عرقلة سعودية أمام التخفيف من الاحتباس الحراري
باتت "السعودية" -أكبر مصدر للنفط في العالم- أكبر معرقل لتطبيق حلول انتشال الكوكب من كارثة الاحتباس الحراري. ورغم كل ما تدّعيه من ركوبها موجة "حماية البيئة" وما شاكلها من أمواج الـ"طاقة المتجددة" وما سواها، فإن الوقائع تكشف زيف ادعاءاتها التي غمرتنا بها على مرّ حفلات الإعلان عن مشاريع رؤية 2030 الواهمة.
ولطالما كان الحديث عن "التغير المناخي" -في كل مرة تُطرح فيه القضية للنقاش العام- يُعدّ ترفاً أمام هول مصائب أخرى محيطة سيّما في وسطنا العربيّ. إلا أنه حديث لا بدّ منه لجديته على حاضرنا اليوم وعلى مسؤوليتنا تجاه الأجيال البشرية القادمة.
و"السعودية" واحدة من الجهات المعنية بهذه الكارثة العالمية، فالوقود الأحفوري من أبرز مسببات المشكلة المناخية، وهذا الأخير مُستخرج من النفط والغاز والفحم الذي، عند حرقه، ينتج انبعاثات تؤدي إلى تسخين الكوكب بشكل خطير.
في قمة الأمم المتحدة للمناخ في دبي COP28، حيث ناقشت الدول ما إذا كانت ستدعو إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري من أجل مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ظهرت "السعودية" كأكبر معرقل للتوصل إلى اتفاق.
حيث عارض الوفد السعودي بشكل قاطع أي لغة في الصفقة من شأنها أن تذكر الوقود الأحفوري، كما اعترض الوفد أيضًا على بند، أقرته 118 دولة على الأقل، يهدف إلى مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة العالمية ثلاث مرات بحلول عام 2030.
وفي هذه القضية ما من ضحية سوى الدول النامية بشعوبها، أما مجمل الدول الغنية سواء من المنتجين أم ممن يشكلون سوقا كبرى للمشتقات النفطية؛ فجميعهم جلادون.
وتنقل وسائل إعلام أميركية وبريطانية عن عشرات الأشخاص الذين كانوا داخل مفاوضات مغلقة، كيف كان الدبلوماسيون السعوديون ماهرين بشكل خاص في عرقلة المناقشات وإبطاء المحادثات.
حيث سُجّل تباطؤا من الوفد السعودي في تنفيذ بند يهدف إلى مساعدة البلدان الضعيفة على التكيف مع تغير المناخ، كما قام الوفد بتنظيم انسحاب في اجتماع جانبي، ورفض الجلوس مع المفاوضين الذين يضغطون من أجل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
وعلى الرغم من كون "السعودية" لم تكن الجهة الوحيد التي تعترض على قرارات المؤتمر، إلا أنها تمثّل الجهة "الأعند" بحسب توصيف الصحف الأميركية.
وفي تصريح صحفي لليندا كالشر، مستشارة المناخ السابقة لدى الأمم المتحدة والتي شاركت في غرف المفاوضات هذا الأسبوع، صرحّت "تختلف معظم البلدان من حيث درجة أو سرعة التخلص من الوقود الأحفوري". وقالت إن المملكة العربية السعودية “لا تريد حتى إجراء المحادثة".
ووفق مصادر إعلامية، وصفت بأن الدبلوماسيين السعوديين ألقوا خطابات مطولة استغرقت الجزء الأكبر من الوقت في الاجتماعات. وقالوا أيضًا إن المفاوضين السعوديين جادلوا بأن اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 تدعو إلى خفض الانبعاثات، دون ذكر مصادر محددة للطاقة، وأنه يجب على الدول ألا تتجاوز هذا التفويض الأصلي.
وقال ثلاثة مفاوضين أيضًا إن "السعودية" عملت على تأخير اعتماد نص حول تحديد أهداف لحماية البلدان من عواقب تغير المناخ.
ووفقًا لمسؤول تحدث لإعلام أميركي شريطة عدم الكشف عن هويته؛ فقد انسحبت الكتلة العربية، بقيادة "السعودية"، من اجتماع بشأن التمويل.
الوفد السعودي يتألف في مؤتمر المناخ بمعظمه من أعضاء من وزارة الطاقة "السعودية"، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بشركة النفط المملوكة للدولة، أرامكو. ففي العام الماضي، دفعت إلى حذف الإشارة إلى "تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية" من وثيقة علمية للأمم المتحدة، الأمر الذي يمثل تحديا فعليا للحقيقة العلمية التي تقول إن حرق الوقود الأحفوري يسبب تغير المناخ.
إن "السعودية" تشتري مشروعيتها في الحكم الباطل، وتشتري صمت شعوبها وتشتري رخاء سلاطينها من النفط؛ بمستقبل البشرية جمعاء.
وينفق محمد بن سلمان عشرات المليارات من الدولارات لمحاولة تنويع اقتصاد البلاد وتحقيق أهداف شخصية، وتركّز مشاريعه الاستثمارية التي أعلنها في رؤية 2030 -المتوقفة حاليا- على الصناعات مثل الطاقة المتجددة والسياحة والترفيه والذكاء الاصطناعي.
ومن المفارقة أن هذا يعني أن "حكومته" تحتاج إلى عائدات النفط لتمويل خططها للحياة بعد النفط، وفق ما يقوله المحللون. كما يتوقع المسؤولون حدوث عجز في الميزانية كل عام حتى عام 2026، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض عائدات النفط.
وفي السياق كشف تحقيق سري بريطاني أجراه مركز تقارير المناخ وتم عرضه حصريا على القناة الرابعة الإخبارية البريطانية، أن مسؤولين من “برنامج استدامة النفط في المملكة العربية السعودية" (OSP) يعترفون بأن "الحكومة السعودية" تخطط لتعزيز الطلب في إفريقيا وآسيا على منتجات البنزين والنفط والديزل، كجزء من برنامج عام لوزارة الطاقة.
وذكر المسؤولون -الذين أدلوا بهذه المعلومات دون معرفتهم بأنهم يتحدثون مع مراسلين يجرون تحقيقا- أنهم يهدفون إلى مواجهة حوافز السوق والدعم للسيارات الكهربائية على المستوى العالمي، للحفاظ على الاعتماد الدولي على الوقود الأحفوري، وخاصة في الأسواق الناشئة مثل أفريقيا. وقال المسؤولون للمراسلين السريين، إن أحد معايير اختيار مشاريع ODSP البالغ عددها 46 مشروعًا هو “تعزيز إمكانية الطلب المتزايد على النفط”، مع قيام البرنامج بتيسير التمويل المطلوب للمشاريع.
ارسال التعليق