تخفيض التواجد الأمريكي في مملكة آل سعود يغذي سباق التسلح بالمنطقة
التغيير
من المؤكد أن الانسحاب العسكري الأمريكي الأخير من مملكة آل سعود سيشعل سباق تسلح يختمر بالفعل في الشرق الأوسط، في وقت لا تستطيع فيه المنطقة تحمل تكاليف هذا السباق، مع التداعيات الصحية والاقتصادية المدمرة لوباء الفيروس التاجي "كوفيد-19".
ومن المرجح أن يرى آل سعود في الانسحاب، بالرغم من المكالمة الهاتفية المطمئنة على ما يبدو بين ملك نظام آل سعود سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، دليلا إضافيا على أنها لا تستطيع الاعتماد في دفاعها بشكل كامل على الولايات المتحدة.
ويشمل الانسحاب الأمريكي منظومتي "باتريوت" المضادة للصواريخ، كان قد تم إرسالهما إلى المملكة العام الماضي لتعزيز دفاعاتها في أعقاب الهجمات الإيرانية المزعومة على منشآت النفط بمملكة آل سعود وناقلات النفط قبالة سواحل الإمارات.
وجاء الانسحاب في أعقاب الإطلاق الناجح لأول قمر استطلاع عسكري إيراني، لم يقتصر على دفع الجمهورية الإسلامية إلى مجموعة النخبة المكونة من نحو 12 دولة قادرة على إطلاق الأقمار إلى مداراتها، ولكن أيضا يشير إلى قدراتها بالرغم من العقوبات الاقتصادية الأمريكية المعوقة والأزمة الصحية العامة.
وسوف يلعب القمر الصناعي دورا مهما في تقديم المساعدة الاستراتيجية للقوات المسلحة في مهام الاتصالات والملاحة. وقال الجنرال الإيراني "علي جعفر عبادي"، قائد قسم الفضاء بالحرس الثوري: "يجب علينا استخدام هذه الأقمار الصناعية وتقديم الخدمات للقوات المسلحة".
ويشعر الصقور في الولايات المتحدة و(إسرائيل) بالقلق من أن القمر الصناعي سيعزز قدرة الصواريخ الباليستية للجمهورية الإسلامية، وهي ركيزة لاستراتيجيتها الدفاعية، وكذلك قدرة "حزب الله" اللبناني على تطوير وتخزين الأسلحة الموجهة.
وتم الإعلان عن قرار تخفيض عدد القوات الأمريكية الذي أصدرته إدارة "ترامب" وسط تقديرات بأن تراجع إيران التدريجي عن الاتفاقية الدولية لعام 2015، التي قيدت برنامجها النووي، ردا على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، قد اختصر الوقت الذي ستحتاجه لإنتاج ما يكفي من الأسلحة والوقود عالي الجودة لبناء سلاح نووي.
وكان خطر حدوث سباق تسلح واضحا في تحذير "محمد بن سلمان" في الوقت الذي كان فيه "ترامب" يستعد للانسحاب من الاتفاق النووي، حيث قال إنه "بدون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها بأسرع ما يمكن".
وأشار تقرير الأسبوع الماضي، صادر عن مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية، إلى أن المحادثات مع المملكة بشأن إنشاء برنامج نووي سلمي في مملكة آل سعود توقفت بسبب إحجام المملكة عن الموافقة على قيود التخصيب وإعادة المعالجة، وتوقيع بروتوكول إضافي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي كان سيسمح للوكالة بالحصول على معلومات موسعة حول الأنشطة النووية لمملكة آل سعود ويمكنها من الوصول إلى المرافق.
ويعد تطوير صناعة الدفاع المحلية أحد ركائز خطة "بن سلمان" المتعثرة (رؤية 2030) المصممة لتنويع الاقتصاد السعودي. وضاعفت المملكة هذا الأسبوع ضريبة القيمة المضافة 3 مرات، من 5 إلى 15%، وعلقت إعانات تكلفة المعيشة للموظفين الحكوميين، لمواجهة الأزمة المالية.
وحذر "أنطوني كوردسمان"، المحلل العسكري المتخصص في شؤون الخليج، من أن خطة آل سعود لبناء صناعة دفاعية ليست أفضل طريقة لتنويع اقتصاد المملكة، حتى لو كانت ستخلق بعض الوظائف وتعزز قطاع التكنولوجيا.
وقال: "لا توجد طريقة تقريبا لإضاعة المال بشكل أكثر فاعلية من محاولة إنشاء قاعدة تكنولوجية فعالة أو تمويل جهود تجميع الأسلحة في مجال الصناعة والتكنولوجيا، التي تتطلب الكثير من الإنفاق، وتقدم القليل من الفوائد الواقعية في خلق فرص العمل".
وقال "كوردسمان" إن مثل هذا الجهد "سيشمل مشاكل أخرى، فالاحتياجات المحلية لهذه الأسلحة محدودة، ومن المرجح أن تكون مملكة آل سعود غير قادرة على المنافسة في بيع هذه الأسلحة في السوق الدولية".
وكشفت صور الأقمار الصناعية العام الماضي أن مملكة آل سعود لديها منشأة في عمق الصحراء مصممة لاختبار وربما تصنيع الصواريخ الباليستية، التي من المحتمل أن تكون قادرة على حمل رؤوس حربية نووية تصل إلى أهداف على بعد آلاف الكيلومترات من نقطة إطلاقها.
وبالمثل، من المقرر أن تبدأ المملكة العام المقبل في إنتاج طائرات عسكرية بدون طيار تكافئ المركبات الجوية الإيرانية غير المأهولة التي تحمل قنابل ويبلغ مداها 1500 كيلومتر.
ووافقت الصين عام 2017 على بناء منشأة في مملكة آل سعود لإنتاج الطائرات بدون طيار، وهو أول موقع تصنيع عسكري خارجي للصين.
وقال "أليساندرو أردوينو"، باحث حرب الطائرات بدون طيار في معهد الشرق الأوسط بسنغافورة: "لقد أصبح الشرق الأوسط مسرحا لحرب الطائرات بدون طيار. وأدى انتشارها إلى عهد جديد من الردع بعد فيروس كورونا، وحولت العقيدة العسكرية التقليدية. ومن اليمن إلى ليبيا وسوريا، تقاوم الأطراف المتحاربة الدعوات إلى هدنة، ويشجع ذلك دور الطائرات المسلحة بدون طيار".
ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض يؤكد أنه ليس بوسع أي من هذه الدول في الوقت الحاضر تحمل التكلفة المالية والتكنولوجية غير العادية لمثل هذه المساعي العسكرية عندما تتعرض اقتصاداتها لضربات عالمية بعيدة المدى مثل انهيار أسعار النفط وتفشي وباء صحي عالمي.
علاوة على ذلك، تكافح إيران من أجل التأقلم مع العقوبات الأمريكية في حين تواجه مملكة آل سعود مشاكل مالية مؤلمة وإصلاحات هيكلية ملحة.
ارسال التعليق