لماذا غابت الأصوات المعارضة لقرار السماح بقيادة المرأة؟
على مدى عقود، خضع وضع المرأة في المملكة العربية السعودية للتدقيق الدولي، وفي كثير من الأحيان، السخرية. وكان من أكثر الأدلة المعترف بها على نطاق واسع لقمع المرأة السعودية الحظر على القيادة. عندما تسافر النساء السعوديات إلى الخارج، وذلك يشملني أنا شخصيا، غالبا ما نمر بجوار أشخاص لا يعرفون شيئا عن الأعراف أو المجتمع السعودي، ولكن مع ذلك سوف يسألون «هل يمكنك القيادة في بلدك بعد؟» للمرة الأولى، سنكون قادرين على الإجابة بـ «نعم». أو على الأقل بعد يونيو/حزيران عام 2018.
وقد أعلن غالبية الرجال والنساء السعوديون ابتهاجهم في مواقع التواصل الاجتماعي منذ صدور المرسوم الملكي الذي ألغي الحظر في 26 سبتمبر/أيلول. ولكن ما كان مفقودا بشكل واضح هو رد الفعل العنيف الذي كان متوقعا من قبل المجتمع المحافظ، وهو التوقع الذي تم استخدامه بشكل منتظم كأحد المبررات الرئيسية لإبقاء النساء بعيدا عن عجلة القيادة. ومن يستطيع أن ينسى بعض الحجج المحرضة التي أثارتها المؤسسة الدينية ضد القيادة النسائية، مثل التحذير من أن القيادة سوف «تضر مبايض النساء» أو «تؤدي إلى الزنا» أو كما قال أحدهم هذا الشهر فقط، أن النساء غير قادرات على القيادة لأنهن يملكن «ربع عقل» الرجال. وعلى الرغم من وجود وجهات النظر هذه في البلاد، لم تكن هناك مع ذلك حركات شعبية واضحة تعارض قرار رفع الحظر. وقد اعترض المحافظون في الماضي علنا على قرارات الحكومة السعودية، وخاصة فيما يتعلق بإصلاحات حقوق المرأة.
وخلال الستينات، عندما حاول الملك «فيصل» وزوجته، عفت «الثنيان»، إدخال تعليم الإناث إلى المجتمع السعودي، واجها مقاومة قوية من زعماء القبائل وأتباعهم. وفي جميع أنحاء البلاد، أثارت فكرة مشاركة المرأة في المجال العام وتلقي التعليم الرسمي قلقا غير معقول بين رجال الدين وعموم الناس على حد سواء. وفي نهاية المطاف، وبدون جهود كبيرة من الناشطين لتعليم الإناث، قبل المجتمع ذلك. ومع ذلك، لم تؤمن موافقة رجال الدين إلا بشروط معينة تتعلق بمناهج تعليم الفتيات وبيئتهن.
وفي الآونة الأخيرة، تدور الاضطرابات الداخلية حول مسألة عمالة المرأة. وفي عهد الملك الراحل «عبد الله»، تم تنفيذ سلسلة من الإصلاحات تهدف إلى زيادة نسبة النساء في القوى العاملة. وصدر قانون عام 2006 ينص على ضرورة تزويد محلات الملابس ومستحضرات التجميل بعمالة من النساء. وتم تأجيل تنفيذ القرار حتى يناير/كانون الثاني عام 2012 بسبب الضغط الشديد من جانب المؤسسة الدينية التي تعارض مفهوم أن يكون هناك نساء في المحلات التجارية يتعاملن مع الزبائن الذكور (ومن الواضح أنه لم يكن لديهم مشكلة في شراء النساء لملابسهن الداخلية من متاجر يشرف عليها الذكور). وفي عام 2010، دعا رجال الدين إلى مقاطعة سلاسل محلات سوبر ماركت تستخدم الإناث في العمل، وأصدر مجلس كبار العلماء، وهو أعلى هيئة دينية في المملكة، فتوى تعلن عدم السماح دينيا للمرأة بالعمل في الأماكن التي تختلط فيها بالرجال. وكما هو الحال بالنسبة لتعليم الإناث، فقد اختفت المحرمات التي تحيط بعمل المرأة من الخطاب السعودي السائد. ووفقا للأرقام الرسمية، ارتفعت نسبة النساء السعوديات في القطاع الخاص من 12 إلى 30% بين عامي 2011 و2017.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المعارضة المحلية لإصلاح حقوق المرأة لم تكن قاصرة على الرجل. وقد خرجت النساء السعوديات مرارا وتكرارا دعما لبعض السياسات التي تحد من حرياتهن. وفي عام 2010، حصلت حملة تقودها النساء بعنوان «ولي أمري يعرف ما هو الأفضل بالنسبة لي» على 5 آلاف و400 توقيع على عريضة تطالب بعقاب الناشطات اللواتي يطالبن بالمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، بما في ذلك وضع حد لنظام الوصاية. ومع ذلك، كانت النساء في طليعة الحملات المتقطعة لإنهاء الحظر منذ التسعينات، ودفعن الثمن الرسمي لذلك بالتعرض للجلد والسجن والنفي. وقد فرحت العديد من هؤلاء الناشطات، بمن فيهم «منال الشريف» و«عزيزة اليوسف»، بنبأ المرسوم الملكي الأسبوع الماضي.
