كيف يهيئ آل سعود شعب الجزيرة العربي والعالم العربي للتطبيع مع إسرائيل؟
التغيير
منذ تولي محمد بن سلمان ولاية عهد مملكة آل سعود، أصبح التطبيع مع "إسرائيل" يستند إلى خطط سياسية وإعلامية مدروسة، وقطعت الرياض شوطاً كبيراً في تهيئة الأجواء العربية للتعايش مع مرحلة جديدة عنوانها الأبرز سيكون "التطبيع الكامل مع إسرائيل".
وساهمت خيبة آمال ولي عهد آل سعود وفشله بمواجهة إيران في تقارب بلاده بشكل أكبر مع إسرائيل، وهو ما أظهرته الدلائل الواضحة خلال العامين الماضيين، التي تشير إلى التقارب السعودي الإسرائيلي، وأصبحت جلية للعلن.
ولعل آخر هذه المؤشرات خلال الأسبوع الجاري (26 يناير 2020)؛ مع إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي السماح لمواطنيها بزيارة السعودية، لأول مرة في التاريخ، ما يؤكد جلياً ذلك التقارب.
في 26 يناير 2020، أعلنت دولة الاحتلال الإسرائيلي السماح لمواطنيها بزيارة السعودية، بعدما وقَّع وزير داخلية الاحتلال الإسرائيلي، أرييه درعي، على قرار يسمح للإسرائيليين بزيارة السعودية، وفق بيان للوزارة نقلته صحيفة "هآرتس".
وسيسمح القرار بالسفر إلى مملكة آل سعود لتأدية الشعائر الدينية في أثناء الحج والعمرة، أو في إطار رحلة عمل لا تتجاوز 9 أيام.
ويشترط قرار السماح بالسفر إلى مملكة آل سعود أن يحصل الشخص المعنيُّ على دعوة من مسؤول سعودي.
ولم تنفِ سلطات أو تصدر تصريحات على تلك التقارير، وعلى الرغم من أنه رسمياً لا توجد علاقات دبلوماسية بين مملكة آل سعود و"إسرائيل" فإن السنوات الأخيرة شهدت تقارباً كبيراً بينهما، وزادت العلاقات بشكل أكبر خلال الأسابيع التي خلت.
زيارات لآل سعود
وفي 25 يناير الجاري، عرضت القناة الـ"12 الإسرائيلية" تقريراً من إعداد المراسل هنريكه تسيمرمن حول "التحديث والانفتاح" الذي يجري في مملكة آل سعود برعاية بن سلمان.
وذكرت القناة أن تسيمرمن هو من "الإسرائيليين المعدودين الذين استطاعوا زيارة السعودية"، وذلك للاطلاع على "المملكة المغلقة التي ربما نستطيع زيارتها لاحقاً"، وفق تعبيرهم.
وأشارت القناة إلى أن المراسل تمكن من مقابلة الجنرال السعودي محمد الشريف، الذي أكد أن "السائحين مدعوون لزيارة السعودية، فنحن نريدهم أن يأتوا ليروا دولتنا ويتعرفوا عليها قدر الإمكان".
وفي 5 ديسمبر الماضي 2019، نشرت صفحة إسرائيل بالعربية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، على "تويتر"، صوراً تظهر زيارة يهودي إلى المملكة العربية السعودية، مؤكدة أن ذلك يأتي "نتيجة كسر حواجز الشك المبنية على مدى عقود".
وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها هيئة الإذاعة الرسمية، مقاطع الفيديو، لافتة إلى أن الزيارة قام بها يهوديان لم تسمهما، في حين تظهر الصور التي نشرتها إسرائيل بالعربية قيامهما بجولة التقطا فيها صورة قرب برج المملكة، أحد أهم معالم عاصمة آل سعود الرياض.
وقالت إسرائيل بالعربية في تعليق على الصور: "بالصور.. قام سائح يهودي بزيارة إلى مملكة آل سعود مؤخراً، واستُقبل بترحيب حار من قبل السكان السعوديين".
زيارة ترامب.. بداية مؤشرات التطبيع
ولعل بداية مؤشرات التطبيع انطلقت في يونيو 2017، عندما أُطلق وسم "سعوديون مع التطبيع"، بعد أيام من زيارة قام بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للرياض في 21 مايو من نفس العام.
