاغٍ شائع الانتشار ضد إعادة التوطين. وذُكِرَ في إحدى التغريدات الأولى على منصة تويتر، التي كَتَبَها حسابٌ مُجهَّل الهوية: “نتطلَّع إلى أمورٍ جيِّدة، ثم بين ليلةٍ وضحاها تنكشف حقيقة هذا المشروع. اتضحت الأمور: إنهم يريدون الأمر دون الناس”.
واتَّخَذَت الأمور منعطفاً أسوأ، هذا الشهر، حين جاء فريقٌ لمسح الأرض التي يمتلكها عبدالرحيم الحويطي. وسرعان ما نَشَرَ عبدالرحيم، المعارض الشرس للإخلاء، مقطع فيديو يهاجم الحكومة، واصفاً رجال الدين بـ”الجبناء الصامتين”، وساخراً من قيادة وليّ العهد، ناعتاً إياها بـ”ولاية الأطفال”.
في مقطع الفيديو، يتوقَّع عبدالرحيم أنه سيُقتَل أو يُعتَقَل، لكنه قال إنه لا يكترث بذلك وإن أرضه غاليةٌ عليه ولن يبيعها. وفي فجر يوم 13 أبريل/نيسان، تحقَّقَ توقُّعه. جاءت قوات الأمن إلى القرية واندلع اشتباكٌ فيها. قُتِلَ عبدالرحيم، وأُصيبَ اثنان من ضباط الأمن بعدما قاوَمَ اعتقاله وفَتَحَ النار، بحسب بيانٍ أصدرته رئاسة أمن الدولة. ووجَدَ الضباط عديداً من الأسلحة في منزله.
واستنكَرَ زعيمٌ قبلي ما فعله عبدالرحيم، ووَصَفَته هاشتاغات على منصة تويتر بأنه “إرهابي”، بينما اعتبره البعض في تبوك شهيداً.
وقال شخصان مطَّلعان على مجريات مشروع نيوم، إن السلطات خفَّفَت من خطط إعادة التوطين، وكانت تعمل على إمداد السُكَّان بحِزَمٍ اجتماعية واقتصادية سخيَّة، بما يشمل بعثاتٍ دراسية بالخارج وتدريباتٍ تنتهي إلى الحصول على وظائف.
كما أوضح الأشخاص الثلاثة في وقتٍ سابق، أنه لم يُجلَ أحدٌ حتى الآن، ولم تُحدَّد حِزَم التعويضات بعد. وقال اثنان منهم، إنه من المُقرَّر الانتهاء من عمليات الإجلاء هذا العام، لإفساح الطريق للبناء، في إطار مشروع المدينة العملاقة الجديدة.
بينما قالت كريستين ديوان، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج بواشنطن: “جاء محمد بن سلمان إلى السلطة حالماً بهذه المدينة الجديدة. لن يُعلِّق هذا المشروع رغم العراقيل الاقتصادية والسياسية”. وأضافت ديوان أن المقاومة الداخلية لن تردعه عن مواصلة المشروع.
وتتركَّز طريقته الرئيسية في التعامل مع هذه المقاومة على التخويف واستخدام القوة إذا لزم الأمر”. وقالت أيضاً: “لا أتوقَّع أن يتغيَّر ذلك. في الحقيقة، أتوقَّع أن يكون أوضح، لأن المملكة تواجه أوقاتاً أصعب”.
ارسال التعليق