ومن بين المنضمين إلى جوقة الاحتفال مجلس كبار العلماء. وقد أعلن دعما قويا للقرار، على الرغم من مقاومة المؤسسة نفسها لقيادة النساء في السابق. وأشادت الصحف السعودية، في نفس الوقت، بهذه الخطوة كخطوة تاريخية. وقد غمرت قنوات التواصل الاجتماعي رسائل التبريكات، في حين تميزت في بعض الأحيان ببعض النكات البسيطة بشأن تأثير قيادة المرأة سلبا على سلامة الطرق، وتعكس في معظمها ردود فعل تخوفية من هذا التحول. وبالنظر إلى أن العناصر المحافظة كانت تقف تقليديا في طريق أي شيء يعزز استقلالية المرأة، فهل يعني ذلك أنها قد تحولت في آرائها بين عشية وضحاها؟ هناك عدد من التفسيرات المحتملة لعدم وجود رد فعل مرئي في هذه الحالة. وأحد العوامل هو المستوى المنخفض جدا من التسامح مع المعارضة في البلاد، لاسيما وأن الحكومة في خضم تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق تهدف في المقام الأول إلى إعادة هيكلة الاقتصاد وتطوير بعض قطاعات الخدمات الأساسية في البلاد. وقد تعرض العشرات لحملة اعتقالات مؤخرا، طالت كلا من المعارضين وحتى أولئك الذين لم يعربوا بشكل كاف عن دعمهم لسياسات الدولة. وفي مثل هذا المناخ، يصعب فهم ما يمكن أن يتعرض له من يرفض مثل تلك القرارات، على الرغم من أن هذا لم يمنع بعض التحفظات والمقاومة التي تم التعبير عنها في وسائل التواصل الاجتماعي.
وهناك عامل رئيسي آخر هو تزايد عدد الشباب في البلاد، حيث أن أكثر من 50% من السكان دون سن 25 عاما. وقد تلقى مئات الآلاف من هؤلاء التعليم العالي في مجتمعات تقدمية نسبيا مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا، منذ إطلاق الملك الراحل «عبد الله» برنامج المنح الدراسية عام 2005. وعلاوة على ذلك، يعد السكان السعوديون من أكثر الشعوب اتصالا بالعالم الرقمي، مع الآثار التي لا يمكن إنكارها على المواقف المحلية بسبب ذلك، سواء من حيث زيادة التعرض للاتجاهات في جميع أنحاء العالم، وكذلك الوصول إلى أولئك الذين لديهم وجهات نظر وخلفيات متنوعة في مجتمع كان حتى الآن متخلفا ومنقسما بشكل نسبي. وصحيح أنه قد لا تكون هناك بالضرورة روابط قابلة للقياس بين هذه الظواهر والتحرر الاجتماعي، لكن مع ذلك، فقد أظهرت عدد من الدراسات أن الشباب السعوديين مفتونون على نحو متزايد بالثقافات وطرق الحياة المختلفة، وكذلك أكثر استعدادا لقبول التغيير. وفي حين لم تتغير التقاليد الأساسية والقيم العائلية، فإن جيل الألفية الجديدة في السعودية لا يشبهون أسلافهم.
وهناك بالطبع مسألة حدود التسامح تجاه هذه التغيرات من العناصر الدينية الأكثر تجذرا في المجتمع السعودي. وفي عام 1979، عندما شعرت بعض هذه العناصر بعدم الارتياح إزاء وتيرة التغيير و«غربنة» المجتمع السعودي، قامت جماعة متمردة بقيادة جهيمان العتيبي، أحد أفراد عائلة سعودية بارزة، بحصار المسجد الحرام في مكة، في عملية استمرت أسبوعين، أدت إلى مئات القتلى وتنفيذ الحكومة لقانون اجتماعي إسلامي متقشف في أعقاب ذلك. لكن اليوم، في حين تمضي المملكة إلى الأمام في برنامجها التنموي «رؤية 2030»، فإن رهانات التغيير أعلى بكثير، مع احتمال أن تستفيد الجماعات المتطرفة العابرة للحدود من التنافر الداخلي والأفراد المتطرفين، في بلد كان حتى الآن معقلا لنظام اجتماعي وثقافي تقليدي محافظ. وفي حين لا توجد مقاومة متضافرة حتى الآن ضد قيادة المرأة، سيكون من السذاجة أن نفترض أن أولئك الذين يعارضون مثل هذه السياسات قد اختفوا تماما.
ارسال التعليق