وقبل وصول ترامب إلى الرياض جرى الحديث عن بعد في الزيارة يتعلق بمفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لا سيما أن محطته الثانية كانت فلسطين المحتلة، من أجل لقاء رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وذهبت بعض الأصوات في مملكة آل سعود للمناداة بضرورة أن تبادر البلدان العربية بخطوات تطبيعيّة تجاه إسرائيل من أجل كسب ود الإدارة الأمريكية.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، قبل الزيارة بعدة أيام، تقريراً أشار إلى أن حكومة آل سعود أوصلت لإدارة ترامب استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل من دون شروط، وأنها بذلك تسحب من التداول المبادرة التي تقدمت بها للقمّة العربية عام 2002، التي تقوم على إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من الجولان، مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها.
وفي أبريل 2018، قال ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان إن الإسرائيليين لهم "حق" في أن يكون لهم وطن، مضيفاً في تصريحات أدلى بها لمجلة "أتلانتك" الإخبارية الأمريكية: "أؤمن بأن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش في سلام في بلاده".
التمهيد للعرب من أجل التطبيع
وشهد شهر مارس من العام الماضي 2019، محاولة سعودية لإقناع العرب من أجل التطبيع، عندما اعترض رئيس مجلس الشورى السعودي، عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، خلال تلاوة البيان الختامي لمؤتمر الاتحاد البرلماني العربي في العاصمة الأردنية عمان، على توصية جاء فيها أن من أهم خطوات دعم الفلسطينيين وقف كل أشكال التقارب والتطبيع مع المحتل الإسرائيلي.
ودعا آل الشيخ إلى إزالة هذه التوصية؛ باعتبارها صيغت بشكل دبلوماسي، وقال إن هذا الموضوع من مسؤولية السياسيين لا البرلمانيين.
ودفع تصريح آل الشيخ رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، ورؤساء برلمانات آخرين، إلى الرد عليه، وتأكيد ضرورة رفض جميع أشكال التطبيع مع إسرائيل.
كما أرسل آل سعود -أول مرة- منتخب بلادهم الوطني الأول لكرة القدم إلى رام الله، في أكتوبر الماضي، لملاقاة المنتخب الفلسطيني، ضمن التصفيات المزدوجة المؤهلة لكأس العالم لكرة القدم، وكأس أمم آسيا.
مستقبل مزدهر للعلاقات
وتوحي كل المؤشرات بازدهار العلاقات بين الاحتلال وآل سعود؛ فالخطوات التي تتخذها حكومة الرياض بدعم واضح من ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان، تذهب في هذا المنحى.
فبعد تعاون آل سعود العسكري مع "إسرائيل"، الذي كشفت عنه مصادر مطلعة في وقت سابق لـ"الخليج أونلاين"، وتغيير لهجة إعلامها -المعروف بتبعيّته للسلطة- نحو تشجيع التطبيع، وفتحها المجال الجوي أمام الطيران المتجه لـ"إسرائيل" المحظور منذ 70 عاماً، أعلنت في سبتمبر الماضي، أن أبوابها مفتوحة للسياح من مختلف دول العالم، دون أن تضع أي شرط؛ ما يعني (ضمناً) السماح للإسرائيليين بزيارة المملكة.
وسبق السعوديون الإسرائيليين في التشجيع على إجراء رحلات سياحية، لا سيما من خلال وجوه إعلامية أخذت على عاتقها ترويج التقارب مع "إسرائيل" على مرأى ومسمع من سلطات المملكة التي بدا صمتها مؤيداً للتقارب.
وفي أغسطس الماضي، قالت الصحفية والكاتبة السعودية سكينة المشيخص، في لقاء خاص مع قناة "مكان" العبرية: "لا توجد لدينا مشكلة سياسية مع إسرائيل. إسرائيل لم تطلق علينا حتى رصاصة".
وعن زيارة "إسرائيل" مستقبلاً تقول المشيخص: "الزملاء الذين زاروا إسرائيل استفادوا بأن رأوا إسرائيل من الداخل، وأنا مستعدة أن أزور إسرائيل في المستقبل، بالتأكيد".
ارسال التعليق