قرار إسترداد تعويضات نزع الملكية: من المستهدف؟
ليست مسألة نزع الملكيات في "السعودية" بالمسألة المستجدة أو الطارئة، بل لطالما اعتمدت تاريخيا من قبل النظام السعودي للاستحواذ على الأراضي المملوكة لفئات الشعب بذرائع مختلفة منها توسعة الشوارع والبنى التحتية، أو لبناء وتشييد مؤسسات عامة كالمدارس والمستشفيات أو كما جرى في سنين سابقة بهدف توسعة الحرم المكي.
بطبيعة الحال عند اتخاذ إجراء نزع الملكيات عن أصحابها، غالبا ما يجري تقديم تعويض مادي مقابل. لكن وعند تناول هذا الملف لا بد من الإشارة إلى كم الفساد الذي انطوت عليه عمليات الاستحواذ سيما عند اقترانها بنافذين وأمراء. وعند هذا الحد نستشهد بما أقدم عليه "الأمير" سلطان عندما أقدم على تملك مناطق شاسعة في مدينة حائل، حيث بيع المتر حينها له بمبلغ زهيد جدا قد لا يتجاوز الريال الواحد وكان حينها وزيرا للدفاع. وعمد بعدها إلى بيع الأراضي جميعها للدولة من خلال عملية استحواذ، محققا من تلك الصفقة مئات ملايين الريالات بعد أن باع لهم أو تقاضى على شاكلة تعويض المتر الواحد بألف أو ألفين ريال.
في التعميم الصادر مؤخرا، مطالبة باسترداد "مستحقات الدولة الناشئة عن الصكوك الملغاة، والتعويضات المصروفة عن العقارات المنزوعة ملكيتها للمنفعة العامة وسُلمت لأصحابها وتم إلغاء صكوكها، أو تم صرف تعويض لها بأكثر من قيمتها".
عند ما تقدم، لا بد من إثارة بعض الإشكاليات:
أولاً، هذا التعميم إن كان المراد منه استعادة أملاك وثروات الدولة، فلا بد من التأكيد على أن التلاعب في ثروات الوطن مستمر عبر محمد ابن سلمان، خاصة بعد نشر فضائح الترف والإسراف التي يعيشها ابن سلمان بأموال الشعب وشرائه لليخت "سيرين" الذي امتلكه ابن سلمان مقابل 400 مليون دولار. وفي العام 2017، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن محمد بن سلمان اشترى لوحة ليوناردو دافنشي “سالفاتور موندي” مقابل 450.3 مليون دولار.
كما يتم التساؤل عن صفقاته الترويجية "لمملكة الخير" سواء من خلال استحواذ صندوق الاستثمارات العامة لنادي نيوكاسل يونايتد الإنكليزي مقابل 415 مليون دولار أو الأموال المرصودة لهيئة الترفيه وتركي الشيخ على الحفلات الصاخبة والمهرجانات. كل ذلك يأتي إلى جانب حربه المجنونة والعبثية المستمرة على اليمن بما تكلف من ميزانية ضخمة سواء لناحية العتاد العسكري أو رواتب المرتزقة والعملاء.
بالإضافة إلى هوسه بالألعاب الإلكترونية واسثمارات صندوق الفاشلة فيها، ومشاريعه الخيالية لرؤية 2030 المزمعة، وما تكشفه الصحف الغربية يوما بعد يوم عن غياب أي مؤشر لإمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وما كشف مؤخرا عن مشروع ذا لاين ضمن مشروع مدينة نيوم، حيث اعتبر الكاتب الأمريكي كاي سميث إن وضع الناس في صناديق مثل مدينة ذا لاين The Line السعودية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات النفسية والعقلية.
ووصف تحقيق مطول نشرته وكالة "بلومبرغ" كيف أنَّ أغلب الأفكار التي تقوم عليها مدينة "نيوم" مستمدة في أصلها من أفلام خيالية تم إنتاجها في "هوليود" أو ستوديوهات سينمائية عالمية، وكشف كيف أن عدداً كبيراً من الذين عملوا في المشروع انتهوا إلى نتيجة مفادها أنه أقرب إلى الخيال وفضلوا الاستقالة من مناصبهم والعودة إلى بلادهم.
ونقلت الوكالة الأمريكية عن أحد المدراء في نيوم قوله: "دهشت بعض الشيء لما سمعت أن الأمير مهتم جداً بالخرافات العلمية، لكنّ كثيراً من الناس يهتمون بها أيضاً، ومن مختلف القناعات السياسية".
وتطرق التحقيق الى حال السكان الأصليين في المنطقة التي قررت السلطات السعودية تشييد مدينة "نيوم" عليها، وهي قبيلة الحويطات التي تم إخلاؤها من المنطقة، وتم قتل أشهر رجالها الذين اعترضوا بالعلن على إخلائهم من أراضيهم.
وتقول "بلومبيرغ" إن التعويض الذي تحصل عليه العائلة الواحدة من أبناء قبيلة الحويطات بعد أن يتم تجريدها من أرضها ومنزله لا يكاد يعادل راتب شهر واحد مما يتقاضاه بعض الموظفين الأجانب الذين يعملون في نيوم.
ثانياً، هل هذا التعميم سيطبق على الأمراء والنافذين والمقربين من ابن سلمان أم سينحصر بخصومه وعموم الناس الضعفاء؟
إن الفساد الذي يمارسه ابن سلمان وحاشيته والأمراء الموالين له لا يدخل ضمن حيّز ما ادعاه الأول من فتحه لملفات الفساد وإستعادة أموال الدولة، بل إن ابن سلمان حينها حاسب فساد المنافسين له لإضعافهم ولمصادرة إمكانات خصومه وقدرتهم على التقوّي بممتلكاتهم لمقاومته أو إزاحته والعمل ضده. كما انتزع القوة الأمنية لمحمد ابن نايف والقوة المسلحة من متعب بن عبد الله والقوة المالية للوليد ابن طلال وجففها.
ثالثاً، ماذا عن الفئة الفقيرة ممن حصلوا على تعويض بدل انتزاع ملكية؟ فهل سينظر إلى خصوصية وضعهم واحتمالية تملكهم في مكان آخر وصعوبة رد ما حصلوا عليه من تعويض لضعف إمكاناتهم، سيما وأن جزء منهم تلقوا تعويضات بأساسها مجحفة، هل سيتم مصادرة الجزء الذي لم يغط حقهم الطبيعي؟
أمام كل ما ورد، تأتي الإشكاليات المطروحة بوصفها ضرورة وليست ترفا، سيما وأننا أمام نظام امتهن الظلم ولم يعرف عنه يوما إحقاق الحق لأهله. ما يجعلنا أمام احتمالين لا ثالث لهما، الأول أن ابن سلمان بهذا التعميم أراد إصابة آخر فلول الخارجين عن سطوته. أما الثاني بأنه يبتغي إستعادة أملاك الدولة من بوابة الفقراء مبعدا العيون عنه وعن رزم مواليه الفاسدين خاصة في ظل عدم وجود بيئة قضائية شفافة وعادلة في المحاكم.
ارسال التعليق