على وقع التصعيد.. محادثات أنصار الله والرياض إلى أين؟
التغيير
تسعى مملكة آل سعود بهدوء لإنهاء الحرب باليمن، حيث بات المسؤولون في مملكة آل سعود أكثر قلقًا بشأن المخاطر التي يشكلها تدخلها العسكري على اقتصاد البلاد الذي يعتمد على النفط.
تغيرت حسابات آل سعود بعد الهجمات الصاروخية التي استهدفت شركة "أرامكو"، وتسببت مؤقتاً في تعطيل جزء كبير من إنتاج البلاد من النفط الخام، ليدفع آل سعود نحو إجراء حوارات مع جماعة أنصار الله بشكل مباشر لأول مرة، عبر وسطاء أجانب وخليجيين.
وليست المرة الأولى التي ترد فيها معلومات عن محادثات بين آل سعود وأنصار الله، بيد أن التصريحات الأخيرة رغم التصعيد العسكري بين الطرفين، يشير إلى هرولة سعودية نحو اتفاق يقلل من خسائرها.
إعلان جديد للحوار
أجرت الرياض خلال الأشهر الأخيرة محادثات مع أنصار الله باليمن، في مسعى لإنهاء الحرب هناك، حيث أكدت جماعة أنصار الله من جديد وجود محادثات سرية بحثاً عن اتفاق سلام بين الطرفين المتحاربين منذ سنوات في اليمن.
وقال عضو المكتب السياسي لجماعة أنصار الله محمد البخيتي، إن هناك محادثات غير علنية تجرى بين أنصار الله وآل سعود.
ونقلت قناة "الجزيرة" عن البخيتي قوله، إن هذه المحادثات تدور مباشرة بين الطرفين، لكنها لم تنعكس على الأرض بشكل إيجابي، على حد تعبيره.
وتزامن هذا التأكيد مع اعتراف سعودي بهذه المحادثات بعد نفي وجودها سابقاً، حيث أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال كلمة له في مؤتمر ميونيخ للأمن في 15 فبراير 2020، أن التصعيد الأخير للعنف باليمن لم يبلغ بعد مرحلة الإضرار بمحادثات السلام مع أنصار الله عبر قنوات خلفية.
وفي نهاية سبتمبر 2019، أعلن أنصار الله عن هدنة من طرف واحد يتوقفون بموجبها عن استهداف مملكة آل سعود بالصواريخ والطيران المسير، إلا أن التصعيد عاد مؤخراً وكان أبرزه إسقاط أنصار الله طائرة حربية سعودية في محافظة الجوف الحدودية مع مملكة آل سعود.
الحوار لا يجدي نفعاً
الجانب الحكومي في اليمن، وعلى لسان وزير النقل صالح الجبواني، قال في تصريح يوم 15 فبراير الجاري، إنّ الحوار السعودي مع أنصار الله "لا يجدي نفعاً لأنه غير متكافئ".
وأشار إلى أن "الإمارات وضعت آل سعود بوضع حرج وهو ما دفع آل سعود للبحث عن حوار مع أنصار الله"
وفي حوار مع الوزير على قناة "العربي"، اعتبر أن "إسقاط أنصار الله لطائرة التحالف هو تطور خطير"، موضحاً "هذا يعني حصولهم على صواريخ أرض جو من إيران".
وبين الحين والآخر يخرج مسؤولين يمنيين يؤكدون رفضهم لأي حوار مع أنصار الله ، قبل إنهاء انقلابهم وتسليم العاصمة صنعاء وسلاحهم للشرعية، وهو ما يرفضه أنصار الله.
سيناريوهات مختلفة"التهدئة خاصة بالمناطق الحدودية، وتطبيع مع سيطرة أنصار الله على مختلف مناطق شمال البلاد"، هذا ما يراه المحلل السياسي اليمني ناصر الماوري، كسيناريو متوقع للمحادثات الجارية.
