«بن سلمان» يؤسس لنظام شمولي لا يتسامح حتى مع الصمت
قام ضباط الأمن السعوديون، بوجوههم المخفية وراء الأقنعة، بغارات في منتصف الليل، أسفرت عن اعتقال عشرات الأشخاص ومصادرة الكتب والحواسيب المحمولة.
وقد جرت العمليات بصورة تشبه لو كانت قوات الأمن تتعقب مسلحين، لكن في الحقيقة، كان المستهدفون رجال دين وأكاديميين ورجال أعمال، في ما وصفها الناشطون بأكبر حملة قمع على المعارضة في المملكة منذ الانتفاضات العربية عام 2011.
ويقول «جمال خاشقجي»، الصحفي السعودي البارز، الذي يعيش الآن خارج المملكة: «في الماضي، كان يتم استدعاء الناشط وإبلاغه بأمر اعتقاله، لم يكن هناك رجال ملثمون، ولم يكن يتم التحفظ على المعتقلين مثل الإرهابيين».
وقد تم اعتقال أكثر من 20 شخصا خلال الفترة الماضية، وفقا لأقارب المحتجزين والناشطين، وكان منهم: الشيخ «سلمان العودة»، رجل الدين الإسلامي صاحب الشعبية الذي يحظى بأكثر من 14 مليون متابع على «تويتر»، و«مصطفى الحسن»، الأستاذ المعروف في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، و«عصام الزامل»، وهو رجل أعمال في مجال البرمجيات من عائلة تجارية محترمة في المنطقة الشرقية.
وقد تم ربط الحملة بأزمة الرياض مع الدوحة، حيث تم اعتبار هؤلاء المعتقلين غير مؤيدين بشكل كاف للحظر الإقليمي الذي تقوده السعودية على قطر.
لكن المحللين يقولون إن ذلك يدل على الشعور بالقلق بين القادة السعوديين بسبب كسر نظام الخلافة التقليدي، بعد أن قفز الأمير «محمد بن سلمان» على منصب ابن عمه الأكبر الأمير «محمد بن نايف»، ليصبح وريثا للعرش.
وقد أثار القرار في يونيو/حزيران موجة من المؤامرات والشائعات التي أدت إلى انزعاج داخل أسرة آل سعود الحاكمة، واضطرت الحكومة إلى نفي التقارير التي تحدثت عن وضع الأمير «محمد بن نايف»، الذي تم عزله من منصب وزير الداخلية أيضا، قيد الإقامة الجبرية.
وفي يوليو/تموز، أنشأ الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ 32 عاما، إدارة أمنية جديدة، وهي رئاسة أمن الدولة، في ما وصفه المحللون بأنه خطوة لتعزيز سلطاته، وتتصاعد التكهنات الآن حول استعداد ولي العهد لتولي العرش من والده المريض هذا العام أو العام المقبل، وقد نفى المسؤولون السعوديون تخمينات تتحدث عن تنازل وشيك من قبل الملك «سلمان» عن العرش لابنه.
وفي هذه الخلفية، ركزت الحملة على أي شخص قد يكون مستعدا للتحدث ضد سياسة الحكومة، وقد وصل النزاع مع الدوحة، الذي بدأ مع قطع السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر للعلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر في يونيو/حزيران، إلى طريق مسدود، وقامت الرياض بإعادة صياغة برنامج الإصلاح الرائد الذي اقترحه الأمير «محمد»، فيما سمي ببرنامج التحول الوطني، بعد أن اعترفت بأن العديد من أهداف البرنامج كانت طموحة بشكل مفرط.
وقال «أندرو بوين»، وهو باحث زائر في معهد «أمريكان إنتربرايز»: «من ناحية، يوسع البرنامج الحريات الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يحظى بشعبية بين الشباب السعودي، ومن ناحية أخرى، يضيق المجال أمام المجتمع المدني وأعضاء الأسرة المالكة في انتقاد هذه الإصلاحات»، وأضاف: «ويعد هذا أساسا لنظام استبدادي، حيث يتم المضي قدما في برنامج الإصلاح رغم العقبات، في ما لا يتردد ولي العهد في استخدام الطرق الاستبدادية لصالح الاستمرار في خططه».
ويخشى الناشطون من أن تؤدي أي نكسات أخرى لخطط الأمير «محمد» إلى مزيد من القمع.
ويقول كاتب سعودي: «لقد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الشمولية فيما يتعلق بإدارة وسائل الإعلام والعلاقات العامة، وقد كان لدى السعودية دائما هامش للصمت، وهامش للنقد المحدود والمقبول، وبعض المساحة للمناورة، لكن ماذا يوجد الآن؟ إنه أمر مخيف حقا وغير عادي».
ولم تعلق الحكومة على عمليات الاعتقال بشكل محدد، ولم تصدر قائمة بأسماء الأشخاص المقبوض عليهم، لكن وكالة الأنباء السعودية نشرت الأسبوع الماضي بيانا من رئاسة أمن الدولة جاء فيه أن السلطات قد اعتقلت مجموعة من السعوديين والأجانب للاشتباه في تورطهم في «نشاطات استخباراتية ... لصالح أطراف أجنبية».
وأعلنت هيئة كبار العلماء، أكبر هيئة دينية في البلاد، الأسبوع الماضي، تأييدها للخطوات التى اتخذتها الحكومة، وقال بيان نشر على موقع «تويتر»: «إن هذه الدولة المباركة تأسست على كتاب الله وتعاليم رسوله، لذلك، ليس هناك مكان فيها للأحزاب السياسية أو الأيديولوجية».
وكان لدى أسرة «آل سعود» علاقة معقدة مع الإسلاميين على مدى عقود، وقد استخدمت المؤسسة الوهابية التي تتبنى تفسيرا صارما من الإسلام السني، لإضفاء الشرعية على حكمها المحافظ للمملكة، لكنها اعتبرت أيضا أن المتشددين الإسلاميين والحركات السياسية يشكلون تهديدا أخطر لسيطرتها على السلطة.
وكان «العودة»، أبرز الإسلاميين الذين اعتقلوا في الحملة، زعيما في حركة الصحوة، التي دعت إلى إجراء إصلاحات سياسية داخلية في المملكة في التسعينات، وقد أحيا تلك النداءات عندما تحدث داعما الانتفاضات العربية التي اجتاحت الشرق الأوسط عام 2011، وكانت هذه هي المرة الأخيرة التي شهدت حملة واسعة النطاق في المملكة، بعد أن استهدفت بشكل رئيسي المتظاهرين من الأقلية الشيعية في شرق البلاد، وتجنب «العودة» التعليق على السياسة في الأعوام التالية منذ ذلك الحين.
لكن هذه المرة، استهدفت الحكومة الإسلاميين السنة والمنتقدين من عموم الناس.
ويقول «آدم كوغل»، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»: «يبدو أن رؤية محمد بن سلمان، رؤية 2030، في الحقيقة عبارة عن سجن عملاق لا يمكن لأحد أن يتكلم فيه بحرية أو أن يحمل آراء مستقلة».
فاينانشيال تايمز- ترجمة شادي خليفة
ارسال التعليق