حلم الرخاء يتبدد.. إجراءات التقشف تنال من جيوب السعوديين
التغيير
تنفذ مملكة آل سعود حملة تقشف من شأنها أن تفرض ضغوطا على القطاع الخاص الذي يعد طرفا مهما في تحقيق خطة المملكة لتنويع الموارد والتخلص من الاعتماد على النفط بل وربما تنال تلك الحملة من مكانة ابن سلمان صاحب النفوذ الكبير مع تراجع قدرة المواطنين على إنفاق المال.
وقال عدد من رجال الأعمال والاقتصاديين إن رفع ضريبة القيمة المضافة لثلاثة أمثالها ووقف صرف بدل غلاء المعيشة للعاملين بالدولة قد يعمل على تعميق الركود في أكبر الاقتصادات العربية ويؤخر توفير الوظائف.
ومن المنتظر أن يمتد أثر هذه التغيرات إلى أغلب مجالات الأعمال التي تعاني بالفعل من ضعف الطلب بسبب القيود المفروضة لاحتواء فيروس كورونا بما يؤثر على مستويات معيشة المواطنين العاديين.
قال تاجر تجزئة سعودي طلب إخفاء هويته لكي يتحدث بحرية "لا أفهم كيف سيفيد ذلك القطاع الخاص الذي تضرر بالفعل من انخفاض الطلب".
وأضاف "الناس يحتفظون فعلا بما لديهم من سيولة ولا أحد ينفق المال على الإطلاق".
وقال التاجر إنه إذا ظلت حركة البيع والشراء ضعيفة بنهاية العام "فليس أمامي سوى تقليص الوظائف لتقليل النفقات لأدنى حد".
وحتى الآن كانت السلطات تتحاشى اتخاذ خطوات من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على المواطنين لإدراكها أن قدرة السعوديين على تحمل مثل هذه التدابير حيوية في بلد لا تجرى فيه انتخابات وتقوم فيه الشرعية السياسية في جانب منها على توزيع الثروة النفطية.
وفي حين التف كثيرون من السعوديين حول قياداتهم على وسائل التواصل الاجتماعي نشر آخرون صورا للعاهل الراحل الملك عبد الله تحت وسم "المعيشة" تذكيرا بأيام ارتفاع أسعار النفط وسخاء الدولة.
وكان محمد بن سلمان قد أحدث هزة في المملكة المحافظة في 2016 برؤيته الطموح للتخلص من اعتماد اقتصاد البلاد على دخل النفط وتنشيط دور القطاع الخاص وتوليد ملايين الوظائف في صناعات جديدة ومشروعات عملاقة.
صدمة مزدوجة
غير أن انخفاض أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا كان لهما تأثير سلبي كبير على مالية آل سعود، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، في وقت لا يزال يمثل فيه إنفاق الدولة المحرك الرئيسي لاقتصادها ولم تتحقق فيه تدفقات استثمارية كبيرة من الخارج.
ويبلغ معدل البطالة بين السعوديين 12 في %.
وقال وزير المالية محمد الجدعان إن الإجراءات التي تتضمن تخفيضات للإنفاق الجاري والاستثماري في الدولة "مؤلمة لكنها ضرورية".
وفي حين ارتفعت السندات التي يمتلكها آل سعود إذ اعتبر المستثمرون الإجراءات الجديدة علامة على أن الرياض مستعدة لاتخاذ خطوات صارمة لاحتواء العجز فإن أصحاب الأعمال يتأهبون لمزيد من المتاعب.
قال رجل أعمال في قطاع البناء "هل هذا هو الوقت المناسب؟ إنها كارثة والآن صدمة مزدوجة. أثر كورونا كان قاسيا والآن نضمن أن يظل النشاط راكدا لفترة أطول".
ورجح محللون أن يكون قرار آل سعود مبنيا على أن القطاع الخاص مازال يلعب دورا هامشيا.
وقالت كارين يانج الباحثة المقيمة بمعهد انتربرايز الأمريكي في واشنطن "مهزلة وجود قطاع خاص سعودي قوي أزيحت جانبا. ربما يحدث نمو في الأجل الأطول لكن الدولة هي التي ستوجه تلك العملية دائما".
وكانت الدولة شجعت السعوديين على شراء أسهم في شركة أرامكو النفطية العملاقة عند طرح حصة فيها العام الماضي. لكن الأسهم متداولة منذ مارس آذار دون سعر الطرح العام الأولي الأمر الذي أصاب كثيرين بالإحباط.
وقالت فاطمة (24 عاما) وهي بائعة سعودية في أحد المحال التجارية "طبعا علينا أن ندعم الحكومة لكني كنت أتمنى أن يجعلوها (الإجراءات) تدريجية".
وتحدثت عن أنشطة لم تصبح متاحة إلا مؤخرا بموجب الإصلاحات الاجتماعية فقالت "كان شيئا رائعا أن ننفق بعض المال الإضافي على دور السينما وصالات التمرينات الرياضية وتناول الطعام في الخارج وتوفير المال لحفلات موسيقية، لكن علي المرء الآن أن يتوخى الحرص فيما ينفق فيه المال".
غضب مكبوت
قال دبلوماسي إن محمد بن سلمان قد يشهد ضعف قاعدة تأييده وتنامي أصوات التذمر والاستياء مع إحساس السعوديين بوطأة الإجراءات، لكنه أضاف أن حدوث اضطرابات أمر مستبعد.
فقد شن ابن سلمان وهو يعمل على تعزيز سلطته حملة على المعارضين بالقبض على بعض رجال الدين والناشطين والمفكرين وكذلك أفراد من العائلة المالكة والنخبة في مملكة آل سعود.
وقال الدبلوماسي "المشكلة أن هذه الإجراءات تمس المواطنين فقد انخفض مرتب كل واحد بنسبة 10 %” مضيفا أن نشر صورة الملك عبد الله يعد "مؤشرا سلبيا".
وأضاف "لن يحدث شيء في الشارع. سيكون الغضب مكبوتا"، مشيرا إلى أن وسم "سمعا وطاعة في المنشط والمكره" الذي أطلق بعد الإعلان عن الإجراءات لم ينتشر بشكل كبير مثلما يحدث عادة.
ولم يرد مكتب الاتصال الحكومي على الفور على طلب من رويترز للتعليق.
وقال صندوق النقد الدولي إن من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 2.3 % هذا العام مقارنة مع نمو بلغ 0.3 % في 2019.
وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) في مارس آذار بأسرع وتيرة تشهدها خلال 20 عاما وسجلت المملكة عجزا في الميزانية يبلغ تسع مليارات دولار في الربع الأول.
وقال الاقتصادي ناصر السعيدي في دبي إن أي إيرادات إضافية من زيادة ضريبة القيمة المضافة ستكون محدودة وإن هذه الخطوة ستزيد الركود حدة على الأرجح.
وتابع السعيدي "ستضيف صدمة لا داعي لها للنظام في وقت تكافح فيه الأعمال للحفاظ على استمرار نشاطها وتشهد فيه الأسر انخفاض دخلها ويعود فيه الوافدون الذين أصبحوا بلا عمل إلى بلادهم".
ارسال التعليق