بعد رأس جميلة السلطات السعودية تحوّش على شركات مصرية
"هذه أموالكم ردّت إليكم"، جملة لم تنتظرها الرياض ولا أبو ظبي من القاهرة، على خلفية وضع ودائعهما في البنك المركزي المصري، بذريعة محاولة دعم الجنيه المصري ووقف عجلة انهياره. يعلم المحمدين جيدا أن النظام المصري بعيد كل البعد عن الإيفاء بالدين، مع تفاقم مستوى التضخم بالبلاد، ولغياب أي إجراء يضع البلاد على سكة الخلاص.
وفي سياق استغلال النظام السعودي للكُربات المصرية، كشفت مصادر حكومية مصرية مطلعة، السبت، عن عرض جديد تقدمت به "السعودية"، شمل التنازل عن ودائعها لدى البنك المركزي المصري، وذلك مقابل إتمام صفقة “رأس جميلة” والاستحواذ على بعض الشركات الحكومية أيضا.
الودائع السعودية التي تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 10.3 مليار دولار، وهي عبارة عن 5.3 مليارات دولار ودائع متوسطة وطويلة الأجل، و5 مليارات دولار ودائع قصيرة الأجل، قد تتنازل عنها الرياض لإتمام هذه الصفقة، بحسب مصادر إعلامية.
ويتضمن العرض السعودي مدينة رأس جميلة، وشركة سيرا للتعليم، وهي شركة متخصصة في قطاع الخدمات التعليمية في مصر، تقوم بتشغيل 27 مدرسة مملوكة لها، إضافة إلى نحو 5 شركات أخرى في قطاعات مختلفة مثل التطوير العقاري والصحة والطاقة والكهرباء والخدمات المالية والأغذية، وسيتم الإعلان عن تلك الصفقات قريبًا، كما نقل المصدر.
جدير بالذكر أن صندوق الاستثمارات العامة السعودية استحوذ عام 2022، أيضا على حصص مملوكة للحكومة المصرية في 4 شركات مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار.
منها شركة أي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية، وأبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة موبكو، والإسكندرية لتداول الحاويات.
وفي فبراير/شباط 2024 كانت تسريبات إعلامية قد خرجت تتحدث عن صفقة محتملة لبيع مدينة “رأس الحكمة” بأكملها في صفقة مع الإمارات مقابل نحو 20 مليار دولار، دون تأكيد أو نفي حكومي، مما أثار انتقادات واسعة وقتها.
وكان وزير قطاع الأعمال العام قد أعلن تفاصيل التخطيط لطرح أرض “رأس جميلة” شرم الشيخ للاستثمار أمام القطاع الخاص الأجنبي والمحلي ضمن المشروعات التي ستطرحها الوزارة على المستثمرين. وذكر أن مساحة منطقة رأس جميلة تقع على 860 ألف فدان، وسيتم الاستعانة بشركات استشارية كبيرة بالتعاون مع الوزارات المعنية المختلفة وبينها وزارة الإسكان.
وتطل منطقة “رأس جميلة” على البحر في شرم الشيخ وجزيرتي تيران وصنافير وملاصقة بمطار شرم الشيخ، والجزيرتين حصلت عليهما السعودية في نيسان/ أبريل 2016، في صفقة ترسيم للحدود البحرية أثارت الجدل وغضب المصريين.. ويتضمن تطوير المنطقة إقامة مشروع فندقي على مساحة 403 آلاف و615 مترا مربعا وإقامة فندق 4 نجوم بطاقة استيعابية 844 غرفة بالإضافة إلى 1288 شقة فندقية.
وفي 23 فبراير/شباط 2024، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي تفاصيل المشروع “الاستثماري المباشر الأكبر على الإطلاق” مع الصندوق السيادي بأبو ظبي الشركة القابضة “إيه دي كيو”، وهو مشروع عقاري سياحي تحت اسم “رأس الحكمة الجديدة” تبلغ مساحته 170.8 مليون متر مربع.
وأوضح المدبولي أن المشروع سيتضمن استثمارا أجنبيا مباشرا بقيمة 35 مليار دولار تدخل الدولة خلال شهرين، منها الدفعة الأولى 15 مليار دولار، والثانية 20 مليار دولار، وسيكون للدولة المصرية 35 بالمئة من أرباح المشروع. وذكر بيان لشركة القابضة أن المشروع سيضم مناطق استثمارية ومواقع سكنية وتجارية بالإضافة إلى مشروعات سياحية وترفيهية، مضيفا أن من المتوقع أن يبدأ العمل به في عام 2025.
وتقع رأس الحكمة على بعد نحو 200 كيلومتر غربي الإسكندرية في منطقة منتجعات سياحية راقية وشواطئ تشتهر بالرمال البيضاء يقصدها الأثرياء المصريون خلال أشهر الصيف. وتعاني مصر من أزمة اقتصادية تشهد نقصا مزمنا في العملة الأجنبية، مما أدى إلى ضغوط مستمرة على الجنيه المصري، وعلى الإنفاق الحكومي، والشركات المحلية. وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية في الصيف الماضي، كما أن عبء الديون آخذ في الارتفاع، فيما يتفاقم نقص العملات الأجنبية بسبب تراجع إيرادات قناة السويس في أعقاب هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر. وكان حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر، كشف سابقا عن تفاصيل الصفقة، موضحا أن التقدير الأولي لإجمالي المشروع كان 22 مليار دولار.
وبحسب بيانات الحكومة وقتها فقد صُمم المشروع ليدر 35 مليار دولار خلال شهرين، منها 24 مليار دولار سيولة مباشرة، و11 مليار دولار ودائع إماراتية.
يذكر أن وكالة "بلومبرغ" أكدت أن اتخاذ الإمارات قرارا بتخصيص مبلغ يعادل 7% من ناتجها المحلي الإجمالي، يشير إلى أنها تسعى إلى تحقيق أهداف جيواستراتيجية، للقيام بدور رئيس في تشكيل الأحداث في المنطقة وخارجها. وتابعت: “يجب أن يُنظر إلى الاستثمار الإماراتي أيضا على أنه إشارة للمنافسة التي تخوضها أبو ظبي، للتفوق على القوى الخليجية الأخرى، وأهمها السعودية وقطر”.
وذكرت أن هيئة المحلفين في الإمارات تناقش جدوى هذا الاستثمار، فيما ظهرت الاستفادة المصرية فورية، وفي غضون أيام من إيداع أبو ظبي الأموال النقدية، خفضت السلطات قيمة الجنيه، وانتهت محادثات صندوق النقد الدولي التي استمرت أشهرا بالحصول على قرض بقيمة 8 مليارات دولار.
وشددت على أن “استثمار أبو ظبي هائل، حتى بمعايير دولة الإمارات، ومن المحتمل أن يكون مبلغا أصغر قد أبقى مصر واقفة على قدميها”.
ارسال التعليق