خطبة عرفة وخطيبها: أدّوا طقوس الحج لا تذكروا فلسطين
على استحياء ذكر اسم “فلسطين” على لسان إمام وخطيب المسجد الحرام ماهر المعيقلي يوم الجمعة في خطبته أمام الحجاج، الأخير الذي التزم المسار الذي اتخذه “ولي نعمته” بالتنكر للإبادة المستمرة بحق أبناء القطاع المحاصر في غزة، والتلميح إلى أن فلسطين تدخل حيّز التعاطي السياسي المرفوض من قبل “مملكة الخير والعيش المشترك والتسامح”.
أثارت كلمة المعيقلي استياء لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فاعتبر الباحث علي حسن مراد على حسابه في منصة “إكس” أن “مطاوعي النظام السعودي الذين ينصّبهم الديوان الملكي لإلقاء خطبة عرفة في مسجد نمرة كل عام، يكرّرون نفس الكلام الفاضي حول عدم جواز تناول القضايا السياسية في الحج، لكنهم كلهم لا ينسون بأن يفرضوا على أكثر من مليونَي حاج في الخطبة نفسها بأن يدعو لولي أمرهم.
أليس هذا تسييساً؟ إن الحج الذي يريده النظام السعودي هو الحج الطَقسي الذي لا يتداول مسلمو العالم فيه شؤونهم وشجونهم، ويتنكرّون فيه لقضيتهم الأقدس وهي قضية فلسطين.
إن تحسّس النظام السعودي من اجتماع كلمة المسلمين على الهتاف ضد الكيان الصهيوني لهو الدليل الأكبر على ارتباط مستقبل الكيانين الصهيوني والسعودي ببعضهما البعض!”
الإعلامي العُماني نصر البوسعيدي كتب “العبادة إن لم تُقرن بنجدة المظلوم والدعاء أقلها لأهل غزة في الحج الأكبر ليخلصهم الله من هذا الاحتلال المجرم وينصر مقاومتهم فهي ليست عبادة بل حركات خاوية! هذا الدين العظيم علمنا بأن نجدة المظلوم من أجل حماية حياة الإنسان أهم من كل شيء وهذه المبادئ الحق هي أساس ووضوء كل العبادات.. لذلك قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]. وقال جل علاه: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 41].. ولقد مكننا الله بكل نعم القوة والطاقة والتجارة فكيف سنكيفها لنجدة أهل غزة ولو بأقل الإيمان؟! لا أتخيل أبدًا أن خطبة يوم عرفة تصبح خالية من أي إشارة للجهاد في نصرة أهل غزة ونجدتهم من الصهاينة وأعوانهم المرتزقة المشاركين في ذبح أكثر من 40 ألف شهيد، جلهم من الأطفال والنساء وأكثر من 10 آلاف مفقود وقرابة الـ 100 ألف جريح معظمهم في حالات خطيرة وإعاقات دائمة!”
عادل السعيد، الباحث والمدافع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية، تساءل “السديس وغيره من وعاظ السلاطين يسبحون ويهللون يوميا بحمد آل سعود في بيت الله الحرام والمسجد النبوي، أفلا يعد ذلك تسيسا للأماكن المقدسة؟! أم أن باءهم تجر وباء غيرهم لا تجر؟!”
وأثارت خطبة ماهر المعيقلي، في يوم عرفة، الكثير من الجدل والانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي، وهي التي تضمنت التأكيد على أن “الحج ليس مكانا للشعارات السياسية ولا التحزبات”، داعيا إلى الالتزام بالأنظمة والتعليمات، بما يضمن أداء المناسك بـ “أمن وطمأنينة”.
ودعا المعيقلي “كل مسلم إلى عدم تمكين العابثين من محاولة التأثير في مقاصد الشرع، والمحافظة على الضروريات التي تؤدي إلى سلامة الناس وانتشار الأمن”.
وخلت خطبة المعيقلي من التطرق إلى حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة لليوم الـ254، التي راح ضحيتها أكثر من 37 ألفا و266 مواطنا، وإصابة 85 ألفا و102 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض، باستثناء 16 ثانية جاءت في نهاية الخطبة.
ولم يتطرق المعيقلي إلى ذكر الاحتلال الإسرائيلي أو وصفه بالعدو، إنما اكتفى بوصفه بـ”عدوهم”، في إشارة إلى الشعب الفلسطيني. وبعد خطبة المذكور، قال وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، عبد اللطيف آل الشيخ، خلال زيارته مجموعة من الحجاج الفلسطينيين في مكة المكرمة، “إنه لا مكان في بلاده لمن يعيش ويقتات على الفتن”، وفق قوله. ونقلت صحيفة عكاظ السعودية، عن الوزير قوله: “لا مكان في هذه البلاد المقدسة لمن يعيش ويقتات على الفتن، وعلى هؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم”.
وأضاف خلال تفقده مقر “ضيوف خادم الحرمين الشريفين من حجاج فلسطين” بمكة المكرمة، أنه “لا يراهن أحد على محبة العاهل السعودي الملك سلمان عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان لفلسطين وأبنائها وقضيتها”، وفق زعمه. وبحسب المنظمة الأوروبية السعودية، فمع بداية موسم الحج 2024، برزت معلومات عن اعتقال عدد من المواطنين العراقيين، بينهم المحلل السياسي عماد المسافر من دون توجيه تهمة.
بعد أيام أكد رئيس هيئة الحج والعمرة العراقية سامي المسعودي اعتقال مواطنين عراقيين، موضحا أن سبب الاعتقال هو إجراءات السعودية التي “تتعلق بتنظيم الحج، ومن بينها الشعارات والنشر الالكتروني والنشر السياسي”.
بالتالي فإن سبب الاعتقال هو ترديد أو نشر عبارات سياسية. أشارت المنظمة في تقريرها إلى أن هذه الاعتقالات تأتي في سياق الترهيب الذي تستخدمه السعودية خلال السنوات الأخيرة على كافة الأصعدة والاعتقالات واسعة النطاق التي لحقتها أحكام تعسفية. لافتة إلى أثر ذلك على حق الأفراد في ممارسة الشعيرة الدينية الإسلامية الأبرز وهي الحج والعمرة.
فإلى جانب المزاجية والانتقائية في الاعتقالات قبل وخلال وبعد تأدية المناسك، فإن انعدام الشفافية وإمكانية الاعتقال عند الوصول على الرغم من الحصول على تأشيرة دخول أدت إلى زيادة المخاوف عند أي فرد قد تجرم السعودية ممارساته وأفكاره ومعتقداته.
من بين هؤلاء المعارضين والنشطاء السعوديين الذين يعيشون في الخارج، وكذلك الصحفيين والباحثين الذين نشروا عن انتهاكاتها وجرائمها.
ارسال التعليق