وفي تصريحات صحفية يرى الماوري أن سيناريو آخر يمكن الحديث عنه، بأن الحوار بين الطرفين، قد يشمل إبرام تفاهمات تفضي إلى صيغة مماثلة لاتفاق الرياض؛ "أي ترتيبات يمنية - يمنية تشمل مصالحة وتؤدي إلى سلطة توافقية في البلاد".
ويرى أن هذا السيناريو "كانت تتضمّنه المقترحات السياسية لحل الأزمة برعاية الأمم المتحدة على مدى السنوات الماضية، وكان الطرفان - حكومة هادي وأنصار الله - متفقين عليها من حيث المبدأ، ويختلفان في التراتبية الخاصة بأي الترتيبات يتم البدء به، الأمنية أم السياسية".
ويشير إلى أن أنصار الله "يصبون جهودهم السياسية على كل ما يمكن أن يؤدي لوقف العمليات العسكرية للتحالف، والاعتراف أو التطبيع بصورة أو بأخرى مع سيطرتها على أغلب مناطق شمال البلاد".
محادثات قديمة
ولعل تصريحات الوزير السعودي واعترافه بوجود محادثات، وإن كانت ليست جديدة، لكنها كانت تخرج ضمن تسريبات لوكالات عالمية، دون تصريحات من قبل سلطات آل سعود أو مسؤولي أنصار الله، إلا في الآونة الأخيرة.
في مارس 2018، كشف دبلوماسيون يمنيون عن وجود مباحثات سرية تجري بين آل سعود وأنصار الله في سلطنة عُمان، دون علم حكومة هادي.
ووفقاً لوكالة "رويترز"، فإن المباحثات السرية في سلطنة عُمان بدأت مطلع 2018، ويعقد الطرفان لقاءات متواصلة لبحث وقف الحرب في اليمن، بعد فشل عقد جلسات مشاورة بين حكومة هادي وأنصار الله منذ أكثر من عامين.
وأضاف أن حكومة آل سعود بدت "على استعداد للانتقال إلى المرحلة التالية من حربها الدموية في اليمن، وبدلاً من القتال لتحقيق ما جاءت لأجله لاستعادة صنعاء من أنصار الله وإعادة هادي، ها هي تحاول إقناع أنصار الله بقطع العلاقات مع إيران، وإعطائهم شمال البلاد بالمقابل".
ويؤكد أن ما يريده أنصار الله "هو شرعية موقفهم الاستراتيجي الجديد في اليمن، وهو ما ينبغي ذكره حسب رأيهم في اتفاقية مماثلة لتقاسم السلطة تضمن حصتهم في نظام جديد شبيه بالاتحاد يضم حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والانفصاليين في الجنوب".
5 سنوات من الحرب
ويعيش اليمن على وقع أسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد 5 سنوات من الحرب مع أنصار الله بعد سيطرتهم على عدد من المناطق من بينها العاصمة صنعاء.
وقتل آلاف المدنيين وبينهم مئات الأطفال، وأصيب عشرات آلاف بجروح، وانهارت قطاعات الصحة والتربية والاقتصاد وغيرها، خصوصاً في أعقاب تصاعد النزاع في مارس 2015 مع تدخل آل سعود على رأس تحالف عسكري لمحاربة اليمنيين.
ويسيطر أنصار الله اليوم على صنعاء وغالبية مدن الشمال والغرب والوسط بينها الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، معتمدين على خبراتهم في القتال في المناطق الجبلية والأسلحة التي استولوا عليها من الجيش، بينما تتعمّق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والانسانية في هذا البلد.
وشارك المتمردّون، إلى جانب الحكومة اليمنية، في محادثات عديدة برعاية الامم المتحدة، آخرها في السويد في ديسمبر 2018، لم تؤد إلى وضع حد للحرب المدّمرة.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن في اليمن 3,3 ملايين نازح، فيما يحتاج 24,1 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، الى مساعدة.
ارسال التعليق